د. سيد شعبان - ليل صنعاء!

دقت الساعة معلنة منتصف الليل؛ تتحرك الوساوس والخيالات محدثة صخبا لايدري به إلا من تلبسته الظنون، ثمة حفيف لأوراق الشجر يترك فزعا، تموء في تلك اللحظات القطط الثلاث التي رزقنا بها؛ انضم جرو صغير إلى الكلبين الذين ضربهما العجز، عله يفلح في أن يأتينا بجديد، كل شيء هنا اعتاد الرتابة، يمضى النهار دون حدث مغاير، بدأ النوم يخايلني وسنه، تتسلل الأحداث وقد ارتسمت شخوصا بها حياة، مرهقا ذهبت إلى عالم آخر؛ تأتي بلقيس قد كشفت عن ساقيها؛ أحاول النظر إليها، تتملكني رهبة ملكة لديها حرس شديد!
يستدير وجهها قمرا ينير ظلمة حجرتي الرابضة في جوف الصحراء؛
رغم هذا يقال إن لديها ساقا عنزة. أبدو قويا يمتلك أفيالا وأسودا، يصدر أمرا بأن يحملوا إليها كرسي العرش الذي جاءني فوق تلال من جماجم؛ تموء القطط مجددا تنبح الكلاب، ينهق الحمار الأشهب؛ يبدو أنهم يتجاوبون مع الحلم فيهزأون بصاحبهم الذي انفكت تكة سرواله!
ألمح صورة أبي الذي ارتحل منذ فترة، يشير بسبابته محذرا: بلقيس من استهام بها قتلته!
يزعق خارج البيت؛ ينعب غراب ويتبعه وطواط؛ إنهم يحتفون بأمير سيجدون في بلاطه خصورا ونحورا؛ يتنادى أوباش يمسكون بزنابير تقارب العصافير؛ حقا تحتاج بلقبس عرسا يليق باليمن الذي كان يوما سعيدا!
تومض عينا البردوني الحجريتان؛ عاشق صنعاء الذي تراقصت بلقيس في مخدعه؛ -رهينة- يادماج السل والجرب!
-اسمع ياولدي:
بالقرب من باب البيت حجر؛ ارفعه ستجد تحته سيفا يعلوه الصدأ؛ اغتسل وتطهر؛ اطرد وهم الانثى، اقتل الفأر ذا الذنب الأسود، حينها ينهار سد الحبش.
يسرح خيالي فأثمل من جمال ذات الساقين تتهاديان فوق بحر من مرمر.
يهزأ بي البردوني؛ فنصيحة أبي بسيف وفأر في حلم ليلة صيف؛ ملكة وعرش وقصر!
أغط في النوم وتهزأ بي بلقبس؛ كيف لحالم وقد فكت تكة سرواله أن يحلم بتلك التي يوما داعبت خيال نبي الله سليمان وقد رقم الجن وعزفوا له إيقاع الحرب.
وصنعوا له تماثيل وجفان تشبه الجواب.
بدأت أتوجس من ثيابها ومن لمة شفتيها، هذا زمن التسري بالإماء؛ أما أن تكون صاحبة اليمن تختر في حجرة نائية من بيت حجري تحوطه الكلاب وتموء حوله القطط وتهزأ به البومة العجوز فمحال أن ترضى به!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى