حبَّابة - المغنية التي عشقها يزيد بن عبد الملك حد التصوف - بقلم- أيمن دراوشة

من سلسلة حلقات نساء خلدهن التاريخ

حبَّابة

المغنية التي عشقها يزيد بن عبد الملك حد التصوف

أيمن دراوشة

بعد انتهاء الصراعات السياسية، وانتهاء الحكم نهائيًا للبيت الأموي في عهد سليمان وأخيه يزيد بن عبد الملك، حتى أصبحت مظاهر الترف والبذخ من مظاهر الدولة والحكم، فظهر عدد كبير من المغنين والمغنيات، وازدهر شعر الغزل، وتنوعت مظاهر الحياة المدنية، وزاد الثراء.

وقد اشتهر يزيد بحبه الشديد للغناء والشعر، وكان قد اقتنى المغنية سلامة مغنية المدينة المشهورة، وذلك في عهد أخيه سليمان.

وحين استتب الحكم ليزيد، واستقرت أحوال الناس، جاءته زوجته سعده التي كانت تحبه، وتبذل قصارى جهدها لإرضائه وقالت له:

يا زوجي العزيز: هل بقي لك من الدنيا شيء لم تحققه بعد؟

فقال: نعم حبابة.

وكان مَرَّة قد قال في عهد أخيه، لن تقر عيني حتى أحصل على حبابة.

وكانت حبابة قد تأدبت وأخذت الغناء عن ابن سريج وسلَّامة وغيرهم من المغنين، إضافة إلى انها من أجمل النساء وجهًا، وأكملهم عقلًا، وأفضلهم أدبًا.

وحين أدركت سعدة من أمر زوجها ما يهواه، أرسلت من ورائه رسولًا ليشتريَ لها حبابة.

وما أن وصلت حبابة إليها حتى غسلتها وعطرتها وزينتها، وأتت بها إلى مجلس زوجها يزيد، وأخفتها وراء ستارة، وقالت ليزيد:

هل بقي لك من الدنيا شيء لم تحققه بعد؟

فقال: ألم تسأليني هذا السؤال قبل هذه المرة وأجبتك.

قالت: بالفعل، ثم رفعت الستارة عن حبابة، وقالت: هذه حبابة، وتركتهما لشأنهما.

ومنذ ذلك اليوم تعلًّق قلب يزيد بحبابة؛ ليتأصل عشقه بها؛ فتسيطر على عقله وكيانه، حتى أصبح لها نفوذ في حكمه وفي قلبه، فنسي أمور الحكم والسياسة، ليقول له أخوه مسلمة: لقد أضعت حوائج الناس، واحتجبت عنهم، فهل ترى هذا مستقيمًا لك؟!

وقد أدّى نفوذ حبَّابة إلى إقصاء سلامة على الرغم من أنَّ حبَّابة كانت تجلُّها وتحترمها لكن عزة مكانتها ورفعتها عند يزيد دفعتها للشموخ والتعالي على سلامة بل والاستهزاء بها.

وقد بلغ من هيام يزيد بحبابة درجة كبيرة، وكانت إذا غنت وطرب لها يزيد قال لها: سأطير، فتقول له: فإلى من تدعِ الناس، فيجيبها: أدعهم إليك.

وبينما هي تغني، وهو يذوب طربًا وشوقًا، شرقت حبابة بحبة رُمَّان، فأسرع إليها ملهوفًا مرتبكًا لا يدري ماذا يفعل، حتى اختنقت وماتت بين يديه، ليجن جنون يزيد، فحبة الرُمَّان قلبت الأمور رأسًا على عقب، وقضت على كل شيء، وظل يعانق حبابة على أمل أن يحدث شيئًا ينهي هذا الكابوس، لكن قُضي الأمر بعد أن سلَّمت حبابة روحها لخالقها.

تدخل أهله يواسونه ويخففون عنه، لكن دون أية فائدة فهو لا يسمع من أحد، ولا يسمح لأحد من الاقتراب من جثة حبابة، ليمضيَ ثلاثة أيام متوالية، والجثة قد تعفنت وأنتنت، وهو لا يسمح بدفنها، مما أثار حفيظة أهله وقالوا له: عيب عليك ما تفعله، لقد صارت حبَّابة جيفة بين يديك حتى استسلم للأمر الواقع وطلب بغسلها ودفنها.

وذهب إلى قصره، فوجده مقفرًا موحشًا، وظلَّ يجلس في كل مكان كان فيه مع حبابة، وهو يتصورها بين يديه في كل لحظة، ويكاد يسمع صوتها تغني في أرجاء القصر، واختلط عليه الليل والنهار، وأحسَّ بشوق جارف يكاد أن يقتله، ولم تمضِ ثلاثة أيام حتى انطلق يزيد إلى قبرها يريد إخراجها، فحاول أهله منعه، لكنه أصر على نبش القبر، فحفره وكشفوا له عن وجهها، فوجده قد أصبح قبيحًا، فقيل له: اتق الله، ألا ترى كيف صارت؟!

فقال: ما رأيتها قط أحسن من اليوم، وطلب إخراجها، لكن منعه أهله، وأبعدوه عنها ثم أعادوا دفن الجثة، وحين أراد العودة لم يستطع الحراك، فحملوه على منبر فوق رقاب الناس، وظل يزيد في قصره يبكي حبَّابة حتى مات بعدها بخمسة عشر يومًا.

























تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى