رضا أحمد - إمعانا في التخلي عن أطلنطس*..

أعرف الحياة،
بجمالها وهشاشتها؛
وردة في مزهرية
تتنكر لسجنها
ويفزعها صوت المقص البعيد،
رحيقها هو اللدغة الوحيدة التي توقظها في الذاكرة
وفي طيات الكتب،
على رأس المقابر والمواكب
وفي صدور العوانس والأميرات...
أعرف كذلك الحواس؛
الشوك النفيس الذي عبر بالورود إلى الموت.
*
بيد مبتورة
رسم أبي لبذوره أبناء؛
قناديلا تنثرها الرياح،
سريرا من الأبنوس
وزوجة ترتجف تحت جلبابه
تجمع بتلات المطر الأحمر
وسوس الجغرافيا.
بعين خفية
تلصصت على ذاكرتي
والأوضاع الصامتة لفمي،
رأيت الجسور
التي هبطت لتكون أشجارا
تعبر عليها الغابة
في طريقها إلى فكرتها عن اللون الأخضر
والظل.
وفي أذني المطفأتين
تحلل العالم.
*
في حصة الأحياء
رأيت جسدي الناعس
تغمره شعيرات الشرايين وأدغال الأعصاب
ومواساة الموت،
ما يمكن أن تسميه عرينا
تخلي عن زئيره وحفاوة مخالبه،
يومها اخبرني مبضع المعلمة
إن الحواس تشيخ ككل شيء،
إن لم يكن بفرط الاستعمال
يكون بالتجاهل والمرض،
في تلك اللحظة اكتشفت أن جسدي جزيرة اطلنطس المفقودة
وروعني الصراخ والسكاكين،
خفت أن أصير هناك...
عمياء.
*
اليد التي أمسكت صوتي
قرأت مخاوفه
وأعطتني حقي الكامل في الصراخ؛
لا تفتن حواسك
لا تسلب جسدك هدوء أشباحه
لا تكتسب مزيدا من الأصدقاء،
كن مع الشمس
حتى تنزلق بين يدي الليل
كصابونة
يحمم بها نجماته.
*
كل ما تدركه،
كل ما تخشاه؛
أنك حر في التحرك داخل جسدك،
تمرن حواسك ككلاب صيد على التقاط الروائح،
الرؤية في الهامش،
تذوق العيوب والعطب،
تتبع الأصوات الجائعة
والإحساس بقشور الزمن وهي تنمو على جلدك؛
آليتك الخاصة هذه أنقذتك مرارا
من تحمل الفشل وحدك
في رحلتك الطويلة إلى قطعة الجبن.
*
حين قبلني الرجل الذي أحببته
لم يكن قريبا لأعرف
واختبر طعم شفتيه؛
رائحة الغواية
تنشع من جلده
وتتدفق؛
مستعمرة ألغاز
ويناسبها تماما جسدي.
*
أؤمن أن للحواس ذاكرة
تتراكم كندف عفن فوق برتقالة،
تعيق رؤية كل جمال وقبح
وتشوش ترددات الألم،
حين تفقد حاسة
تبحث في دفاترك القديمة عن أمل،
هذا ما يجعل للجروح قيمة
وللمفقود حظوته المؤلمة؛
تعيش في إثر تلك الخبرة
وتسترد مدخراتك تباعا،
إلى حد ما توقن إنه لا فائدة من التجاهل
وترضى بحالك الجديد،
هذه الذكريات ليست لوثة ولا خداع
ربما تكون ظلا ترتاح تحته قليلا كغريب
سلامك الشخصي
وجنتك التي رتبتها لتكون مقامك وضريحك،
لا تبقي أسئلتك وهويتك الجديدة
صليبا يتمدد فوقه حنينك...
أعرف هذا عن اليأس وأكثر.
*
تراث ضئيل من الرعشات
ينزوي خائفا تحت صناديق زجاجية
رغم مرور نوبات الحراسة الرتيبة
وفضول الزوار؛
أتجاهل القرنفل الذي ينمو
بين فخذي
حديقة الشياطين التي أغلقتها أمي
بكف مريم.
*
فكرت في الظلام كثيرا
وأنا أتتبع تاريخي المهزوم مع حواسي،
أردت البحث عن بدائل أو تعزية
حين أفقد القدرة على النظر،
لم أعرف أين ونس الألوان مثلا في ذاكرتي
حين لا يمكنني التمييز بين الأزرق الهارب من صخور الغمام
والأزرق الغريق في كوب ماء،
كان هذا خوفي الوحيد،
رغم أنني تمرنت كثيرا على تصفية ذاكرتي من المذابح
وتفاصيل الأصوات التي تؤلمني،
أستطيع الاعتياد على الصمم
لكن العمى يخيفني.
*
أخاف أن أصير عمياء،
وعلى منشفة يتمدد جسدي
حواس غريبة تتفحصه
ولا أظنني أكثر تعاسة
من نول
ترك مرآته الراكدة
لمخيلة حجر.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى