محمد حامدي - السِّدَادَة

انسل متثاقلا عبر الزقاق الضيق في حَمِّ تلك الظهيرة بعد أن أعلن " الدَّبُّو" عن حلول وقت التحاق عمال الفوج الثاني بالمنجم. في أقصى الزقاق توقف قبالة دكان سي علي ليسترجع بعض أنفاسه، ثم استسلم لرغبته في اقتناء قنينة مشروب غازي ربما يطفئ ما أججه فيه ماء الصنبور من عطش، ومن يدري؟ قد يكون الحظ حليفه هذه المرة، ويعثر على صورة ثلاجة في بطن السدادة. أحكم سي علي عنق القنينة الزجاجية، ونزع سِدَادَتَها محاولا خنق شخيرها بإبهامه المفلطح بينما كانت يده اليسرى منهمكة في سحب دُرج ليخرج منه كراسة الدين. ناوله القنينة، فشرع في تسجيل ثمنها في ذيل ما سجل عليه من دين لحد الساعة. مسك القنينة وهو يمسِّد عليها، ويمسح فُوَّهَتها، وعيناه ترمُقان ما يكتبه سي علي. لاحظ أن الثمن المسجل يزيد بعشرين سنتيما، فلما استفسر عن سر الزيادة، أقنعه سي علي أن ذلك مقابل التبريد، فما كان منه إلا أن يبلع غيظه مع عَبّه المشروب دون تنفس حتى انفجر أنفه وأحس بطعم حامض يعبر منخريه أرغمه على سُعْلَةٍ كادت أن تُسْقِطَ مُقْلَتيه من رأسه لولا إسعاف سي علي الذي اكتفى بضرب رقبته لينفرج حلقه. صب في جوفه ما تبقى من محتوى القنينة، وسوَّى وضع خوذته، ثم غاب بين تلال الفحم الصغيرة المتناثرة في أرجاء القرية. كان بوده أن يجد في بطن سدادة القنينة هدية من الهدايا التي صدعوا رأسه بها في الملصقات الاشهارية وشاشات التلفزيون. كم كان يمني نفسه وأسرته أن يربح ثلاجة قبل حلول شهر رمضان لينعم بانتعاشة السوائل في عز الحرارة. احتفظ بالسدادة ذات العجلة في انتظار تجميع باقي أجزاء الدراجة النارية على الأقل ليتسنى له مستقبلا طي تلك المسافة التي تفصل بين منزله وموقع عمله.

ه-----ه

محمد حامدي
من مجموعة (رغبات مؤجلة)
مترجمة عن النسخة البرتغالية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى