شريف محيي الدين إبراهيم - هروب

الجو....!!
عاصف غاضب..
دموعي جافة صعبة المنال...
أصمت.
أتساءل هل هي براعة الفارس أم ضعف الضحية؟!
أم هي المفاجأة تلطمنا على غير توقع؟!
بت حائرا بين الآلام والأحزان، فإذا استكنت الآلام لا تكف موسيقى الأحزان عن العزف المشوب بوشاح من الفزع المبهم.
وغدوت ألقي بنفسي... أزجها بين الأنام لعلي أتوه في الزحام، أو تبتلعني الطرقات... واندفعت بين جموع لا تحد العين مداها... أبحث عن السلوى أو النسيان.
مددت عيني عبر خط الأفق.
ثمة طيور تحوم في السماء بلا هدف كأنها تبحث عن أعشاشها الضائعة.
، ولما أخفضت من بصري اصطدمت نظرات عيني به،
أخسست بمراجل الغضب تهتز في أعماقي، ولمحت كتلة الأحزان تنفجر في أحشائي.
تماسكت أنصت إلى صوته الهامس كفحيح الأفعى..
قال مستفسرا:
أجريح أنت ؟!
طويت مشاعري في صدري ودون أن يختلج في وجهي عصب أو تفضحني قطرة دمع، قلت في لهجة جادة مقتضبة :
نعم.
التفت إلى حاشيته متململا ،تمعن في وجوههم القاسية المريبة قليلا ثم قال في لهجة مشوبة بالقسوة:
إذن ابتعد.
قلت وعلامات الدهشة قد طفرت إلى وجهي :
لماذا؟!
قال :
-لكي لا تجرح مشاعري
فقلت له بحده: ولكنك أنت الذي جرحتني.
وبغير اكتراث قال :
أنا أم غيري المهم إنك جريح تسيل منك الدماء.
التففت بوشاح الصمت لبرهة، وأنا مشدوه حائر، ثم قلت له :
عجبا أتتألم لمتظر الدماء ولا تتألم لحالي ولجراحي أنا التي باتت مباحة يسيرة على يديك.
فقال بلهجة أمرة ارتعدت لها فرائصي:
كف عن الثرثرة... إن منظر دمائك الحمراء القانية يؤلمني... يصيبني بالدوار... يثير غضبي.
فهمست له بصوت مرتعد: ولكن!!
صاح بي :
-ولكن ماذا؟!
إنك أنت المسئول عن الألم الذي اعتراني بسبب رؤيتي لجرحك هذا ودمائك الغزيرة تلك.
وألقى إلى حاشيته نظرة كأنه يستمد منهم العون أو المقدرة على مواصلة الحديث ثم استطرد في استبداد:
ثم أنني فعلت مع الكثير من الناس مثلما فعلت معك، بل وأقسي مما فعلت معك، ومع ذلك ابتعدوا وتلاشوا في أحضان الصمت المطبق، ولم يلوثوا مشاعري، وأحاسيسي مثلما فعلت أنت بدمائك الغزيرة هذه وألامك المثيرة تلك.
تمالكت نفسي وبعد أن لمحت جموع الطير وقد عاودت التحليق، قلت له :
وماذا تريد مني إذن؟!
وصمت الثعلب المراوغ كمن يفكر، فقلت له متخاذلا، وأنا أعلم تماما أنني لا قبل لي به أو بحاشيته، وبعد أن أحسست بالجرح يفرغ فاهه متأوها، وبالآلام تزداد وطأة:
أتريد مني أن أبتعد؟!
فصاح في وجهي؛ لا.
فقلت له وأنا أسبح في دائرة الألم :
على كل حال لن تبرأ جراحي، وتسكن الامي بمشاعر الضيق التي أصابتك، وسأنصرف مبتعدا الآن... هلا أمرتهم أن يفسحوا لي الطريق!!؟
فقال لي بإصرار:
لا لن تنصرف.
قلت بصوت خافت :
ألا تتركني لجراحي، ألا تسمح لي بأن أبتعد؟!
صاح : كيف؟!
كيف هذا وجرحك يؤلمني... يفزعني؟!
شعرت بنيران الغضب تلفح وجهي، قلت له محاولا كظم غيظي: وماذا أفعل الآن... أتريد مني أن أتحمل الامك أنت لكونك غاضب لأني جريح؟! أم كان يتحتم على أخبرك أنك السبب؟!
لمحت ملامح الضيق والسخرية تتسرب إلى أوجه حاشيته المظلمة، وسرعان ما ضجوا بالضحك المزري، ولكنه أخرسهم بنظراته ثم قال :
وهل تعتقد أنني لم أكن أعلم؟!
في اندفاع قلت :
إذن فأنت تعلم، ولكن لا ترى.
وتطلعت إلى وجه الشمس القرمزي الغارب... كانت تنسحب في رفق تتسلل عبر خط الأفق... بينما تهطل الأمطار بغزارة.
أبحث عن الطير... تاهت الطيور... ضاعت كلها، تلاشت تماما من كبد السماء.
وتعالت صرخات الألم بداخلي تحتويني، تعتصرني فأخفضت من وجهي متوسلا : أنا أسف... أسف جدا.
لوي شفتيه،ذوي ما بين حاجبيه، الكثيفين ،قال :
وبماذا يفيدني أسفك؟!
وشملتنا لبرهة أحسبها دهورا غاشية من سكون مطبق، جعل يتطلع فيها إلى وجهي الذائب ألما وعذابا....
ودوت بغتة نعقة كئيبة لغراب أسود يبدو أنه قد ضل الطريق، بعدها قال بحزم : لابد من معاقبتك.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى