إبراهيم سلامه إبراهيم - تحوُّل لا إرادى

كان عندما يواجه أمراً او موقفاً يحتاج التمهُّل ، فيأخذ فى العد من واحد الى ماشاء من ارقام حتى يصبح فكره إيجابياً ، فيضمن التصرف الحكيم فى مثل تلك المواقف الصعبة .. ولكنه فى لحظة حرجة من حياته نسى القاعدة ، واسرع برد الفعل الذى بدّل حياته من سيئ الى كارثة .. فكان السيئ فى حياته هو الجنة بالنسبة لما اسفرت عنه ..

منذ ذلك الحادث والذى مر عليه أكثر من سنة ، لم يجد اروع من ان يكتب تلك الأحداث ليبهر بها قارئه ، ولأنه اول من صنع أحداثاً ليكتبها او ساقته الأقدار لصناعتها ، فقد اكتشف موهبته وكشف عن تلك العيوب فى نفسه دون ان يدرى ، على أية حال انها تستحق الكتابة ، ولا بديل للخروج الى الحياة كانسان طبيعى ، لا يستحق القاع منها ..

جلس عبد السلام يقراء ويراجع ما كتبه ، حتى يقدم اول أعماله الأدبية الى دار النشر الذى اتفق معهم على نشرها بموجب عقداً للنشر ..

-------------------------------------------

رَحَل رحمى ، وظلّت ملابسه كما هى فى دولابه ، أكثرها جديدة ، ظلت زوجته تقنع نفسها بالاستغناء عنها لمن هم بحوجة لها ، لتجميل الصورة ، وكذلك وجودهم أمامها يصيبها بحالة جارفة من الذكريات لم يعد ممكناً اعادة ذكريات مثلها ولكنها لم يعد لديها غير الذكريات ، ولكن وجودها تظل الذكريات تطل بأوجاعها ، بعد تردد ، قررت توزيع بعضاً منها على بعض المحتاجين الذين يساعدونها ، ثم تضع باقى ملابسه كل مجموعة منها فى كيس ، ذهبت توزعها على صناديق القمامه لكل صندوق كيس .. سوف يجدها صاحب نصيبها ، فكل من يفتش فى القمامة او يبحث فيها هو بالتاكيد محتاج .. ارتاحت للفكرة ، ربما يأخذ رحمى دعوات بالرحمة .. أو لتتخلص من الماضى الأليم الى صناديق النسيان ..



من عاداته بعد ان ينتهى عمله فى جمع القمامة ، يعود حامد لأخذ دراجته ويمر بها على صناديق القمامة بعد العصر فى الحى الراقى ، فدائماً ما يجد كثيراً من الأشياء التى يمكن بيعها فى سوق الخميس بإمبابة .. وقع فى يده كيس به ملابس ، فتحه فوجد ثلاثة من بنطلونا الجينس بألوان مختلفة بحالة جيدة ، بعد فرزها لم يترك منها شىء ، علق الكيس فى مقود دراجتة ، اكمل البحث فى الصندوق قبل ان يذهب الى صندوق آخر ، وجد كيساً آخر ، فتحه فوجد هذه المرة بدلة كاملة سوداء ، بياقات حرير لامعة ومعها قميص أبيض ، مطرز بخيوط الحرير الدقيقة على الجهة الشمال منه حرفى R&h ، دلالة على اسم صاحب القميص وحذاء كلاسيك اجلاسيه اسود والكرافت نبيتى منقط بنقط سوداء ..

ما هذا ؟ انها ملابس عريس كاملة ، ومن نوعية قماشها وتفاصيلها ، تأكد انها تخص طبقة اجتماعية من نفس طبقة سكان الحى الراقى ..

لماذا استغنى عنها صاحبها ؟ بدء يخمن ويستنتج ..

ربما لم يستكمل صاحبها إجراءات الزواج لاختلاف وجهات النظر بينه وبين العروس .. او بينه وبين اهل العروس .. او رفض اهله الزواج من هذه العروس .. او قد اكتشف خيانة عروسه قبل اتمام الزواج ، فغضب وقرر ان يرمى البدلة بملحقاتها حتى لا تذكّره بالخيانة.. هى لعبة ممتعة وتشبع روح الفضول ، وتذهب بساعات الملل التى تنتابه كل يوم عند التجول بين الشقق فى عمارات هؤلاء القوم الذين لا يعرفون شيئاً عن طبقة الزبالين الشيّالة للهموم ..

قرر البحث عن أياً من تخميناته صحيحاً ، مستخدماً الحروف المكتوبة على القميص ، للوصول لصاحب البدلة ، وقد ظن فى البداية انها علامة تجارية ، وبعد ان بحث عن تيكيت الماركة فوجدها ماركة لا تمت بصلة للحرفان ، فتأكد انهما لاسم صاحب القميص ..

وبحكم عمله فى جمع القمامة بنفس الحى ، راح يتقمص دور مفتش المباحث شارلوك هولمز ، لقد قرأ عنه فى زمن المراهقة ، ذاك المفتش الذى لم تقف أمامه اكثر الألغاز تعقيداً اللا وحلها ، فتذكر انه لم يعد يقرأ هذه النوعية من القصص البوليسية منذ ان التحق بالجامعة .. !

احس بالضيق .. لماذا تذكر الآن دراسته فى كلية الآداب ؟ ولماذا يشعر بهذا الضيق كلما تذكر انه من أصحاب الشهادات ويعمل بتلك المهنة المهينة ، جامع قمامة ، زبّال ، انه يتذكر جيداً عندما اتخذ ذلك القرار العجيب بامتهانه ذلك العمل كزبّال بشكل موقت لانعدام فرص العمل بهذه الشهادة الغريبة وانتهى به الحال وقد أرتبط بها ، مربوطاً فى تلك القُفّة مسحوباً الى مصير لا فكاك منه ، عندما أقنعنه والده بأنها سوف تعود عليه بالخير ، فعمل أبيه فى المحافظة كمشرف لعمال النظافة ترك له خبرة لا باس بها عن اسرار تلك المهنة .. اغلب زملاء الكلية لا يعملون حتى الآن ويعتمدون على ذويهم ، رغم مرور اكثر من اثنى عشر سنة على التخرج .. فسوق العمل الحقيقى لا يستفيد من خريجى الآداب ، انهم فئة من المتعلمين الغير مطلوبين ، بعضهم يقوم بأعمال لا تمت الى شهادتهم بصلة كمحاسب او كاشير بمطعم او سوبر ماركت وغيرها من توافه الأعمال التى لا تجلب لصاحبها سوى الفقر ، ولكن اغلب المحظوظين منهم يعمل فى الاعلام او الترجمة او الكتابة ، وطريق هؤلاء دايماً يكون مفروش بالموهبة او الواسطة .. وها هو يعمل فى جمع القمامة ، يكسب جيداً .. حتى لو لم يكن لعمله الشكل الاجتماعى المناسب لنظرة المجتمع المنافق ..

كان اهتمامه بالبحث مُنصَبّ فى حب الاستطلاع عن هذه الفئة من المجتمع المسمى بالراقى ، فبعد ان احتك بهم كثيراً من خارج الشقق ، جاء الوقت ليعرف بعضاً من تفاصيل خصوصيتهم وطقوسهم وعاداتهم .. ومن جهة اخرى للاستمتاع والإثارة المنطوية فى فكرة التقصى البوليسي ..

اصبح الان يهتم اكثر باسماء اصحاب الشقق التى يقوم بجمع القمامة منها ، هناك أسماء مكتوبة على الأبواب وتلك لا يمكن ان يكون أصحابها فى عُمر صاحب البدلة العريس ، فعادة كتابة الاسماء و الألقاب على أبواب الشقق انقرضت تقريباً منذ زمن ولم يعد من الشباب من يهتم بكتابة اسمه على باب شقته ..

نزل من بناية من بنايات ذلك الحى ، ونزلت معه خادمة من الشقة الأعلى ، دار بينهما حديثاً ..

  • انا اول مرة اشوفِك هنا ، انتى جديدة ف العمارة؟
  • لأ ، انت اللى ما بتطلعش الدور بتاعنا
  • انا هنا من زمان ، بس ما بتعاملش مع الدور اللى فوق ، عشان كانت الشقق مقفولة من زمان
  • فعلاً ، يادوب انا جيت مع الست دوللى من حوالى شهرين
  • هى صاحبة الشقة عايشة لوحدها؟
  • لأ ، كانت متزوجة من شهرين كدا
  • وبعدين ؟
  • ابداً ، الاستاذ رحمى مات ، الله يرحمه
  • رحمى؟
  • استاذ رحمى المخرج ، ما تعرفوش؟
  • لأ ، ..
وصلوا الى خارج العمارة ، تفرقوا ، ثم عاد الى سيارته بالقمامة ووضعها فى صندوقها ، تحرك بالسيارة بعيداً ..

ثم توقف جانباً واخرج موبايله ، فتح النت وبداء بالبحث عن هذا المخرج المسمى رحمى ، فوجده وقراء عن معلومات الشخص

الاسم : احمد رحمى عبد الوهاب
السن : 37 سنة
المهنة : مخرج إعلانات ومؤلف
المؤهل : ليسانس اداب إنجليزي
أعماله : إعلانات مجموعة شركات مواد النظافة
السيرة الزاتية : من مواليد .........
لم يكمل القراءة ، فلم يكن هو الشخص المقصود .. الاسم نعم صحيح كحرف ال R ولكن أين حرف ال H من اسمه ،

ربما هذا الحرف يعنى ال حاء ولكن لماذا يكتب حرفان من اسمه ، وايضاً هو اسمه ليس رحمى بل احمد رحمى ، ولكن الخادمة تطلق عليه رحمى بدون احمد ،اذاً اسم الشهرة الفنية رحمى ، وليكن ، ولكن الحرف التانى غير موجود فى اسمه .. بدَأ يمِلّ ،

عاد للمنزل ، وامام اللاب فتح جوجل وبحث عن رحمى ، ظهر له المخرج ومصمم العرايس المشهور رحمى ، وقد توفى فى 2001

ثم ظهر رحمى مخرج الإعلانات ، وعاد لبياناته مرة اخرى ليجد احد أعماله مسجل باسم المخرج رحمى هلال .. إذاً ها هو الاسم الثانى هلال ، الحرف المفقود .. ارتاح لهذه النتيجة وقد تأكد انه المقصود ، حينئذ قرر استكمال بحثه عن رحمى ،

صعد الى شقة رحمى ، طرق الباب ، فتح له تلك الخادمة

  • انت؟ فيه حاجة
  • كنت عايز اسأل الست لو عايزة تشترك فى رفع القمامة ؟
دخلت الخادمة ، لحظات ، ثم ظهرت الست دوللى ، سيدة جميلة على مشارف الثلاثينات ، شعرها كستنائي ينسدل على كتفيها العاريين ، ذات وجه مستدير وشفتان مكتنزتين ذات صبغة حمراء دموية ، عسلية العيون ، مكياجها غزير مفتعل ، قوامها ممشوق مجسم بشدة ، خصرها النحيف يبرز صدرها ، تلبس ثوب سماوى ستان طويل مفتوح الصدر بدون أكمام ، كل شىء فيها مبالغ فيه ، يدل على مظهر يجبرك ان تصدق انها من نفس الطبقة الراقية ولن تصدق ..
  • ايوه ؟
  • انا مسئول جمع الزبالة ، ياترى ممكن الاشتراك معانا عشان نيجى يومياً نرفع الزبالة؟
  • طبعاً ، بكام ؟
صدم من السؤال فنادراً فى هذا الحى ما يسأل الزبون عن مثل هذه الأشياء
  • حضرتك زى كل العمارة ،
  • اوكيه ، اوكيه
  • اوكيه يافندم ، التف الى الخادمة موجهاً كلامه لها .. ممكن تجيبيلى باسكت الزبالة ..
  • لحظة .. اختفت السيدة دوللى داخل الشقة و معها الخادمة الى المطبخ ..
تقدم قليلاً داخل الشقة متجولاً بنظره فى ذلك الهول الشاسع ، عالى السقف معطياً ايحاءاً بالفخامة ، يتصدره رُكنة انتريه رصاصى مطعم بلون نبيتى ، ممتد من بداية الحائط بطوله من اليمين الى الحائط المقابل جهة اليسار ، ومجموعة من البوفّات من نفس اللون ، لفت نظره صورة زفاف كبيرة فى برواز مُذهب كلاسيكى فخم على الحائط المقابل لباب الشقة ، ابتهج ، تفحص بدلة العريس فى الصورة ، وجد نفس الكرافت النبيتى المنقطة بنقط سوداء ، وتلك ياقات الجاكت الاسود الحرير اللامع ، وهذا الحذاء الأجلسيه الاسود .. اذاً ، نحن امام صاحب البدلة المتوفى بلحمه وشحمه ، والذى عرف صورته .. فقد رآه قبل موته ، عندما رأى أحد ألاشخاص الذى يبدو انه مندوب مبيعات متجول ، يصعد الى العمارة ، دقائق معدودة ، بعدها خرج رحمى من باب العمارة مسرعاً وخلفه ذلك الشخص يحاول لحاقه ، ولكن رحمى اسرع الى سيارته ، وانطلق بها غير مبال ..


اذاً ، العريس قد مات بعد زواجه ، وها هى العروس مازالت موجودة فى شقة العريس ..

زاد لديه حب الاستطلاع ،. هناك حلقة مفقودة لابد من كشفها ..

حلقة الاتصال الان بينه وبين المعلومات هى الخادمة ،

انتبه فوجد الخادمة أمامه ومعها صندوق القمامة

  • شكراً يا ...... انتى اسمك ايه؟ لسة ماعرفتش اسمك
  • جميلة .. وانت ؟
  • الله .. جميلة ، اسم على مسمى ، انا حامد
  • عاشت الاسامى يا خويا
  • بصى ياجميلة ، انتى ما تتعبيش نفسك بعد كده ، انتى تشاوريلى فين المطبخ ..
  • تسلم وتعيش ، حاضر

افرغ صندوق القمامة فى قفة كبيرة خارج الشقة ، ورفعها على كتفه وهمَّ بالنزول ..

و لكى يصل لمعرفة سر موت المخرج رحمى فى عمر صغير ، كان لابد من جمع المعلومات او التحريات بلغة البوليس ..
لم ينتظر كثيراً امام العمارة فقد وجد أمامه جميلة ..

  • انت لسة هنا يا ريس حامد ؟
  • انتى رايحة فين ياجميلة
  • رايحة عند الهانم الكبيرة
  • ممكن نتمشى شوية يا جميلة
  • انا كدة هاتأخر
  • لأ ماحنا ها نروح مع بعض
  • بس دى فى المعادى
  • ماشى ، هانروح بالعربية
استقلوا سيارة القمامة ، النصف نقل
  • قوليلى يا جميلة ، هما سمّوكى جميلة عشان انتى جميلة ؟
ضحكت جميلة بدلال
  • أبويا هو اللى سمّانى
  • ابوكى عنده نظر
عندما وجد جميلة قد ارتاحت وتباسطت معه ،
  • انتى عارفة ان الاستاذ رحمى بيشتغل فى السيما ؟
  • ايوه ده مخرج اعلانات معروف
  • طب هو مات ازاى ؟
حكت انها كانت عند الست ام رحمى فى المعادى بعد زواجه من الست هانم ، لانها تعمل فى البيت الكبير من قبل زواجه ، وانتقلت مع البيه رحمى فى بيته بعد رجوعه من شهر العسل ، وبعد زواجهم بحوالي شهرين ، سافروا الى أوروبا ، وهى عادت للبيت الكبير لحين عودتهم من الخارج ، ولكن ليلة عودتهم ، حدث ما حدث ..

توقفت جميلة عن تكملة حديثها ، عندما توقفوا أمام لجنة مرور .. فتقدم من السيارة أمين الشرطة ، وصاح :

  • على فين يا حامد ؟ ده مش طريقك ، مين الجميلة اللى جنبك دى ؟
  • جميلة ..
  • مانا عارف ..
  • اسمها جميلة ياباشا .. احنا رايحين المعادى عند الهانم اللى مشغلاها ..
  • انت مابتضيعش وقت يا حامد .. ثم غمز بعينه ضاحكاً
  • لأ – ماتفهمش غلط يا باشا ..
ضحك الأمين .. و أكملا طريقهما
  • ايوه يا جميلة كملى
  • أمين الشرطة شكله كده يعرفك
  • طبعاً ، انا رايح جاى عليه كل يوم
  • ايه اللى حصل بقى ليلة رجوع رحمى بيه وعروسته ؟
  • انا كنت مستنياهم فى بيت البيه ، عشان أشوف طلباتهم .. لقيت الست هانم جايه لوحدها بالشنط من غير البيه رحمى .. سألتها اومّال البيه فين ، قالتلى عنده ميعاد مع ناس ، راح يقابلهم وجاى .. وطلبت احضر لها الحمّام والعشاء على ما يرجع البيه من بره ..
  • وبعدين ؟
  • أبداً ، ولا قابلين .. مارجعش ليلتها .. قامت الست الصبح حاولت تكلمه على الموبايل ، لقته قافل الموبايل .. كلمت ست الهانم أمه عشان تشوفه يمكن يكون راح يبات عندها ، لكنها نفت حضوره عندها ، ابتدت تقلق هى وأمه ، وحاولوا يكلموا أصحابه اللى عندها تليفوناتهم ، ماعرفتش توصلّه ، اضطروا يبلغوا البوليس ، .. بعد تلات ايام من البلاغ جالهم خبر انهم لقوا جثة فى النيل بيشكّوا انها جثته وطلبوا منهم يروحوا المشرحة يتعرفوا عليه ..
  • طبعاً .. لقوها جثته
  • الست دوللى شكّت فيها وقالت انها مش متأكدة ، عشان الجثة كانت مشوهة من كتر وجودها فى ميّة النيل ، الجثة منفوخة وكده ،
  • بس المفروض على الأقل تعرفه من هدومه
  • لقوه بالملابس الداخلية البيضاء ودى مش كفاية ..
  • وأمه عرفتها ؟
  • ايوه أكدت انها جثة ابنها
  • وعرفوا ازاى وصل للنيل ، وازاى مات ؟
  • قالوا يمكن يكون انتحر
  • وقفلوا الموضوع على كده ؟
  • انا سمعت ان أمه رفضت فكرة انه انتحر ، وطلبت يحققوا
  • وصلوا لحاجة ؟
  • لأ ، لسة شغالين فى التحقيقات ، وشكلهم كده مش عايزين يوصلوا لحاجة
  • وعرفتى ازاى ؟
  • ستى هيه اللى بتقول ، كل ماتروح تسأل ، يقولوا لها ماتسأليش تانى ، لما نوصل لحاجة هانعرفك ..
خطر له ان يسال جميلة عن ذلك الشخص الذى قابل رحمى على سلالم العمارة منذ شهر تقريباً ..
  • كان زميل رحمى فى الجامعة ، وتقريباً كان ناسيه وبيحاول يفكّره
  • تفتكرى كان اسمه ايه ؟
  • تقريباً كده حسين او حسن ، واسم ابوه كان غريب ، حاجة كدة زى البقر
لابد من البحث عن ذلك الشخص ، ربما لديه مفتاح اللغز ..


ذات مساء رن جرس باب الشقة فذهب حسين يفتح ليجد أمامه أمين شرطة يستدعيه للمثول أمام رئيس المباحث لسؤاله فى حدثٍ ما ، لم يستطع معرفته من أمين الشرطة..
  • هاكون عنده الصبح
  • لأ ، حضرة الظابط طلب منى انك تكون عنده حالاً
  • هو فيه حاجة؟
  • ماعرفش بس لازم تكون عنده حالاً
  • ماشى ، هالبس حاجة وانزل مع حضرتك حالاً ، اتفضل يا باشا
  • طب بسرعة ..
جلس حسين ينتظر فى المكتب المجاور لرئيس المباحث ، نظر لساعة الحائط المعلقة امامه فوجدها قد تعدت منتصف الليل .. مرّ ساعتان كاملتين قبل ان يستدعيه رئيس المباحث فى مكتبه ..

كان رئيس المباحث يقراء تقرير التحريات عن حسين
الاسم : حسين عباس الباقر
السن : خمسة وثلاثون
المؤهل : خريج أداب
العمل : مندوب مبيعات حر متجول ، غير متزوج
بعد الاطلاع على تقرير البحث والتحرّى ، التفت الى حسين الجالس أمامه ..

  • انت تعرف ايه عن موضوع الاستاذ رحمى اللى لقوا جثته فى النيل ؟
أسقط فى يد حسين ، صمت ، لم يجد ما يرد به
  • ماترد يا بنى انت لسانك كلته القطة
  • لا يا فندم ما عرفش حاجة
  • ازاى ؟ فيه ناس شافوك مع الخدامة اللى بتشتغل عند القتيل
  • قتيل مين ؟ انا ما عرفش حاجة
  • كده مش حلو يا حسين ، انت راجل متعلم ، وما ينفعش تخفى حاجة عننا
  • انا فعلاً ما عرفش حاجة ..
  • ايه علاقتك بالمرحوم رحمى
اندهش حسين من سؤال الظابط بخصوص معرفته بالمرحوم
  • لأ يافندم ماعرفوش
  • ازاى ؟ انتم مش كنتم زمايل فى الكلية ؟
هنا انهار حسين ، وكاد ان يقع من هول الصدمة ..

استدعى رئيس المباحث العسكرى الواقف على الباب

  • هات حاجة ساقعة للمتهم يا عسكرى
نظر حسين الى الظابط متسائلاً ، المتهم ؟ انا؟ ..
  • انا يافندم ماعملتش حاجة
  • انا عارف ، بس احكيلى لما اتقابلت ليلتها مع رحمى اتكلمتوا فى ايه ؟
  • ماتكلمناش فى حاجة ،
ثم استدرك حسين سريعاً
  • احنا متقابلناش ..
  • يابنى قول عشان أقدر اساعدك
  • أقول ايه ؟
  • لما قابلت رحمى فى العمارة واتعرفت عليه وفكرته انكم كنتم فى كلية الاداب مع بعض وفى نفس السنة ، وهو فى البداية حاول يتهرب منك وعمل نفسه مايعرفكش ..
سكت قليلاً الظابط ثم صرخ فيه
  • هو انا هاحكيلك اللى المفروض تحكيه انت ، ماتتكلم ياله .. انا لغاية دلوقت بتعامل معاك على انك انسان متعلم ، بعد كده مش عارف هاعمل ايه ..
انهار حسين وفرغ فاه ، ثم طلب ان يجلس ويشرب كوب ماء ، وهَمَّ يحكى ، عائدا بذاكرته ،

وجه رئيس المباحث كلامه الى أمين الشرطة الجالس أمامه طالباً منه فتح المحضر لتسجيل ما يمليه عليه المتهم

رحمى لم يكن مجرد زميل ، بل كان صديقاً ، لا لا لم يكن حتى صديقاً بل كان سيداً لى ، يعاملنى كخادم متظاهراً بصدقاتنا ، ألبى أوامره فى قضاء حاجاته قانعاً نفسى انه صديقى ، حتى اننى أكتب له محاضراته ، بل اننى أشرحها له فى بعض الأحيان ، كان كل ذلك فى مقابل بعض الجنيهات التى تسد بعض مصاريفى اليومية .. وعندما تخرجنا توقفت العلاقة بيننا وذهب كل منا الى حياته ، وكنت أحياناً ألتجىء له عندما تضيق بى الدنيا ، كان رحمى كثيراً ما يتهرب منى ، وعندما طلبت منه ان يبحث لى عن عمل لدى معارفه الكثيرين الذين له صلة قرابة بهم او علاقات عمل ، لم يهتم ، حتى اختفى رحمى تماماً لسنين لم أعد أراه ولكنى لم أنساه ..

فى جولة لبيع بعض منتجات النظافة وغيرها لربات البيوت بين شقق العمارة .. و قبل ان أصل الى تلك الشقة ، وجدت أمامى رحمى ، تسمرت مكانى قليلاً قبل ان أقول له

  • رحمى ازيك
  • انت مين ؟
  • انت مش فاكرنى ؟
  • انت مين ؟
  • حسين زميلك من أيام الكلية
  • حسين مين ؟
  • حسين عباس
صمت رحمى ناظراً لى وكأنه لا يتذكرنى ثم
  • أه أه افتكرت ، ازيك يا حسين .. معلش انا عندى مواعيد دلوقت ، فرصة سعيدة
ثم تركنى ونزل الدرج سريعاً قبل ان أنبث ببنت شفة ..

نزلت خلفه محاولاً اللحاق به وانا أكلم نفسى .. هو نسى فعلاً واللا عامل نفسه ناسى ؟

ظللتُ اتابع رحمى بدون ان أظهر مرة أخرى فى حياته .. عرفت انه يستعد للزواج بتلك الممثلة فى اعلاناته ، وعرفت ان أمه كانت معارضة له فى زواجه لأن من اختارها ليست فى نفس مستواه الاجتماعى ، بل كانت من الجهة الأخرى من النيل فى بولاق ..

استطعت ان أحصل على رقم تليفون رحمى ، وفى ليلة عودته من سفره ، اتصلت به وطلبت مقابلته فى أمر ضرورى قبل ان يعود الى منزله ..

لقد قررت ان أترك هذه الوظيفة الوضيعة التى تفصل بينى وبين المجتمع الطبيعى الذى عشت فيه قبل تخرجى ، أريد ان أكون رب اسرة ، انا لا أقل عن كل زملائى ، نعم كان والدى موظف بسيط ، انجبنى قبل خروجه على المعاش بسنوات قليلة ، فقيراً يسكن فى مساكن شعبية بايجار بسيط ، تلك المساكن التى بُنِيت فى عهد جمال عبد الناصر والتى تهالكت واصبحت غير صالحة .. قررت ان أخرج للعالم كما البنى ادمين .. أحتاج مساعدة رحمى ولا أعرف غيره ، مهما كان ، وليس امامى الآن اللا انه يستجيب لى فى المساعدة التى أراها بسيطة بالنسبة له وبسيطة بالنسبة ما قدمته له من خدمات أثناء الدراسة ..

جاء رحمى فى الميعاد والمكان المحدد ، ارتحت لمجيئه الذى أكد لى انه ربما عاد لنفسه وأراد المساعدة .. ركبت السيارة بجانبه لنتكلم


  • عايز ايه يا سى حسين
  • انت ليه بتتهرب منى ؟
  • انا مابتهربش ، بس لازم تعرف ان الدنيا اتغيرت واللى كان ينفع امبارح ماينفعش النهاردة ، ووجودنا مع بعض دلوقت ممكن يسوء سمعتى
  • ليه يا رحمى ؟ واللا اقولك يا رحمى بيه ؟ اومال لو ماكناش خريجى دفعة واحدة ؟ انت بتتكبر عليه ليه ؟ ، انت نسيت حسين اللى كان بيشرحلك ويكتبلك المحاضرات ؟ انا ليّ فضل عليك يا رحمى
  • انت كنت بتاخد فلوس ، مش ببلاش يعنى ..
  • ملاليمك بتسميها فلوس ؟
لم يسأل رحمى ولم يريد ان يسأل ما كنت أريده منه ، ولكن ظل الحوار يتحرك فى اتجاه الاستفزاز بكلمات تنم عن احتقاره وعنصريته ، فى المقابل مضطراً اصبحت أكيل له الكيل اثنين ، وتصاعدت حدة الحوار بيننا ، حتى وصل الأمر الى أن هددنى بمسدس كان فى تابلوه السيارة ، عندما قاومته ماسكاً المسدس وهو فى يده ، فتطور الأمر الى ان خطفت منه المسدس وضربته على أم رأسه بكعب المسدس ، فغاب عن الوعى تماماً فى مكانه بالسيارة ..

وفى نفس أماكن الأحداث ، بدا حسين يشرح ويمثل أداء جريمته أمام وكيل النيابة ..

كان الوقت متأخر فى أحد الشوارع المتفرعة من شارع الكورنيش على النيل ، ولم يكن هناك مارة فى تلك الاثناء ، نزل حسين ثم اتجه لباب السائق وفتح الباب ثم أزاح رحمى جانباً الى الكرسى المجاور لكرسى السائق ، صعد الى السيارة ثم قادها متجها الى كوبرى امبابة القديم وتوقف بجوار السور ، ثم خلع ملابس رحمى عنه اللا من ملابسه الداخلية ، حمله ورفعه الى السور ثم قذف به فى غياهب مياه النيل .. ولف حذائه فى ملابسه وقذف بها وراءه فى الماء .. عاد للسيارة وخرج من الكوبرى الى الكورنيش وظل وقتا يفكر فيما فعل ولماذا فعل ذلك ؟ لم يعرف ، وتسائل هل كان يكره رحمى الى هذا الحد ، فلم يجد اجابة ، ولكنه ارتاح وهداء تماماً .. تمالك نفسه تماماً وكأنه لم يرتكب أية جرم .. ولكنه فى حقيقة الأمر ، كان يشعر بالندم ، ويقنع نفسه لماذا الندم فانا ادافع عن كينونتى ، والتى باتت مفقودة بفضل والدى الذى دمر بقسوته شخصيتى ، ورحمى ، بعنصريته وانانيته واحتقاره ..

بعد ان وجد انه قد تورط ، تفتق ذهنه عن أمر ما بكل تفاصيله ..

، قاد حسين السيارة الى ترعة المنصورية ووقف اعلى أحد الكبارى ، ثم قام بخلع باب السيارة الأمامى من مفصلاته بواسطة عدة السيارة التى ساعدته فى ذلك ، ثم وضعه على الكرسى الخلفى ..

كان الوقت الثالثة قبل الفجر ، فى وقت خلت الطرق من المارة ، او السيارات تماماً ، السماء ملبدة بالغيوم وهواء بارد يهب بشدة ، والظلام يلف المكان اللا من بعض الأضواء الخافتة المنبعثة من بعيد .. أحضر حجراً متوسط الحجم ثقيلاً ووضعه على دوّاسة البنزين وسنده بعصا التقطها من فرع صغير فى شجرة على طريقه ، وسندها فى الكرسى الأمامى حتى لا يتحرك ، بعد ان وضع السيارة فى وضع مستعرض للكوبرى ، وقف على الأرض خارج السيارة ، ضغط بيده الشمال على الفرامل ، أدار المحرك بيده اليمنى ثم حرك عصا الفتيس ، صوت المحرك عالى ، وهو مازال ضاغطاً على الفرامل ، ترك الفرامل مرة واحدة فانطلقت السيارة بكل قوتها لتصدم بسور الكوبرى منطلقة الى الترعة ، وفى ثوانى غاصت فى المياه ..

-------------------------------------------


اعتدل عبد السلام فى جلسته بعد ان أكمل قراءة روايته كأول عمل أدبى فى حياته ، سعيداً بما أنجز .. توجه بعدها الى مكتب دار النشر الشهيرة ليقدم له تلك الرواية التى بذل فيها الكثير من معاناته .. كان يأمل ان تكون وسيلة له للانتقال الى حياة أخرى .. بعد أن رفض رياض مساعدته بما له فى دهاليز الاعلام والوسط الأدبى والفنى ، لنشر روايته الأولى

كانت الرواية جيدة الى الحد الذى دفع دار النشر لترشيحها لاحدى الجوائز الهامة فى الأدب البوليسى ، رغم انها الأولى لكاتب مغمور ..

مرت الأيام رتيبة مترقباً وآملاً ان تحوز الرواية على اعجاب النقاد ، غير منتظر تلك الجائزة رغم اعجاب دار النشر بها .. فلم يكن طموحه يصل الى تلك المكانة ، بل لم يكن لديه الثقة بنفسه حتى يصدق ذلك .. فربما اشتراكه فى تكاليف الطبع والنشر سبباً لهذا الترشيح .. حتى جاء ذلك المساء ..

دق جرس الباب ، فتح عبد السلام الباب ليجد أمين شرطة أمامه

  • حضرة الظابط معاون المباحث عايزك يا استاذ عبد السلام
كان عبد السلام كجامع قمامة رئيسى فى هذا الحى بمثابة شخصية عامة معروفة للشرطة فهو محور وحلقة اتصال بين الداخلية والحى بمن فيه من سكان .. ولكنها المرة الأولى التى يسمع فيها اسمه يسبقه استاذ ..
  • فيه ايه يا احمد باشا ؟
  • ماعرفش
  • ماشى ، هالبس وهاجى معاك
بعد انتظار أكثر من ساعة فى المكتب المجاور لحاتم بك معاون المباحث ، استدعاه العسكرى الواقف امام المكتب
  • تشرب ايه يا أديب ؟
نظر عبد السلام لمعاون المباحث مستغرباً .. فرد على تعجبه
  • ايوه أديب ، مستغرب ليه روايتك الجميلة مرشحة للحصول على جائزة
  • صحيح ؟
  • مبروك
  • الله يبارك فيك يافندم
  • خلاص ربنا هايريحك من شغلة جمع الزبالة من البيوت
  • ربنا يخليك يا فندم
  • قوللى يا فنان .. أحداث القصة دى كانت فى فبراير السنة اللى فاتت ، يعنى بقالها اكتر من سنة ونص ، صح ؟
  • ايوة .. ايوة .. بس مين اللى قالك يا فندم ؟
  • ابداً ، سيادة اللواء رئيس القطاع السابق هو كاتب واديب برضه وعضو فى لجنة التحكيم للمسابقة ، وبلغنا اننا نستدعيك ونباركلك ونقولك عفارم عليك فى العبقرية والابداع
  • شكراً يافندم ، هم أعلنوا عن الجايزة واللا ده توقع من سيادة اللواء ؟
  • لأ طبعاً .. بس ترشيحك للمسابقة يعتبر تكريم وشرف..
غاص عبد السلام فى الكرسى الوثير مرتاحاً متطلعاً لمستقبل أكثر اشراقاً .. تسائل فى نفسه هل الداخلية مهتمة لهذه الدرجة بالأدب ؟ ربما ، لأنها قصة بوليسية .. وليكن فأنا فى بؤرة الضوء الآن ولن أفرط فى الفرصة .. وقبل ان يعتدل فى جلسته منتفخاً ، انتبه على صوت معاون المباحث فيه نبرة مختلفة ، بها شئ من الحدّة
  • مش القصة دى بتاعة مقتل "رياض الهمشرى" كاتب السناريو والمخرج اللى لقوا جثته فى النيل ، واللى قيدت ضد مجهول ؟
هب عبد السلام معتدلاً فى جلسته ، جاحظاً عينيه ، جف فمه والتصق لسانه بسقف حلقه من شدة الجفاف .. ثم تماسك
  • مين رياض ده يا فندم ؟
  • انت ما تعرفوش ؟
  • لأ ..
  • لأ ، ازاى ؟ يعنى هو مش صديقك ..
  • لا يا فندم ..
  • مش كنتم زمايل فى الكلية ؟
كاد عبد السلام ان يتبول على روحه ، كما كان يتبول لاإرادياّ عندما كان يهم والده بضربه ، فقد تعود والده على ضربه كلما كان يأتى بتصرف يغضبه وهو كثيراً ما يغضب لكل تصرف يقوم به طفله عبد السلام ، عصبى ، يثور من أقل الأشياء ، ولم يكن ينقذه من أبيه اللا أمه عندما تختطفه من يديه ، تحتضنه وتربت عليه ، وتغير له ملابسه المبلولة ، دون ان تلومه ، وكثيراً ما كان أبيه يمنع أمه من أخذه وحمايته ..

  • ما ترد يا عبد السلام ، واللا اقرالك الكتاب يمكن تفتكر ؟
  • القصة مش اعتراف بحاجة يا فندم ده مجرد خيال مؤلف
  • طب فسر يا سيادة المؤلف ، التوافق العجيب فى تفاصيل القصة مع الأحداث ،
  • فين التفاصيل المتوافقة مع الأحداث الحقيقية يا باشا ؟
لقد أراد عبد السلام ان يستعرض عبقريته فى كتابة تفاصيل تنفيذ الجريمة فى روايته .. لم يكن يعرف انها ستكون ملفتة لنظر الشرطة كما هى مبهرة للقارئ ، وهل الشرطة تقراء الروايات البوليسية ؟

أخرج معاون المباحث نسخة من الكتاب ، وبداء يشرح له كيف توافقت حالة الجثة التى كانت بدون ملابس مع وصف المؤلف .. والتى قصد بها عبد السلام ان يعرقل سرعة التعرف على الجثة ليكسب وقت ، ويشتت تفكير المباحث ..

  • يافندم ، أغلب الحوادث فيها حاجات زى دى..
أكمل معاون المباحث القراءة والتحليل ..

وصِلة الزمالة بينهما وكيف ان شهادة زملاء الدراسة قد اتفقت تماماً مع ما جاء فى تفاصيل العلاقة بينهم ، فقد تعودوا على رؤيتهم سوياً باستمرار فى الذهاب والاياب ..

وشهادة حسين عباس داغر زميله فى الدفعة الذى حرف اسمه الأخير من داغر الى الباقر ، ثم ادعى انه من قام بالجريمة وهو لم يكن صديقاً لرياض فى الكلية بل لم يكن من شلة الرفاق فى الدفعة ، ولم يكن مندوباً للمبيعات ، بل موظفاً فى العلاقات العامة باحد البنوك ..

وشهادة الخادمة بمقابلة عبد السلام ورياض على سلالم العمارة أمام باب شقته ، قبل وفاته ، قبل ان يدّعى لها انه لم يصعد ذلك الدور فى العمارة ، ولأنه لم ينتبه لها أثناء المقابلة ، لأنها خرجت من الشقة أثناء حديثهم ، ووقفت خلف رياض ، فلم تلفت نظره ، لذلك ، فلم يتعرف عليها بعد ان شاهدها امام العمارة ..

وفوق ذلك لقد عثروا على السيارة فى ترعة المريوطية وليس فى ترعة المنصورية كما فى القصة ، وقد تعمّد عبد السلام تغيير الاسماء والأماكن ، وبالمعاينة للكوبرى الساقط منه السيارة اتضح ان هناك بلاغاً بوجود تحطيم بسوره لم يتم التوصل لأسباب تحطيمه فى نفس موقع سقوط السيارة ، كما وجدوا باب السيارة منزوع من مكانه كما شرح المؤلف ..

زملاء الدراسة أجمعوا على انك الوحيد الذى كنت تزامل رياض وحدكما أو مع الشلة .. فكشفت تلك الحقيقة الوحيدة كل تلك التفاصيل ..



كانت روايته تشريح دقيق لشخصيته التى هى نفسها شخصية حامد الزبال ، واختلط الأمر عنده بين بيئة حسين وبين بيئته هو .. أسقط كل تفاصيل حياته على حسين فى روايته ، يتكلم عن نفسه بلسان حسين ، يخاطب القارئ كيف كانت تلك البيئة ، والتى خرج منها مصاباً مجروحاً محطم الكبرياء ، لم يجد فى حياته ما يفخر به ، بل لم يجد فى حياته أمراً لم يكن مخجلاً .. كانت نظرات رياض له عندما تعرف عليه بعد مرور تلك السنين ، على سلالم العمارة تشوبها الدهشة التى سرعان ما تحولت الى نظرة احتقار .. حتى هذه النظرة ستكون أقل وطئاً الآن من الأيام القادمة الغامضة التى لا يعرف كيف ستكون وكيف ستمر .. رفع معاون المباحث نظره عن الكتاب شاخصاً لعبد السلام منتظراً رداً ..

فى حين كان عبد السلام قد انهار تماماً ، بل انه تبول بالفعل لاإرادياً ، فلم يكن قد شفى بعد من تلك البارانويا المصاب بها ، والتى ظهرت بعد مرور كل تلك السنين ، حجبت دموعه الرؤية اللا من صورة أبيه مشرف النظافة ، الذى مازال ينظر اليه نظرة اتهام ، مكشراً عن أنيابه ، عائداً اليه بقوة من طفولته البائسة ، ليحطم حياته عندما أراد أن ينهض بها وحيداً ..

  • قولت ايه يا أديب ؟
بصوت خافت متهدج باكى مسلوباً للارادة ، رد على معاون المباحث ، بروح منكسرة وقلب مرتعب أصيب بالهوان والانهزام ، مستدعياً ومناجياً ومستعطفاً روح أمه لتنقذه من يد أبيه ..
  • انا عايز أمى ..
سمعها معاون المباحث
  • انا عايز محامى ..
  • ماتقلقش ، دار النشر تطوعت بترشيح محامى تكريما لأول عمل أدبى لك
تمت.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى