د. محمد عبدالله القواسمة - حياة الإنسان والرواية

في تصوري أن حياة الإنسان تتشابه والرواية تشابها كبيرًا مع أنهما مختلفتان في أن حياة الإنسان قائمة على الجسد وأعضائه وأجهزته، وإذا تعطل عملها انتهت الحياة، أما الرواية فكائن من كلام مكتوب على ورق أو على شاشة الحاسوب، وإذا انتهت الكلمات انتهت الرواية.

أما التشابه بين حياة الإنسان والرواية فيتجلى بأن حياة الإنسان تتكوّن من مراحل، تبدأ من مرحلة الطفولة، فمرحلة الرشد، ثم الشيخوخة، وقد تتوقف عند إحداها وتنتهي. وكذلك الرواية تتكون من سلسلة من المراحل التي يمر بها الإنسان الروائي، أو بالتعبير السردي الشخصية الروائية. وقد تتناول الرواية مرحلة أو أكثر للشخصية، وبعض الروايات تتناول مراحل لشخصيات من عدة أجيال، كما يبدو في ثلاثية نجيب محفوظ على سبيل المثال.

ومن أوجه التشابه أن حياة الإنسان تتكون من بداية ونهاية، وما بين البداية والنهاية، أي الوسط سلسلة من الأحداث والتطورات والتغييرات التي تطرأ على الإنسان. والمعروف في علم النفس أن بداية حياة الإنسان لها أهمية بالغة في مسيرة حياته كلها؛ فعليها قد يتوقف مستقبله ومصيره. والرواية التقليدية أو الحديثة لها بداية ووسط ونهاية، وفي الوسط تلك الأحداث والوقائع والتفاصيل التي تعايشها الشخوص، ويختار منها الروائي ما يلائم عالمه. وبداية الرواية مهمة؛ فهي مدخل لعالمها، تتبين فيها شخصياتها الرئيسية ومكانها وزمانها، ومنها تنطلق الأحداث لتصل إلى نهايتها حيث تغيب الشخوص، وتظهر فكرتها المركزية.
ومن الظواهر الأخرى التي تتشابه فيها حياة الإنسان والرواية أن حياة الإنسان تتبدى في زمان ومكان. وكذلك في الرواية فإن الشخصية الروائية تتفاعل مع الشخصيات الأخرى، وتتعامل مع الأشياء، وتتحرك في فضاء من المكان والزمان.

وتشبه حياة الإنسان الرواية بأن الحياة تتسع لأشياء كثيرة، وتقوم على وقائع فكرية ونفسية وظروف بيئية متعددة، وتمتلئ بالأحداث التي منها ما يفرح ومنها ما يحزن، ولا تخلو من أحداث غريبة وعجيبة، وظواهر خرافية وأسطورية. كذلك الرواية فهي عالم تخييلي، يتسع لعرض حياة الشخصية من خلال عالم فيه يمتزج الواقع بالخيال، وتتداخل الأجناس الكتابية، وتتعدد الأصوات.

كما تتشابه حياة الإنسان بالرواية بأن الإنسان يحاول أن يجد معنى لحياته التي تمتاز بالقصر إذا ما قيست بحياة الكون، كذلك الرواية إذ يحاول الروائي أن يجعل لروايته معنى من خلال تكثيف الحياة في عالمها التخييلي، فيظهر قصرها كقصر حياة الإنسان ضمن روايات العالم المتعددة. إزاء هذا الواقع الروائي تبدو الصورة كأننا أمام نوع من تداخل الروايات كما في عالم "ألف ليلة وليلة".

إن هذا التشابه، بين حياة الإنسان وعالم الرواية، دفع الإنسان إلى أن يعود إلى جذوره الأولى فيهتم بالسرد، عندما كان يقص الحكايات عند عودته إلى كهفه. بدأ بقصها شفاهية، ثم نقشها على الصخور وجدران الكهوف، ثم كتبها في مراحل أخرى من تقدمه في سلم الحضارة على جدران المعابد والأضرحة، وعلى الرقاع والجلود، ثم على الورق بظهور الطباعة، وانتهى به المطاف في العصر الرقمي إلى اعتماد الرواية الفن الذي يعبر عن حضارته بوصفها سليلة جنسها القديم الحكاية.

استنادًا إلى هذا يمكننا القول إن حياة الإنسان بما فيها من انتكاسات وانتصارات ما هي إلا رواية تسجل تاريخه، وترسم عالمه، وتعرض حياته بكل جوانبها وخاصة الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، وما يمور فيها من عوالم السحر والخرافة والأساطير وغيرها. إنها عالم تخييلي معادل لعالم الإنسان.

لعل هذا ما يفسر رغبة كل فرد أن يكتب روايته، كما يفسر كثرة الروايات والروائيين، واندفاع كثيرين إلى قراءة الرواية ومحاولة كتابتها، وإقدام المؤسسات الثقافية في أنحاء العالم على الاحتفاء بالرواية وتخصيص الجوائز السنية لها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى