محمد العرجوني - المقاهي الأدبية بالمغرب

المقهى الأدبي بوجدة، المغرب صرح للتفاعل الثقافي بامتياز...


المسألة التي يجب إثارتها أولا في هذا المقال حول المقهى الأدبي بوجدة، له ارتباط بما يجري داخل البلاد في ميدان الثقافة. أعتقد، قبل الحديث عن ظروف التأسيس، لا بد من الإشارة إلى أن البلاد عرفت تحركا ثقافيا رسميا أو شبه رسمي. إلا أن هذه الحركة التي نتجت عن اهتمام رسمي بالثقافة، خلق نوعا من الاتكالية والمحسوبية والزبونية وطبعا الوصولية والانتهازية. كلها أمراض تنخر مع الأسف جسم المثقف في البلاد، إلا من رحم ربك. ليس هدفي هنا نقد المحاولات التي انخرطت فيها المؤسسات الحكومية أو غير الحكومية. جاء هذا الانخراط بطلب من المثقفين أنفسهم. إلا أن المسألة تأخذ مسارا آخر، ربما عن غير قصد، حيث تعشش هذه الأمراض التي غالبا ما يرثها بعض المثقفين منذ زمان. وهكذا تشكلت لوبيات لا تفكر إلا في نفسها، سواء تعلق الأمر بالنشر أو بالمشاركات في اللقاءات والندوات، أو بالإعلام، الذي انصبت اهتماماته وسلطت أضواؤه حسب أهواء من نشروا هذه الأمراض المشينة. أمام هذا الوضع غير الصحي، هناك مثقفون تعقلهم مبادئهم النبيلة، ولا يحسنون الحديث عن أنفسهم ولا تضخيم نرجسيتهم.

في هذا الإطار، جاءتني فكرة تأسيس مقهى أدبي على غرار المقاهي الأدبية العالمية التي بفضلها تفتقت عبقرية أعداد هائلة من المثقفين وأسسوا المدارس الأدبية والفنية والفكرية، لا يزال الحديث حولها لم يكتمل. فبعد إحالتي على التقاعد، وبما أنني لا أعرف شيئا آخر أقضي به أوقاتي الفارغة، التي أصبحت تبدو طويلة وتزرع اليأس، خاصة وأن كلمة "متقاعد"، كلمة تخيف حتى على مستوى النطق: "مت" ، "قاعد"، أي مت وأنت جالس بدون شغل، قررت أن أنطلق من جديد وأستعمل كلمة retraité بالفرنسية، التي تحيل على معنى العلاج من جديد، أو المعاملة الجديدة، أي إعطاء الحياة من جديد. رحب بالفكرة بعض الإخوة ورحب بها كذلك صاحب المقهى وزوجته، فرنسيي الجنسية، وانطلقت الأنشطة. قررنا أن نختلف عن المؤسسات التي تشتغل بطريقة تقصي عددا كبيرا من المثقفين. والتي لا تتحرك إلا إذا توصلت بالدعم المالي من المؤسسات الحكومية، هذا الدعم الذي طالبنا به كمجتمع مدني، لكن لم نكن نعي أن الدعم ربما هو سبب إفلاس العمل الثقافي. وهنا تحضرني تجربة مسرح الهواة في السبعينات، وتحضرني تجربة اتحاد كتاب المغرب قبل أن يصبح جمعية ذات منفعة عامة. كانت الأنشطة عبارة عن نضالات تسعى إلى زعزعة التخلف بالبلاد. أما والحال على ما هو عليه، أي بما أن الأنشطة الثقافية اصبحت مرتبطة بالدعم المالي، فالمسألة أصبحت أكثر تعقيدا. وظهر المتهافتون على الثقافة، جاعلين نصب أعينهم الاستفادة من الدعم المادي والمالي ومن السفريات، عوض ترسيخ الثقافة بمجتمع لا يزال يرزح تحت ضغط الجهل والأمية.
أنشطتنا بالمقهى الأدبية تقوم على تضحيات منا نحن الأفراد الذين جعلنا نصب أعيننا السماح لكل الطاقات الإبداعية كي تبرز بدون شرط أو قيد. جعلنا هذا الفضاء في متناول كل مرتادي المقهى، الذين لهم اهتمام بعالم الكتب والثقافة. وهكذا قمنا ب:
تنظيم حفلات توقيع همت جميع الأجناس الأدبية، ونحن مقتنعين أن هدفنا هو خلق تراكم من غير إصدار أحكام قيمة، تاركين للنقاد كما هائلا من الإصدارت التي يتوجب عليهم متابعتها لتقييمها وتقويمها. ومنذ تأسيس المقهى الأدبي في شهر فبراير 2012، إلى غاية يوم السبت 01 مارس 2014، تم الاحتفال ب:
- جنس الشعر: 19 ديوانا.
- الرواية: 13 رواية.
- القصة القصيرة: 6.
- المسرح: 1.
- الدراسات: 5.
- المؤلفات العلمية: 1.
أي ما مجموعه 45 إصدارا. بالإضافة إلى هذه الأنشطة التي نخصصها لحفلات التوقيع، والتي نهدف من خلالها إلى التشجيع على الإصدار والقراءة، نظمنا عدة أنشطة أخرى منها: أمسيات شعرية وقصصية وندوات علمية ودراسات نقدية وعروض تكوينية وخرجات ثقافية.
قمنا كذلك بالتشجيع على الإصدار الجماعي، سميناه منشورات المقهى الأدبي. أصدرنا ديوانا شعريا: "سماء أخرى تظلنا"، نونبر 2013، مطبعة الجسور، وجدة المغرب. مكونا من 30 قصيدة، كتابها مرتادي المقهى الأدبي.
قمنا كذلك بالتشجيع على تأسيس المقاهي الأدبية بالجهة الشرقية للمملكة، وكذا، بإيعاز منا، تم تأسيس مقهى أدبي بمدينة جرادة، ثم بمدينة بركان، وبعدها بمدينة الناظور. يتم التنسيق بين هذه الفضاءات التي أصبحت صرحا لا يمكن الاستغناء عنه.
من خلال اللقاءات والنقاشات والكتابة على صفحة المقهى الأدبي بالفيس بوك، اتضح لنا أن معالم بعض الاتجاهات الإبداعية الشعرية والقصصية والنقدية، بدأت تبرز بشكل ملحوظ. فهناك اتجاه متشبث بالقوانين العروضية التقليدية، وهناك من يدفع في اتجاه الكتابة الحرة، أو الخلط بينهما، وهناك من هو مقتنع بمبادئ الأدب الإسلامي، ومن هو مقتنع بالمبادئ الكونية في الكتابة. في مجال القصة برز اتجاهان: من يدافع عن القصة كما هي متداولة، وهناك من يدافع عن القصة القصيرة جدا. في مجال النقد أيضا هناك من يتشبث بالمقاربات التي تعتمد على المناهج التقليدية العربية، وهناك من يعتمد على المناهج الغربية. وأصبحت النقاشات تفرز الميولات المختلفة. وأنجبت هذه النقاشات قناعات تبرر الاهتمام المختار. أصحاب الأدب الإسلامي، يفسرون غياب المدارس الأدبية على شاكلة المدارس الغربية بخصوصية الثقافة العربية الإسلامية التي لم تعتمد على الفلسفة لتحديد ثقافتها، كما هو الشأن بالنسبة للثقافة الغربية، التي بنيت على المدارس الفلسفية التي أعطت بدورها كل الاتجاهات الأدبية والفكرية المعروفة.
خلاصة القول، إن المثقف الذي يشتغل بكل حرية ولا ينتظر أي دعم من أية جهة، اللهم اعتماده على ذاته، يمكنه أن يبدع بكل حرية. لكن هذا لا يعني أن المؤسسات الحكومية أو غير الحكومية غير مطالبة بالاهتمام بهذه التجربة. بالعكس، يجب عليها أن تنخرط في مثل هذه التجربة، مع مراعاة أخطائها السابقة واستفادتها من تجربتها مع مؤسسات استفادت من دعمها.

ذ. محمد العرجوني
وجدة في 01 مارس 2014





1649510483605.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى