د. سيد شعبان - التربيع والتدوير من جديد.. السيد بعوضه

لا أدري كيف أصفه، عجزت أن أحدد معالم وجهه؛ يتماوج كماء البحر، بل هو ريح أمشير لا تأتي على شيء إلا وتركته عصفا مأكولا أو عهنا منفوشا، لا تعرف بطنه القرار، ولا يرفع ثوبه إلا للفرار، يبتسم في وجهك وقد يضحك ضحكة صفراء.
له وجه أشبه برغيف الخبز المدور، تتدلى لهزمته ويتراخى منه الخدان، يقلد القرد ويصطنع لكبير الناحية ألف حيلة.
يغدو ويروح وفي جواله ألف حكاية مسرودة من رمال شاطيء تدفعه الأمواج، يظن نفسه الأوحد بيانا فيتعاظم داؤه ويتزاكم منخره، يرتدي بردة البوصيري مزاهدا بها في الورق؛ وأحيانا ينتهب بها الحسان؛ يخال نفسه نزارا.
أو لعله تلبس بالجاحظ فغلبه شيطانه فما احتوى عنب الشام وما اجتنى بلح اليمن
يرغي ويزبد وهو إلى الهذر أقرب.
قلت أتحاشاه فأمسك بي بعض قول منه، تباعدت عنه فأسرع إلي رجاء أن أحمله على دابتي؛ لعرج أصيب به.
في الذباب مملكته يطن بها صباح مساء؛ يصعد بجناحيه فوق مسابخ علب الصفيح؛ فلا يقع إلا على وخم المراتع ومخمل الأماكن.
لا ماء لقوله ولا رواء لنهجه، يكد في قوله عراك الرحى؛ يخرج نثار غبار، يدفع بغلمان أتى بهم عونا؛ فكان أعجوبة الأدباء وطرفة أسمار ليل حالك!
بإطاره فساء ولنفسه ضراط، التمست له شفاء من علة وبرء من سقم لكنه تمادى وتعالى فهوى من أعلى؛ ليته أمسك فنجا أو انتصح فما غوى!
يهرع إلى شاشة التلفاز مرآة يتناظر بها، أو يكري مذياعا يطنطن به سطور نظمه، عصر الغواة وما برح بعضهم يخادن بعضا، أمسكت به ألا يتساقط جمر لهب فما نالني منه غير استعلاء، وخففت من غلوائه فنصابني العداء؛ إن لم أوقع على فسائه هجر مقالتي، ما درى أنني مدفوع بالأبواب لا سبيل إلى شاشة تظهر خفايا نفس آدت بها الأيام إلى عز وارتفعت به ثقافة أن تطامن من فخر.
لي كسوة صوف وكعب ماء صاف، أفترش الأرض وألتحف السماء، كفاني ربي سلم الوهم صعود هاوية، فالناس واهم أو هارب أو مدع بالإفك غير مصدق.
يرفع راية بين القوم تقف فوقها بومة وينعب غراب؛ هي نسج عناكب تصيدت الذباب فصار طنينا.
يحري ويهرف ويصيح فيتبعه الصغار أن السمر حان وقته ورمي الححر جاء أوانه، كم آسى له أن مسه جنونه وهوى به غروره.
لكنني تركته فما بي صبر نوح على قومه ولا عمل موسى تلقف عصاه هذره، تذكرت قول ربي : " فأما الزبد فيذهب جفاء".

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى