فيصل سليم التلاوي - ناحت مطوقةٌ بباب الطاقِ

مستوحاة من مقطوعة للشاعر العباسي المنازي البندينجي التي مطلعها:


(ناحت مطــــــوقةٌ ببابِ الطاقِ

فجرت سوابقَ دمعيَ المُهراقِ)



من ألفِ عامٍ أو يزيدَ ســـمعتُها

ناحت مُطـــــوقةٌ ببابِ الطاقِ

فتساقطت حسراتها في مسمعي

وجعَ الفـــراقِ ولوعةَ المشتاقِ

فكأنها قد فـــــرَّخت في خافقي

لا في الأراكِ ولا عروقِ الساقِ

وتظلُ ما بينَ الضلوعِ حبيسةً

أو أن تنازعـها الهوى أحداقي

حتى تســاقطَ نوحها وحنينها

كِسَــــفًا تساقُطَ دمعيّ الرقراقِ

فأجبتُها: لما عرتنيَ رِعشــةٌ

لهديلها وحنينها الدفّــــــــــــاقِ

إن الشجا في خاطري بعثَ الشَجا

من زفرةٍ حــــرّى و مُرِّ مذاقِ

حالي كحالك يا حمامةُ رغم ما

تجدينَ من قفصٍ ومن أطـواقِ

ويزيدُ عنكِ تألمًا وتـــــوجُعًا

نهرُ الأسى من دمعيَ المُهراقِ

أسفي على دنيًا تمرُّ بخاطري

قد أدبرت مذ آذنت بفــــــراقِ

آهٍ على الأيام يُطوى سِـفرُها

طيًّا، وليس لدائها مـــــن راقِ

وعلى الأحبة كيف أضحى شملهم

بدَدًا، يَهيمُ لغير يــــوم تلاقي

وعلى الشآمِ العذبِ بُدِّلَ صُبحهُ

ليلاً وكُبِّلَ مُـــــــرغمًا بوثاقِ

أسفي على الشهباءِ عُفِّرَ وجهها

الفتّانُ في الإصباحِ والإغساقِ

أسفي على (خان الحرير) وأمسه

لم يبقَ فــــي جنباتهِ من باقي

ما ذا أقول لها إذا يوما هفت:

خذني إلى (خان الحرير) الراقي(1)

أو طاولت بطموحها وتطلعت

صوب العراقِ الماجدِ الخلاّقِ

ورنت إلى هضباتهِ وشطوطهِ

وإلى شــموخ النخل والأعذاقِ

لترى العــــراق ورافديهِ تقزما

لم يبقَ من شطيهِ غير سواقي

فتصيح من عجبٍ وجرحٍ نازفٍ

أقسمتُ ما هذا العراقُ عراقي

وكأن بغداد الجـــــريحة لم تكن

يوما تتيه بعامر الأســـــــواقِ

ورنت إلى اليمن السعيدِ بحسرةٍ

حيثُ الأظافر أنشـبت بخناقِ

فســمعتها هتفت فشنَّفَ صوتها

أُذنَ الـزمانِ ومنتهى الآفاقِ

(لا بد من صنعا وإن شطَّ النوى)

حتى ولو حُمِلت على الأعناقِ

ماذا دهى الأعراب أقفر ربعهم

وخلت منازلهم من الطُرّاقِ

نعبَ الغرابُ على طلولِ ديارهم

فغدت خرائبَ ما بها من باقي

يالهفَ نفسيَّ إذ تســــاقطُ أنفسًا

لحمامةٍ ناحت ببابِ الطــــاقِ

فشــكت إليَّ شؤونها وشجونها

فكأنما لمَّت إليَّ رفاقــــــــي

وكأنما عــاد الزمـــان بنا معًا

وانفك قيدي بعد طول وثاقِ



  • إشارة إلى الأغنية الحلبية الشهيرة:
  • يا عمي خذني معك عحلب أتفرج وديني خان الحرير أشتري المطرز
  • 19/9/2016
  • فيصل سليم التلاوي




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى