خيرة جليل - كتابات الروائي الحسين عزان كتابات جادة تشكل مكسبا أدبيا وطنيا بعيدا عن قرع أجراس الشهرة ....خيرة جليل

إن قيمة الأدب والعلوم الإنسانية تتجلى في ترسيخ القيم الانسانية بصفة عامة وتلعب دورا هاما في مجال تقوية شخصية الإنسان بصفة خاصة وذلك لارتباطهم بالهوية وما تمثله من نسيج لثقافة المجتمع ككل وإنتاجاته في مختلف المجالات. وتظهر أهمية الأدب والإبداع من خلال أشكال المقاربةفي السرد والأشكال الثقافية والتخييلية وما تحتويه من دلالات موضوع بكتابة اي روائي يحاول القيام بمقاربة جادة لموضوع الأدب والجهة،مثل الروائي الحسين عزان مؤسسا للمفهوم والإشكالات النظرية للادب المغربي الجهوي باللغات الأجنبية في اطار الأعمال المغربية التي استحضرت الأبعاد الجهوية في الأدب.
لما طلب مني كتابة وجهة نظري حول كتابات الروائي المغربي الحسين عزان ، استحضرت لأول مرة وجوده كأستاذ وكعميد لمركز الدراسات الجامعية ببني ملال والذي كان تابعا لجامعة القاضي عياض بمراكش، فاستحضرت جديته وانسانيته ومكانته الاكاديمية ومساره العلمي الطويل بنكرانه للذات وخدمته لقضايا البحث العلمي والإنساني وثقافته القوية، كما استحضرت معه ذكرى والدي رحمه الله وما حدثني عنه كرفيق درب الطفولة والشباب وكفاحه المستميت من أجل العلم وتذليل الصعاب للطلبة.
لكن كان لزاما ان اعود لكتابته لتناولها بالدراسة والتمحيص حتى لا تكون هناك مجاملة شخصية او انزلاق عاطفي حتى يكون لرأيي ككاتبة واديبة وناقدة تشكيلية عالمية وزن علمي بعيدا عن المحابات والمجاملة.
كتابات الدكتور الحسين عزان اعتبرها ورقة تاريخية مهمة بقالب روائي حكائي ممتع حاول فيها تسليط الضوء على حياة الناس ببني ملال ودورهم في مقاومة المستعمر الفرنسي بشراسة ، بين فيها
حياة الانسان الملالي البسيط الى جانب النخبة المثقفة والتي ما هي في الحقيقة إلا مجموعة من الحيوات الاخرى بتعدد الفضاءات الزمانية والمكانية داخل الفضاء الملالي خاصة والمغربي عامة.
لقد سعى جاهدا إلى إثبات علاقة هوية الأنا المتعددة والمتجلية بالذوات الأخرى الفاعلة والمتفاعلة مع قضايا الوطن ....ليطرح أسئلة ملحة ومتشعبةومتلازمة بشخصية الكاتب بما فيها المتعلقة بالعاطفة والوجدان والمتعطش للحقيقة والمعنى واثبات الهوية الجهوية والتي لا تخرج عادة عن الهوية الوطنية بتوابثها المتعددة الروافد الثراتية والحضارية .... ليأتي المتخيل الروائي لدى الروائي الحسين عزان غني ومتشعب ومتشابك من خلال التيمات المعالجة وأسئلتها ذات الأبعاد الوجودية والفكرية الكونية والمتصلة من جهة بجهة بني ملال و من جهة اخرى بالثقافة والحضارة المغربيةوالتاريخ الوطني. فهو كاتب متمكن استطاع اخضاع سلطة الحكي لسلطته الإبداعية وكأن كتاباته جاءت لتتحدى القدر بالإرادة الفردية والجماعية التي قادت الكفاح والطموح نحو الانعتاق والتحرر من سلطة فرنسا كقوة امبريالية، ناهجا بذلك منحى مغاير في خطه الرواي بمكونات سردية وحكائية قوية ، بلغاتها وشخصياتها وفضاءاتها المتعددة، و ساعيا بشكل جدي واضح لاستثمار معجمه اللغوي الخصب والقوي لخلق بناء حكائي وازن بحبكة ذكية ومضبوطة ....محاولا الرفع من مستوى المتلقي اللغوي وفتح عوالم تخيلية متنوعة تعكس قوة ثقافته بمكونات جمالية تحملك لعوالم زمن الحكي معيدا صياغة عدة أحداث تاريخ كتجربة إنسانية بمنعطفاتها المتعددة منتصرا للقضية الوطنية بعيدا عن المصلحة الفردية دون الرغبة في البهرجة او حب الشهرة ..مؤسسا بذلك لرؤية ابداعية تنتمي لمجال إنتاجه الجهوي لاغناء المنتوج الوطني وترقى لمستوى المشترك الكوني بلغة موليير لخدمة الهوية المغربية بتعدد روافدها الحضارية العربية الأمازيغية.
إذا عدنا لموضوع البناء الفني أو الحكائي، في التجربة الروائية المغربية الحديثة، تبعا لثنائية الحضور والغياب للحكاية (الحبكة) داخل النص باعتبارها خاصية من خاصيات السرد، نجد ان الروائي عزان يعود بالاحداث الحكائية إلى حضن النص الروائي التأريخي الذي يمكن ادخاله ضمن الثرات الادبي التأريخي المغربي مطعما سرده بمفاهيم وتصورات من السيرة الذاتية والمتخيل الجماعي وهذا في حد ذاته إضافة نوعية للأدب المغربي، عاكسا بذلك اسلوبا رفيعا وقاموسا غنيا عبر ثنايا سرده من تجاربه الفردية وخبراته ومعارفه في علاقتها مع الاطار العام للجهة، موظفا تقنيات فنية متنوعة وسهلة ممتنعة منحته قوة تبليغ صوته كذاكرة جهوية وهذا بدوره يشكل اضافة نوعية للثرات اللامادي الغني للجهة، ليعيد بطريقة واضحة عن وعي او عن غير وعي الاعتبار لصوت الوطن والقضية الوطنية من خلال تجربته الحكائية ، والتي تمتح مما هو اجتماعي وسياسي وتاريخي ووطني كمادة دسمة للمتخيل الروائي حتى يتيح للقارئ الولوج إلى العوالم الدلالية للنصوصه الروائية ، مساهما في بناء الرؤية الجمالية والفكرية للرواية المغربية الحديثة،
عموما كتابات الروائي حسين عزان في معظمها تشكل بشكل صريح حوامل لقيم تحيل على صراع اجتماعي وثقافي تاريخي من اجل اثبات الذات المغربية بهويتها القوية .وبذلك فالروائي الحسين عزان قد نجح في العديد من اعماله على إشراك المتلقي في تراثه الثقافي والاحتفاء بالرواية في بعدها التشكيلي الخطي التاريخي للجهة خاصة وللوطن عامة، لتكشف لنا عن تاريخ جهوي يشكل ثراتا وطنيا منسيا منتصرا لقيمة الحرية والثورة على كل السلط الاستعمارية المستصغرة لتاريخ الشعوب الأخرى من خلال كتابته الروائية بلغته الرصينة والقوية والمتفردة بجهة بني ملال خنيفرة بعيدا عن قرع اجراس البهرجة والتصفيق والابتدال.....خيرة جليل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى