أمل الكردفاني- الكهل الأعزب- قصة

للمرة الخمسمائة ينتابه هذا الشعور بعد ذهاب الأنثى. وحين أطفأ سجارته بقى قليلاً في المقهى دون أن يرى شيئاً أمامه. كان غارقاً في التفكير. وكان يطرح سؤالاً على نفسه، هل يعمق تلك العلاقة بحيث يذهب بها لأقصى مداها الجنسي أم يُبقي عليها عذرية. هذا هو التقسيم الكلاسيكي في علاقاته المستمرة منذ الشباب. لكنه فقد الشباب، وعليه أن يحدد نمطاً ثابتاً للعلاقة. النمط الجنسي يقيده، وهذه إحدى مثالبه التي تتجاور مع إيجابياته الأخرى. "لقد نلت كفايتي".. ولم يكملها: "من هذا الهراء"، احتفظ بهذا الوصف الأخير لنفسه لأنه يبدو غير محسوم. على الطاولة كانت هناك علكة ملتصقة بحافة صحن كوب الشاي. وعلى كوب الشاب علامة أحمر شفاه. والمنفضة بها نوعان من الدخان، دخانه الرخيص، ودخانها الغالي. تبدو كل علاقة مغامرة عسكرية.
كانت النادلة الأثيوبية جميلة جداً، "فارويلا" الإثيوبية. وهناك "سلام" ايضاً، سلام سوداء البشرة وناعمة ويبدو وجهها كوجه غلام جميل وهي بلا شعر تقريباً. تضع خرزة ذهبية على يمين أنفها، وهناك ذلك الخط الذي يفصل بين رقبتها والترقوة. خط يظهر نعومة الأنثى وسنها. فكلما كانت صغيرة، طرية اللحم، كان ذلك الخط واضحاً، وكلما كبرت، خفت وجوده إلى أن يختفي تماماً في الثلاثين. "إن الأشياء تنتظم داخل فوضاها لتتحول إلى نسق". وهذا هو وضعه تماماً الآن. لقد عبرته الأشياء كثيراً، لأنها محاصرة بالفساد، أي بالزمن. "ما هو الأفضل بالنسبة لي؟" سأل وجمع علبة سجائره وقداحته إلى بعضهما ثم وضعهما داخل جيب الجاكيت، وطلب الحساب. هناك نزعة تقدمية في الفتيات اليوم، وهذا جيد، كما قال لنفسه. لكنها -في الحقيقة- ليست تقدمية كل التقدم. فهي تمهد لورطة. إنها كذبة يمكن اكتشافها عندما تترورق أعينهن الواسعة بالدموع وهن ينظرن إليك كما لو كن كبش فداء.
تقول له وهي تغادر:
- إنك تعقد كل شيء.. عش حياتك ككائن طبيعي..
ثم تبصق على وجهه وتصفق الباب وراءها ببراعة، إذ أن حقيبتها تنفلت بسرعة قبل أن ينغلق الباب.
حينما تحتد المرأة تصيح:
- ثم أنك عجوز..
غير أن ذلك يجعله أكثر غبطة، ويغوص في ذاته، أي في تاريخه، الذي يصر أن يسميه تاريخاً لا مجرد ماضٍ. إنه تاريخ لأنه حدث استثنائي في مجرى الزمن؛ حتى لو لم يقبل الأكاديميون ذلك.
ثمانية دقائق فقط هي سبب كل تلك المأساة الكونية. خلاصة الخلاصة، لقد دفعها كويلو للأمام قليلاً لكنه كاذب. إن المسألة كلها مجرد ترميمات على بناء. لذلك لا تهتم الحيوانات -وهي الأكثر تعبيراً عن حقيقة الطبيعة- بها. إن ذلك اللحم يتخثر بعد سنوات، لن تفيد الروح الطيبة شيئاً حينئذٍ.
انعطف بزقاق جانبي، متجها إلى مسرح روبن، وهو مسرح انشأه شباب يعتقد نفسه مثقفاً، يظل الكهل الأعزب حراً بأن يحلم، لذلك يتجه نحو مسرح الشباب التجريبي ليمثل دور الأب أو الجد. أو شخصية من شخصيات المسرح البديل الرقمية، غالباً كاهناً من كهنة الإله الرقمي. يبتسم من خيال الناشئة. ثم تضيع ابتسامته حينما يشعر بألم مفاجئ بكتفه ويجد جسده يترنح ودراجة نارية تدور لتواجهه وهو يسقط على الأرض. وعلى يد الراكب الثاني سكين طويلة لامعة. يسلمهم أمواله وهاتفه، فيغادران وتغيب دراجة اللصوص في أحد الأزقة الفرعية. شعر بلزوجة في كتفه من الخلف فخلع الجاكيت وربت باصابعه. كانت طعنة خفيفة.
الضابط الصغير لم يبدُ مهتماً، بل أخذ يدون البلاغ، ثم قال بأنهم سيبحثون عن النهابين وسيتصلون به عندما يتم القبض عليهم. "بأي رقم ستتصلون علي؟". أدرك أن المسألة انتهت هنا. لقد ضاعت كل أرقام الفتيات الصغيرات. وفي النهاية فإن الفتيات الصغيرات يخشين من المشاكل، ولذلك اتجه إلى صبرنا. انتقلت صبرنا قبل بضعة اسابيع من منطقة سكنية شعبية إلى منطقة الطبقة الوسطى، حيث الهدوء وعدم تدخل أي شخص في حياة الآخر وشؤونه. هناك ضمدت له إحدى الفتيات جرحه. وجاءت صبرنا بالقهوة والبخور وأخذت تسامره.
- سأموت وحيداً يا صبرنا..
قال لها ذلك بعينين جزعتين.
- اليوم اكتشفت بأنني وحيد تماماً..
قالت وهي تمسح ظهره بحركة دائرية:
- لستَ كذلك..
اكتفت بذلك. وقد تقبل هو ذلك أيضاً.. يكفي أن ننكر الحقائق في بعض الأحيان لنتمكن من الاستمرار في الحياة.
مسرح روبن ليس سوى صالة صغيرة، بها مقاعد. وخشبة المسرح مجرد صناديق مياه غازية تم رصها وتغطيتها بفُرش عديدة لتتماسك كمصطبة مرتفعة. لم يكن الممثلون الشباب بحاجة إلى مكبرات صوت، وكانوا يمثلون بجدية.
- إنه مسرح القسوة.. ألا توجد موسيقى روك ليكتمل المشهد.
- بابيت ماستر..
- الروك ليس ثقافتنا..
- ولا المسرح..
يتناقشون هكذا، وهو صامت يتأمل روحهم الوثابة.
- كانت نهاية ويليامز تؤكد مسرح القسوة.. السوداوية والعدمية..
- أنظروا.. الفتاة التي في الحديقة.. ماذا تمثل؟ إنها تمثل الفردية الزاحفة في عالمنا.. الحديقة وهم.. المرأة المجاورة لها وهم.. حبيبها وهم.. تسقط لتعد الارقام كما يأمرها موظف استقبال مكالمات الطوارئ من على الهاتف.
- والهرمونات؟
- إنها الكينونة.. هذا ما أعتقده.. الكينونة التي تخلق ذلك الانعزال عن العالم..
- علينا ان نقرأ المسرحية وفق هذا التأويل..
- نحتاج لفتاة وامرأة كهلة..
قال متداخلاً:
- سأمثل دور المرأة الكهلة..
التفتوا نحوه بدهشة..
- حقاً؟!!
- حقاً..
أخذوا يضحكون بجزل.
لماذا تبرع بتمثيل دور المرأة؟ يبدو أنه يحاول أن يكون موجوداً معهم على نحو ما. كان كتفه يؤلمه قليلاً وهو يحاول قراءة النص القصير. وكان بعنوان "الحديقة":
الشخصيات:

الشابة

العجوز

الصوت الذكوري


المسرح:(خال الا من أريكة حجرية عليها إمرأتان إحداهما في منتصف الثلاثينيات والثانية على أعتاب السبعين . الإضاءة تهبط مستقيمة من أعلى بحيث تسقط على رأس المرأتين فتحجب الظلال بعض ملامحهما).

الشابة- (تنظر باستقامة وبملامح جامدة) ايييه... أعتقد أنني أبدو شاحبة الوجه.. لا أملك مرآة للتأكد..لكن إحساسي لا يخيب.

(تنظر العجوز اليها وتعود لتنظر في خط أفقي مستقيم)

الشابة- هل مررت يوما بهذا الشعور؟ هل شعرت يوما أنك شاحبة أو قبيحة رغم أنك لم تشاهدي وجهك...كم يبدو إحساسا غريبا..

العجوز- لم تكن الفتيات أيامنا يخرجن بغير مرآة .. كم هذا الجيل مدلل..لا أعرف ان كان دلالا أم افراطا في الثقة بالنفس ..أم أن دعاوي النسويات قد وجدت بالفعل سوقا رائجا لها في أدمغتكن الخفيفة التي تصدق كل ما هو شاذ عن الطبيعة البشرية السوية..

الشابة- الحقيقة لم أنظر لوجهي منذ اربع وعشرين ساعة..لا أعرف كيف نسيت مرآتي..

العجوز- أيامنا اضطرت مصانع الحقائب النسائية للصق مرآة صغيرة في الحقيبة...كنا سعيدات بهذا الاختراع... لكنكن اليوم تصدقن أن الرجل كائن تافه وأن المرأة عليها ألا تكترث برأيه فيها..وهذا خطأ..
الشابة- أنا شخصيا أكترث...اعتقد أنني لن أغامر بسعادتي من أجل أفكار النسويات المسترجلات..

العجوز- هذا حسن...

(صمتٌ لنصف دقيقة)

العجوز-لستِ شاحبة على أية حال..

الشابة-(تبتسم) .. هل تخشين الزمن؟

العجوز- فيما مضى... لكل سن هرموناته..

الشابة- كيف ذلك..

العجوز- الطبيبات كن يقلن ذلك ..في المراهقة قالت لي اخصائية اجتماعية أن عشقي لاستاذي ناتج عن نشاط هرموني... في الثلاثينيات حين تأخر حملي قالت لي طبيبة ذلك أيضا..وحين استئصلت الغدة الدرقية قال لي الطبيب ذلك.. وعند سن ما يسمونها باليأس قالوا لي ذلك..وحين بدأت أقرف من ملامسة الذكور قالوا لي ذلك.. والبارحة فقط قالت لي الطبيبة ذات الأمر...

الشابة-(تتسع عيناها وهي تنظر للأفق) مدهش...يقول خطيبي بأنني متقلبة المزاج..أنا فعلا متقلبة المزاج ..

العجوز- هرمون..

الشابة- أحيانا اشتاق لخطيبي..

العجوز- هرمون..

الشابة- وأحيانا أمقته..

العجوز- هرمون أيضا..

الشابة-وأحيانا أكره العالم كله..

العجوز- هر...مون..

الشابة- (يتهدج صوتها وتخنقها العبرة) وأحيانا أحب الخروج من المنزل..
العجوز- هرمون .. هرمون .. هرمون..

الشابة- (تبكي) أحيانا أبكي ..

العجوز- هرموووون يا عزيزتي...نحن النساء كائنات هرمونية...

(تلتفت نحو الشابة وتحدجها بنظرة وهي ترفع حاجبيها) لا تبكي يا صغيرتي..

(تغطي الشابة وجهها بيديها وتنخرط في البكاء)

(تدير العجوز رأسها ناحية الجمهور وتنظر للأفق قبالتها بجمود امبراطوري).

الشابة- (تكفكف دمعها وتستنشق مخاط أنفها) الحديقة صامتة...صامتة جدا..

العجوز- مع أني أراها صاخبة..

الشابة-(تلتفت للعجوز بدهشة) كيف ذلك...لا أحد هنا سوانا..

العجوز- (تقول بصوت خفيض) ذاكرتي تحمل صورهم كلها عندما كنا نلتقي هنا..أراهم الآن يزحمون الحديقة بالحركة والضحكات..كما لو أنهم تجسدوا بتقنية الهولوغرام..

الشابة- (تزرع أصابع يدها في شعرها) غريب...

العجوز- ليس غريبا..

الشابة- كيف ذلك؟

العجوز- هرمون يا عزيزتي هرمون...
(صمت)
الشابة- لديك قصص كثيرة من ذكريات ثرة..

العجوز- أعتقد ذلك..

الشابة- أنا لا أملك الكثير من القصص.. تجربتي في الحياة فقيرة..

العجوز- قصة واحدة قد تغنيك عن باقي القصص يا بنيتي..وآلاف القصص قد لا تعني أي شيء..

الشابة- كم أنت حكيمة..

العجوز- (تتأوه)..آه..ربما..

(تفتح الشابة حقيبة صغيرة وتخرج زجاجة عطر صغيرة تبخ منها تحت أذنيها تباعا)

الشابة- هل ترغبين في التعطر..

العجوز- لا شكرا..

الشابة- سمعتك تقولين أنك تشمئزين من ملامسة الذكور...هذا مدهش..

العجوز- هرمون كما قلت لك.. لا شيء حقيقي... كل سن ولها هرموناتها... في الشباب تحلمين بشفاة رجل وفي المنتصف بأمان رجل .. وفي الكهولة تقرفين حتى من مصافحة رجل..وفي الشيخوخة .. تفضلين وجود رجل قربك حتى لا تموتي وحيدة.. لا شيء حقيقي يا عزيزتي..

الشابة- (بدهشة) لا شيء حقيقي؟!!!

العجوز- لا شيء حقيقي..

الشابة- هذا مرعب..

العجوز- لا شيء حقيقي...

الشابة- (تدير رأسها متأملة المكان) الحديقة ليس فيها شيء...لماذا يسمونها حديقة وهي بلا زهرة واحدة بل وبلا عشبة خضراء واحدة...البلدية تأخذ رسوم العناية بها..فبماذا يعتنون إذا لم يكن بها ما يعتنى به أساسا...

العجوز-(تستمر في نظرتها الجامدة الإمبراطورية) إنهم فقط يذكرونك بوجودها..

الشابة-تقصدين وجود الحديقة؟

العجوز- بلى..يكفي أن تتذكري بأن هنالك حديقة في هذا المكان لتشعري بالراحة...

الشابة- (بصوت خفيض) صحيح.. (تستدرك) ولكن.. لا يوجد حديقة..

العجوز- لا أعرف..يبدو أن هناك حديقة.. يقولون دائما أن هناك حديقة..

الشابة- نعم يقولون ذلك.. حقا .. ربما تكون هنالك حديقة.. ربما هذه حديقة فعلا...أليس كذلك..

العجوز- ربما... ستمطر بعد قليل..
الشابة- هذا فصل الصيف...

العجوز- ستمطر بالرغم من ذلك...للأرض هرموناتها هي أيضا...

الشابة- (تسمع رنين هاتفها داخل الحقيبة الصغيرة؛ ترتبك وتفتح الحقيبة بتوتر) ألو...حبيبي..صباح الخير...أرسلت لي رسالة (باستغراب) .. لا .. لم افتح الانترنت بعد.. لماذا ظننتني غاضبة... لا أنا لا أغضب من حبيبي أبدا...ها... حسن.. سوف أعود للمنزل واتصل بك من هناك...في الحديقة..نعم.. رغبت في الجلوس فيها.. نعم بدون سبب محدد... أها...استيقظت بنفسيات محبطة قليلا...الحديقة التي قبالة عمارتنا... ها؟ ..كيف ذلك...

(يظلم المسرح أثناء حديث الشابة مع حبيبها... تعود الإضاءة لتكون الفتاة وحدها)..

الشابة- هناك حديقة قبالة عمارتنا يا عزيزي... نعم متأكدة.. كيف لم ترها من قبل.... بل حقيقية ولا أتوهم.. (بصوت غاضب) لست مجنونة...ومعي صديقة لطيفة.. (تلتفت فلا تجد العجوز)..يبدو أنها غادرت...أنظر من حولي بالفعل.. لا ...لا ارى زهورا... لا لا أرى عشبا أخضر ولا حتى أصفر.. نعم مع ذلك فهذه حديقة...(تتحدث بصوت مرتعش) أنت ترعبني يا حبيبي... (يتهدج صوتها) أرجوك لا تفعل ذلك... أرجوك...

(يأتي صوت ذكوري من سماعة الهاتف)

الصوت الذكوري- يا سيدتي أنا لست حبيبك.. هذه نمرة الطوارئ ..هل تشعرين بخطب ما..

الشابة- (تبعد الهاتف عن أذنها وتحدق فيه بعينين غاضبتين ومندهشتين) .. ماذا تعني أنك لست حبيبي... ماهذا الهراء.. عن أي طوارئ تتحدث...

الصوت الذكوري- حسنا سيدتي..أرجوك أن تهدأي قليلا..أريدك أن تغمضي عينيك وتتنفسي بعمق... (تغمض عينيها وتتنفس بعمق)...الآن هل يمكنك الاستلقاء على الأرض... (تستلقي على الأرض)... اصلبي يديك على صدرك .. (تصلب يديها على صدرها دون أن تتخلى عن الهاتف)... والآن .. استلقي على جنبك الأيمن... (تستلقي على جنبها الأيمن).. هل تشعرين بتحسن؟ (تهز رأسها وهي تعض شفتيها باكية) .. هل تشعرين بتحسن يا سيدتي..
الشابة- (تبكي) نعم...أشعر بتحسن...

الصوت الذكوري- الآن حاولي أن تفكري في قصة جميلة...

الشابة- (تستمر في البكاء) حسنا..ولكني لا أملك قصة جميلة ...

الصوت الذكوري- ليس بالضرورة أن تكون حقيقية يا سيدتي...

الشابة-(تجهش بالبكاء)...

الصوت الذكوري- هل أنت بخير سيدتي..

الشابة-(تحاول التماسك).... قليلا..أنا بخير قليلا...

الصوت الذكوري- يمكنك العد إلى مائتين إن لم تكن لديك قصة جميلة.. خمسة عشر دقيقة على أقصى تقدير وسنكون معك...

الشابة - حسنا..

(يسمع صوت تكة اغلاق الخط ، تلقي الشابة بالهاتف وتعض شفتيها وتبكي بصمت...)..

الشابة.. واحد..اثنان .. ثلا...ثة...أر...ب .. عة ...

ستار

صفقت الجماهير القليلة التي شاهدت العرض، صفقوا بحرارة. وقال رجل مخمور:
- أنت ممثل عظيم.. هق..
كانت نظرات المخمورين وأحاديثهم وحركاتهم تخيفه. لا زالت المساحيق على وجهه، وكان خجلاً من ذلك وهو يتحدث إلى فتاة نحيلة في بداية العقد الثاني. وضح جلياً أنها معجبة به، لكنه ليس إعجاب أنثى بذكر، بل عبدٍ بإله. كانت تتحدث بسرعة ولغة غير مفهومة ثم دونت رقم هاتفها بقلم كحل وحشرته في كفه، ثم غادرت بسرعة، وحينها لاحظ مؤخرتها الكبيرة التي لا تتناسب مع نحولة جسدها.
- مسرحية تافهة.. متحذلقة..
قال رجل نحيل وهو منكمش فوق كرسيه كفأر. حاول بقدر الإمكان أن يصل صوته إليه. أدرك أنه من ذلك النوع من البشر.
ثم سمعه يقول:
- إنك لا تصلح للتمثيل.. كل شيء آخر ما عدا التمثيل المسرحي..
وبارتباك من يخشى تلقي لكمة أنزل قدمه اليمنى من فوق قدمه اليسرى وغادر بسرعة.
- هذا ليس رقمي.. إنني اتصل بكِ من هاتف كشك السجائر.. لم أشترِ هاتفاً منذ سُرق مني.
لم تتأخر.. بل وجدها جالسة في المقهى قبل المواعيد..كانت تلوك علكة بصبر. وحينما تقدم نحوها لم تبتسم. كانت كما لو كانت تجري مقابلة وظيفية. حدثته عن نفسها كثيراً.. ثم غادرت بعد تحديد موعد آخر للقاء.
للمرة الخمسمائة ينتابه هذا الشعور بعد ذهاب أنثى. وحين أطفأ سجارته بقى قليلاً في المقهى دون أن يرى شيئاً أمامه. كان غارقاً في التفكير. وكان يطرح سؤالاً على نفسه، هل يعمق تلك العلاقة بحيث يذهب بها لأقصى مداها الجنسي أم يُبقي عليها عذرية. هذا هو التقسيم الكلاسيكي في علاقاته المستمرة منذ الشباب.

(تمت)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى