نبيل محمد سمارة - الى روح ابي . الى عامود البيت

رحل الرجل الذي امضى طيلة حياته وهو يعمل في مجال الصحافة و التأليف , فقد ترك ثروة ثقافية كبيرة , الف 15 كتابا وحوالي اكثر من ثلاث الاف منشور نشرت في صحف عراقية وعربية منذ الستينيات .
اول قصة له كتبها في عام 1964 واسمها ( غرفة للايجار) واخر ما انجزه هو كتاب يحمل اسم ( وجوه كالومضة لونا) .
فقد كنت في كل مرة استلم من ساعي البريد ظرف فيه الاعلان عن فوزه بالجوائز الاولى من قطر والكويت , وكنت اذهب معه في جميع المناسبات الثقافية , فقد كان اسمه على رأس قائمة المدعوين في المهرجانات ومنها " المربد" وغيرها .
كان والدنا حين يؤلف كتابا او قصة , ينعزل عنا كليا , ويأمرنا ان ننام مبكرين كي لا نزعجه , فكتابة القصة او الرواية تحتاج الى هدوء وسكينة , اضافة الى اعمدة كان يرسلها يوميا للنشر في صحف الجمهورية والقادسية والثورة .
اضافة لهذا فقد عمل والدي معلما للغة العربية في عدة مدارس ببغداد , واول راتب له سلمه الى والدته طالبا منها ان تحج بيت الله , وحجت جدتي وانا لم اخلق بعد .
من حسن حظي حين كنت في صف الخامس ابتدائي طلبت امي رحمها الله ان اكون طالبا في المدرسة التي يعمل فيها , فوالدي لم يكن يرغب بوجودي معه في المدرسة نفسها , كي لا يقولوا الناس ان نجاحي جاء بسبب واسطة من والدي .
اتذكر وانا جالس في الصف كان ضجيج التلاميذ يملأ المدرسة فدخل علينا والدي فجأة فجلسنا جميعا واضعين على صدورنا الساعد فوق الساعد , فحمل العصى طالبا منا ان نمد ايدينا كي يعاقبنا على ما فعلناه , وحين جاء دوري اعتقدت ان الضربة التي سيوجهها لي خفيفة لكوني ابنه , لكن الضربة كانت موجعة , ولا اكذب عليكم ان تلك الضربة كانت الاشد بين الطلاب , هكذا كان والدي انسانا صادقا ولا يميز احدا عن احد .
قال لي مرة عن موقف حصل معه حين طلب منه رئيس تحرير احدى الصحف ان يعمل تقرير صحفي عن احدى السجون الكبيرة لا اذكر اسمها وكان شابا يافعا . قال لي : ليست " قاط " لونه اسود وتوجهت الى السجن فاستقبلني مدير السجن وبعض الضباط استقبالا حارا مثلما يستقل الضابط قائده , كل هذا كي اكتب في تقلريري ان القائمين على السجن يعملون بجد واخلاص , انتم تعرفون جيدا ان الاعلام والصحافة سلطة رابعة تستطيع اسقاط اكبرمسؤول في الدولة . فاخذوني بجولة الى اقسام السجن حتى المطبخ دخلته وساءلت عن نظافة الطعام وما يقدم للمسجونين , ثم طلبت ان ادخل الى السجناء وجها لوجه , وبينما وانا اسير وخلفي مدير السجن متوجهين الى مكانهم صاح احد المسجونين علي " ابو جاسم - ابو جاسم " كول لامي خلي اجيب وياهها بطانية - هنا والدي شعر بخجل فضيع فتبين فيما بعد ان هذا المسجون يسكن في نفس " الدربونة " التي يسكنها والدي - وقد اوفى والدي ما طلب منه المسجون وذهب في نفس اليوم ليخبر امه ان ولدك بحاجة الى بطانية .
والدي كان بحد ذاته مملوءا بالذكريات وحديثه لا يمل منه ابدا , ومن عرفه كان يستمتع بكلامه الذي كان فيه فوائد وعلم ومعرفة .
رحمك الله يا معلمي الاول والاخير . فوالله ان رحيلك ورحيل امي جعلني اشعر انني ما زلت طفلا يتيما بحاجة الى حنان امي وامان والدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى