عبدالنبي فرج - الكاميرا.. قصة قصيرة

تحررت هذه الليلة من الكاميرا وقررت أن أمارس نزواتي هذه الليلة دون أن التفت لحالة الزهد التي انتابتني في الفترة الأخيرة.. خرجت بالسيارة.. دخلت بارًا وطلبت عدة كاسات حتى نمل جسمي قليلاً وبدوت أتخفف من كثير من المشاكل والأمرض المستوطنة داخلي.. خرجت موهومًا بكوني سعيدًا؛ لذلك قررت أن أذهب لحفلة كانت قد دعتني إليها ممثلة شابة.. تلاحقها الأضواء.. ولها روح خفيفة لا يمكن إلا أن تنحاز لها.. وكنت أعلم أن تلك الزهرة ستنطفئ ببطء ولا يبقى منها غير مساحيق وبلادة ووقاحة. ولكن علينا الآن أن نرقص حول الزهرة.. قبل أن تذبل وتسقط..

دخلت، كنت أعلم أنني أستطيع أن أصنع جوًّا مبهجًا في المكان.. عن طريق النكت والغناء المرتجل والحكي الذي فرضت عليه القاهرة ممارسته. فأنا قضيت وقتًا طويلاً بلا عمل حقيقي ولا يمكن أن أمشي بدون بشر.. ولذلك كان عليّ أن أكون مسامرًا لذيذًا حتى يأتي الناس إليّ كما يجب أن أنصت لهم أيضًا..

ظللت في الحفلة حتى وقت متأخر وكنت بدأت أسكر.. ورغم ذلك كنت أعي ما أقول، أضبط كلامي جيدًا.. وعندما أتت صاحبة الحفلة وجلست جواري وصبّت لي كأسًا ورحبت بي نظرت إلى عينها وعلمت أن هذا المكان مكانها الحقيقي وأنها من الممكن أن تكون فنانة عالمية.. وجهًا صبوحًا معبرًا وكاذبًا. كاذب إلى أقصى درجة ولكن سيفتش المخرجون عنها حين الإغراء في مساحة جسدها المهول وابتسامتها المغرية… مع أنني أراها في الأدوار الإنسانية العالية القيمة وأن مجرد أن يلتفت إليها أحد من تلك الناحية سيحولها إلى أسطورة.. ولكن حولنا شريط السينما إلى مجموعة من المشاهد المبتذلة الوقحة دون أي عناية حقيقة.. خرجت من الحفلة ولم أعلم ما قلت لها.. وسرت في الشارع ناسيًا أنني أتيت بسيارة فسرت في الشوارع الخالية من البشر، فقط أضواء تصب لعنتها علي حتى تصورت أو شعرت فعلاً أن أحدًا يسير ورائي.. لم التفت.. وتقدمت في السير ببطء وثقة مفتقدة، ولكن الصوت بدأ يقترب مني.. يقترب مني فعلاً – فيه إيه؟.. من الذي يسير ورائي ؟

حاولت أن أطمئن نفسي وأنني مرتاب بطبيعتي وأني مصاب بهوس ووساوس قهرية.. وأن أحد ما كان يعمل في مكان.. وعاد متأخرا.. فيه إيه؟… بدت دقائق قلبي تزيد وعرق يغمر جسمي، انحرفت فجأة في حارة مظلمة.. اندفعت ولكن صوت الأقدام يتبعني وضوء كشافات يغمرني.. ارتعبت فعلاً وأخذت أجري من شارع لشارع وخلفي صوت لهاث.. وبين ضلوعي قلب ينتفض.. ولم أجر من زمان، وقد تعبت والكشافات تتبعني حتى اصطدمت بنهاية الحارة المسدودة أمامي، أي سلطة، أي شيطان يتبعني.. أدرت ظهري نحو الكشافات وبدوت في مواجهة الضوء أغمض عيني وأنا أعلم أن الرصاص سينهمر عليّ من الكشافات المضبوطة باتجاهي.. حتى انطفأت عين من عيون الكشافات ثم الآخر.. فتحت عيني، كادت الكاميرا تقبض علي وأنا في أشد الحالات ضعفًا وقهرًا ورعبًا.


عبدالنبي فرج



الحوار المتمدن-العدد: 3527 - 2011 / 10 / 26 - 23:17

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى