أمل عمر إبراهيم - الدرة

قيل أن جدي كان يعشق جدتي عشقا غريبا ، لم يتعوده الرجال في تلك الأنحاء و لا ذلك الزمان ، و هم من يتزوج مثنى و ثلاث و رباع كما يشربون الماء، يبدلون النساء اكثر من نعالهم ،
منذ ان فاجأ اهل قريته و أتى بها عروسا على ظهر حماره من القرية في الجانب الآخر من النهر ، من قرية لم يسمعون بها اطلاقا ً، و هو لا يكاد يفارقها الا لامر جلل ، كان لا يأكل الا ما تصنعه يداها و لا يشرب الا من قهوتها، و لا يجد الأُنس الا بقربها ، هجر مجالس الرجال ، يؤدي الصلاة في الجامع القريب و يدس قدميه في نعاله و يعود مهرولا في صفاه و مرواه المُقدسين ، لذلك حين يكون هناك عرس او عزاء في القرية ، ياخذ أبناءه له الطعام في صرة و يلحقون به من بيت الي آخر ، فيضع طعامه مع الآخرين و يأكل ، اصبح لا يذهب لسوق المدينة كما درج في السابق و كما يفعل الجميع في كل اسبوع، كان يوصي الذاهبين بما يريده من المدينة و عندما كبر الابناء صارو هم من يذهب و ياتي بالبضائع لدكانه الصغير ، مع مرور السنوات توقف الناس عن الاستغراب و اللوم و تقبلو ما يفعله، كان لا يبيت خارج داره اطلاقا، مهما حدث ، عندما حاول ابناءه اخذه لأداء فريضة الحج من دون امهم ، رفض ، و لهذا فقد ادى فريضة الحج مرة واحدة في حياته ،كانت برفقتها ،
كان يسميها "الدرة" يناديها به حتى نسى الناس اسمها الحقيقي، كانت النساء يغرن منها و سرت شائعة قوية بانها سحرته عند ساحر في بلد بعيدة فسلبت لبه ..
عندما غادر جدي القرية كان عمري خمس سنوات ، اذكر ذلك النهار بوضوح تام ، كان نهارا حارا جدا و كأن الله جعل لكل شخص شمساً خاصة ترافقه فوق رأسه اينما ذهب ، تعفرت ملامح الناس بالتراب و العرق و هم يسرعون في كل اتجاه ، كنتُ اركض حافيا خلف ابي و هو يبحث عن جدي مع الآخرين و ينادي بإسمه ، بحثو عنه في المناطق حول القرية، تجاه البحر و تجاه الصحراء و تجاه الجناين ، بحثو عنه في المدرسة القديمة ، في المركز الصحي المغلق منذ سنوات ، عبرنا منطقة المقابر ذهابا و إيابا مرات لا تُحصى ، و انا اركض خلف أبي الساهي عني ، اخترقت شوكة قدمي فصرخت و بكيت و لم يلتفت لي احد..
ماتت جدتي "الدرة" ذلك الصباح ايقظها جدي و لم تستيقظ..، لم تستيقظ للأبد ..
بعد ان انتهت مراسم الدفن و اراد الناس الرجوع ، طلب جدي ان يظل لوحده لدقائق قرب قبرها ثم يلحق بهم ،
و لم يره أحدًا منذ تلك اللحظة ..فقط وجدو آثار أقدامه مبتعدة عن المكان ، آثار اقدام تبتعد عن القرية اقتفوها حتى اختفت بفعل الريح ..
اختفى جدي و كان يبلغ السبعين من عمره..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى