مجرد رؤية صينية لامعة عليها كوبان من القهوة; شيء محفز جدا لخلايا كثيرة في المخ والبطن. لكن أن يدخل العامل محاذرا, ثم يضع صينيته ويستدير بلا همسة; فذلك غير محفز إطلاقا.
كما أن المدير نفسه انسحب بخفة وأغلق باب مكتبه علي الأربعة: رئيس القطاع يتصدر المكتب الكبير, والمدرسون الثلاثة يجلسون أمامه في قوس ملموم. البخار الدافئ يتلوي بنكهة البن الفواحة, يصل إلي أنوف ما زالت تشم, بالرغم من وطأة الجلسة أمام رجل جاء بالخصوص إلي المدرسة للنظر في مشكلتهم.
النظرات البندولية تروح وتجيء بين الكوبين, ووجه الضيف, الغائب في تقليب أوراق كثيرة. ثلاثة أدمغة مسنونة, تشد اللحظات وترخيها:
( لماذا أحضر العامل كوبين؟ هل الكوب الثاني للمدير؟ لقد نسيه وخرج. هذا الرجل ساكت بشكل مريب. صبرا وسنري. ماء, ريقي ناشف. العامل الغبي لم يحضر ماء. أحضر كوبين ونسي الماء! الجو بارد جدا. لماذا لا يلتفت ويغلق الشباك المفتوح خلفه؟ ألا يحس؟ طبعا يتدفأ بالكوب النائم في يده. الكوب الثاني ما زال بخاره قادرا علي المنافسة. أأنت أعمي؟ هل تسمي هذا الخيط الشاحب بخارا؟ القهوة علي أصولها لابد أن تكون ساخنة. انظر إلي كوبه وستري أنه شفطه كله. طيب لماذا لم يعزم علي أي واحد منا؟ اضحك اضحك: الضيف هو الذي سيعزم علينا! سأمد يدي. بسرعة سأفعل وألتقط الكوب وأصدره للوجوه الراغبة. اسكت. لقد رفع رأسه. سيتكلم. ربنا يستر وتفوت المشكلة علي خير. أنت تعرفه. لا تفلت منه فائتة. سيعصرنا. وجهه به نمش عميق, وواضح بالأكثر علي ظهر كفه المشعرة. إنه يلعب معنا. الحقيقة يلعب بأعصابنا. إذا لم يمد أحدنا يده للكوب; سيبرد. البخار.. البخار روحه تطلع. مع ذلك, ما زال الوش الثقيل راكدا في الأعلي. حرام أن يبرد الكوب ويبقي وشه كما هو. لن يكون له طعم حتي لو به بقايا دفء. سكوته فعلا ليس له طعم, وزاد عن حده. ما كل هذه الأوراق؟ ماذا يجهز لنا؟ انطق يا رجل وخلصنا. يمكن القول باطمئنان إن البخار انتقل إلي رحمة الله. الله الله.. صوت العيال علي السلم. فسحة. جميل جدا. لن يتحمل الدوشة وسينهي الموضوع.)
انثنت الرءوس كلها تجاه النقرات علي الباب. دخل المدير جالبا معه تيار هواء مرعش. مال نحو أذن الرجل المنتبهة, فسري مفعول الكلمات بسرعة. وقف رئيس القطاع وخطا دائرا حول المكتب في طريقه للخروج. استدار عائدا ليأخذ الأوراق الملمومة ومضي مسرعا, تلاحقه خطوات المدير. في المقابل كان الثلاثة واقفين.. تتلاقي عيونهم, وتشتبك الألسنة بكلمات محدودة.
بعد قليل ستخلو الغرفة من الجميع, وفي المواجهة علي المكتب; يمكن لأي واحد بنظرة خاطفة أن يري صينية عليها كوبان فارغان, إلا من بقايا بن غامق.
كما أن المدير نفسه انسحب بخفة وأغلق باب مكتبه علي الأربعة: رئيس القطاع يتصدر المكتب الكبير, والمدرسون الثلاثة يجلسون أمامه في قوس ملموم. البخار الدافئ يتلوي بنكهة البن الفواحة, يصل إلي أنوف ما زالت تشم, بالرغم من وطأة الجلسة أمام رجل جاء بالخصوص إلي المدرسة للنظر في مشكلتهم.
النظرات البندولية تروح وتجيء بين الكوبين, ووجه الضيف, الغائب في تقليب أوراق كثيرة. ثلاثة أدمغة مسنونة, تشد اللحظات وترخيها:
( لماذا أحضر العامل كوبين؟ هل الكوب الثاني للمدير؟ لقد نسيه وخرج. هذا الرجل ساكت بشكل مريب. صبرا وسنري. ماء, ريقي ناشف. العامل الغبي لم يحضر ماء. أحضر كوبين ونسي الماء! الجو بارد جدا. لماذا لا يلتفت ويغلق الشباك المفتوح خلفه؟ ألا يحس؟ طبعا يتدفأ بالكوب النائم في يده. الكوب الثاني ما زال بخاره قادرا علي المنافسة. أأنت أعمي؟ هل تسمي هذا الخيط الشاحب بخارا؟ القهوة علي أصولها لابد أن تكون ساخنة. انظر إلي كوبه وستري أنه شفطه كله. طيب لماذا لم يعزم علي أي واحد منا؟ اضحك اضحك: الضيف هو الذي سيعزم علينا! سأمد يدي. بسرعة سأفعل وألتقط الكوب وأصدره للوجوه الراغبة. اسكت. لقد رفع رأسه. سيتكلم. ربنا يستر وتفوت المشكلة علي خير. أنت تعرفه. لا تفلت منه فائتة. سيعصرنا. وجهه به نمش عميق, وواضح بالأكثر علي ظهر كفه المشعرة. إنه يلعب معنا. الحقيقة يلعب بأعصابنا. إذا لم يمد أحدنا يده للكوب; سيبرد. البخار.. البخار روحه تطلع. مع ذلك, ما زال الوش الثقيل راكدا في الأعلي. حرام أن يبرد الكوب ويبقي وشه كما هو. لن يكون له طعم حتي لو به بقايا دفء. سكوته فعلا ليس له طعم, وزاد عن حده. ما كل هذه الأوراق؟ ماذا يجهز لنا؟ انطق يا رجل وخلصنا. يمكن القول باطمئنان إن البخار انتقل إلي رحمة الله. الله الله.. صوت العيال علي السلم. فسحة. جميل جدا. لن يتحمل الدوشة وسينهي الموضوع.)
انثنت الرءوس كلها تجاه النقرات علي الباب. دخل المدير جالبا معه تيار هواء مرعش. مال نحو أذن الرجل المنتبهة, فسري مفعول الكلمات بسرعة. وقف رئيس القطاع وخطا دائرا حول المكتب في طريقه للخروج. استدار عائدا ليأخذ الأوراق الملمومة ومضي مسرعا, تلاحقه خطوات المدير. في المقابل كان الثلاثة واقفين.. تتلاقي عيونهم, وتشتبك الألسنة بكلمات محدودة.
بعد قليل ستخلو الغرفة من الجميع, وفي المواجهة علي المكتب; يمكن لأي واحد بنظرة خاطفة أن يري صينية عليها كوبان فارغان, إلا من بقايا بن غامق.