د. صلاح سلام - رحلتي الى السودان

في رحلتي الى السودان الاسبوع قبل الماضي حملتنا باخرة نيلية تتبع نادي البترول بدعوة من مضيفنا بعد اسبوع عمل لنرى النهر الخالد وبدأت الرحلة في اتجاه الحبشة حيث النيل الأزرق ثم عدنا قبل غروب الشمس لنرى تعانق النيل الأبيض بالنيل الأزرق قرب ام درمان وامعنت النظر جيدا ..فعلا هذا النيل ازرق وذاك القادم من أوغندا ابيض ومؤكد ليس لان هؤلاء من عرق ازرق واولئك قلوبهم بيضاء ولكن نظرا لعمق المنطقة إذ يصل لأكثر من عشرة أمتار ومنطقة النيل الأبيض لاتزيد عن مترين فالطمي يعطيه اللون الأبيض.. وعلى الفور استدعت الذاكرة اغنية عبد الوهاب التي صاغها له امير الشعراء احمد شوقي..النيل نجاشي...حليوة اسمر ..عجب لونه دهب ومرمر.. ارغوله في ايده يسبح لسيده. حياة بلدنا ...يارب ديمه...فهل النيل نجاشي فقط..اكيد لا ولكن شوقي أراد أن يربطه بذاك الرجل الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم..وهو يأمر اتباعه بالهجرة الأولى إلى الحبشة تفاديا لبطش قريش..اذهبوا إلى الحبشة فان فيها ملك لايظلم عنده أحدا.. ما أجمل هذا الوصف من رسول الإنسانية برغم أن الرجل لم يكن مسلما...وفي خطاب رسول الله عبرة وحكمة لكل المتشددين...وسبحان الله الذي بدل النجاشي بحاكم اخر لايحمل اي من صفات ذاك الرجل ومع هذا يهديه العالم المسيس جائزة نوبل للسلام ..فيستخدمها كأنها رخصة للقتل والدمار واغتصاب حقوق الدول المجاورة...واستمرت رحلتنا وانا أرى الحليوة الاسمر والذي يصف به سمرة اهل النيل ربما اكثر من وصفه للنيل ذاته. ...وبرغم أن محمود حسن اسماعيل ..قال سمعت في شطك الجميل ماقالت الريح للنخيل..وأغصن تلك أما صبايا شربن من خمرة الأصيل...ولكني وبرغم كثافة الأشجار على جانبي النهر لم أرى النخيل...وهالني مارأيت من تخريب اثر ثلاث سنوات من الثورة وعدم الاستقرار وقطع الطرق وتهدم الأرصفة والبلاعات بلا غطاء والتي ربما ابتلعت عشرات أمثال ريان... وعاد المشهد فلاش باك إلى مابعد يناير ٢٠١١ في بلدنا المحروسة و أن كان المشهد هناك ربما يكون أكثر ظلاما... برغم العقول المتفتحة وذوي الرأي السديد الذين تبادلنا معهم الحديث والرؤى.. والغريب انني ونحن في ضيافة احد الاصدقاء في استراحته فهو يعمل في مفوضية الأمم المتحدة هناك وكنا نجلس في حديقة الاستراحة مساء وسألته عن الشجرة الضخمة التي تجاورنا فقال لي انها شجرة النييم فسالت باستغراب انا اعرف ان هذه الشجرة تمنع الناموس ومع ذلك الناموس يحيط بنا واضطررنا لاستخدام دخان خاص لتطفيش الناموس...فقال لي لأن هذا الشارع الذي نسكن فيه كان يتم تنظيفه وغسله صباحا ومساء...فاندهشت لان الشارع قد أصبح وكأنه من شوارع برلين في الحرب العالمية الثانية... ولم افكر كثيرا وانا ارد...الحمدلله على نعمة مصر...فقد اسبغ الله نعمته علينا بفيض كريم ومن لايشعر بهذه النعمة عليه أن يزور اي من دول الجوار...ولكن في خضم هذا الخلل الثوري ترى مبان فخمة وجميلة ووزارات ونوادي راقية.. واستغربت أن هناك وزارة للمعادن غير وزارة البترول..وعلمت من مصدر شعبي أن السودان ينتج قرابة المائة وعشرون طن من الذهب سنويا...ولكن للأسف انه يتم تصدير معظمها بطرق مختلفة وملتوية ولاتحقق الاستفادة المرجوة... واتضح من المساحات الشاسعة والمياه الوافرة اننا أمام بلد ابسط مايقال عنه انه يمكن أن يكون سلة طعام الوطن العربي كله سواء من الزراعة او الثروة الحيوانية....فعلا بلدة طيبة وشعب أطيب ورب غفور....وتمضي الرحلة مع وفد المنظمة العربية لحقوق الانسان لتقديم الدعم المؤسسي لكل القطاعات الحكومية والمجتمع المدني للمساعدة في بناء القدرات .. والتي صاحبها انفراجة كبيرة عمن تم احتجازهم على خلفية الاحتجاجات وكان ذلك بطلب من رئيس الوفد ورئيس المنظمة العربية..كبادرة حسن نية حتى نستطيع توقيع بروتوكول التعاون واستمرار الدعم المؤسسي...ولايمكن ان نطوي صفحة الزيارة دون ان نذكر أن هذا الشعب الواعي والذي يحتسي السياسة مع اكواب الشاي التي ترى لها أركان بجلسات في كل مكان سواء على ضفاف النيل او في الشوارع الرئيسية وغير الرئيسية..واللافت فيها أيضا أن جميع من يقومون بهذا العمل من السيدات..وعلمت أيضا انهم استطاعوا إشهار نقابة لهم إذ يصل عددهم لأكثر من ثمانية آلاف سيدة...وفي نفس السياق وانا اقرأ بعض الاخبار في الصحف السودانية احزنني خبر ان هناك حوالي خمسة ملايين طفل سوداني يعانون من شبح الجوع بسبب تدهور الأحوال الاقتصادية فكما أن للثورات وجه مشرق فإن لها ثمن فادح تدفعه الطبقات المهمشة والتي تعيش حياتها يوم بيوم وتقتات من فتات الايام...ولكني برغم ذلك على ثقة بأن الفجر لن يغيب وستقف السودان الشقيق على قدميها بجهود رجالها المخلصين وما اكثرهم ..وكم لمست فيهم حبهم الشديد والازلي لكل ماهو مصري والأجمل انهم مؤمنين بوحدة الدم والتاريخ والمصير



.0https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=3126126914381060&id=100009513452609

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى