د. سيد شعبان - مولانا عدلان!

يركب أتانه صباح كل يوم متوجها بها إلى البندر، فلديه مهام لايعلم بها أحد، تجري به في زهو، يفرد رجليه يتدلى منهما نعل أشبه بمركب العربي منسي الذي انفرد قلعه تضربه الريح كل مكان، في كفر مجر أحلام تبخرت مطلع الشمس، عدلان حظه عاثر، تناطح طاقيته السحاب؛ في جيب صداره مليم وخمسة صاغ، لاعمل له غير أن يمضي نهاره في دسوق جالسا على مقهى المحطة ينظر الغادين والرائحين، يطلب كوبا من الشاي أو فنجانا من القهوة، يلعب عشرة طاولة يستمع لأغاني الست.
تخاله رجل المهام الصعبة، كثرت حوله الأقاويل:
يقسم بهلول الصباغ إن عدلان شيخ منسر، كل يوم بقرة تسرق أو ساقية تحرق أو حتى النداهة تخطف عيل أو حدأة تلهف زوج حمام، ألف يمين بالعظيم إن بهلول وراءها بل طلاق امرأة العمدة من تدبيره، كفرنا غلبان يصدق الوشايات وتسري فيه الشائعات، عدلان هذا لايعرف العدل طريقه وإنما جاءه هذا اللقب لأن الولد محروس بن سموعة الدلال قرأ في كتاب الشيخ جاب الله الأصفر إن غبيط الأتان له عدلان، من هنا تندروا عليه في الزاوية ومن ثم قالوا الشيخ عدلان راح الشيخ عدلان جاء!
عمنا الشيخ عدلان طالت لحيته شبرا أو يزيد، انفكت تكة سرواله، ضربه الهذيان فأخذ يتطوح يمنة ويسرة، مرت امرأة من الغجر، في ذقنها وشم أخضر تسحب قردها تراقصه على رصيف المحطة، انفلت عدلان يجري وراءها، يتبعها من شارع لحارة، عند مقام الدسوقي تجمع الناس يوم المولد، لمعت في عقله فكرة: يزين أتانه كأنها عروس، ذهب لزينهم صباغ الحمير، بدت قمرا، التف حوله الغجر جاءوا من حارة أريمون والقشلة ودحروج مدينة تعيش الماضي بكل مظاهره!
مضت عليه سنوات لاحصر لها، استجلب ديكا وأرنبا وصر فيلا في منديل، جلا جلا والحاوي عدلان!
بهية الغجرية ذات الناب الذهب والسن فضة؛ شدت على وسطها حزاما، صبغت شعرها بالحنة، بدت عروسا، التف الغجر حولهما، نصبوه وليا ففي دسوق مولد وغوايش وشخاليل وحب العزيز!
يجري قطار الصحافة يخترق البندر، يتصايح الغجر يسكنون شارع الغفران، حول مقام الدسوقي تنصب الخيام، مزين الصحة وهندومة الداية، دكانة حلويات واحدة من اللواتي تلعب بالبيضة والحجر، صوت من هنا وآخر من هناك، شيلان حرير وليال تطول بذكر النبي وآل البيت، مدد!
كف سيدنا جوار المقام، أربع مآذن والدروايش في حضرة، فول نابت ورجال الله تتطوح مدد مدد!
اتسع الميدان، بنت في حنك التمساح، ببركة صاحب المقام تخرج سالمة، بهاليل من كل مكان، منوفي وشرقاوي وحتى من الصعيد الجواني، فهذه بلاد بها ألف مقام، دموع عند عتبة الست الطاهرة أم هاشم، سبيل أم عباس يروي العطاشى.
سرت في البراري حكاية عدلان، يقسم بهلول الصباغ - بالطبع يحنث في الأيمان- إن مولانا وهذا لقبه الجديد له خطوة في اليمن وأخرى في الشام، مخاوي جن سليمان، يتدلى من عمامته زر تحمله الأسود وتعدو به الخيول، يحارب بالجريد الأخضر ويطوف بمقامات الأولياء!



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى