رسالة من الشاعر مظفر النواب لعقيل حبش في 25\ 3 \1968

في الليل المحاصر الرتيب يا ما حكيت لك... ويا ما فهمت حزنك كما فهمت صمتي وقد كان يستنزف عرقك العمل المرهق الدؤوب حملت لك الماء بأخوة عميقة ومنذ الأيام الأولى اكتشفت فيك روح العمل واحببتها وفي السر صنتك في قلبي بين الناس وفرحت دائما وسأظل افرح انك صديقي.
هل اوقظ فيك كل ذلك الذي يشكل جزءا غاليا من حياتي وحياة القضية التي تضيء جوانب عيوني في اشد ساعات الليل؟! الساعات التي عشناها تعيش عالمها الصرف وتتصرف بي احيانا.. ولعلك تذكر اقصى امنياتي كانت اكثر الأهوار وحشية وبعدا عن المدينة الملوثة وها انت هناك احسدك لأنك هناك في العالم الذي بلل لساني بالأغاني الأذاء.. عند الناس الذين تتقطر الأحزان في قلوبهم كل ليلة... وتولد الثورة في الظلمات التي تخبئهم منذ آلاف السنين... انت في النقطة التي يصح ان تسمى البدء.. جاء في العهد القديم (في البدء كانت الكلمة وكان وجه الله يرف على الغمر). انت هناك يا صديقي.. وانا يطفح في دمي حنين كآلاف النباتات السائبة على وجه الهور. يا انت في مياه الميعاد. الموت في مياه الميعاد. هو بدء الخليقة. كان ( ) الأنسان بين الناس الذين يحبهم وفي الأرض التي يحبها ويعتقد انها هي (المكان) مسألة لا يمكن تسميتها الموت بأي حال.
اخي... صديقي
مازال صدى الكلمة المحفورة على الخشب الضائع.. يثير دثـارا في صدري . ومحبة.. تتأجج في اشواق اتمنى ان تراها.. وكتبت لك اكثر من رسالة.. وجاء منك اكثر من صمت.. ومللت الصمت.. انني اتعلم الآن السير في الأرض الصعبة وفي اشد الظلمات.. وبالضوء الخبيء في القلب فقط.. وهناك في الأرض التي تغيب فيها الشمس في سنابل الحنطة.. وتظل مشرقة طوال الليل في عيون اطفال الفلاحين.. هنا قالوا مر سجين في هذا المكان وكان متعبا ويهاجم اليمين بلهجة حارة واضحة.. ويتحدث بسرعة.. ويفرح حين يكتشف ان البيت الذي يبيت فيه مع الحزب.. وضد دجل المحرفين.. فيدخن علبتين من السكائر.. وقالوا :وله شارب خفيف اصهب.. وعينان شديدتا الذكاء.. هتفت في صدري !! انه انت.. انت ذلك الذي عبر الجزيرة.. وقلت لهم : اعرفك.. وكتمت اسمك مع الأسماء التي في السر.. هنا التقيت بك عبر الناس.. سمعت صوتك في احاديثهم وهنا.. في هذه الأرض التي تجمع الأحبة.. التقيت برجل آ خر يحبه قلبي منذ زمن بعيد.. وخططنا وحلمنا.. وسمعت صوت الرصاص رغم الصمت الذي يفوح في الليل.. وقلنا نفاجئك.. وكان شيئا (هناك) لم يفهم بعد ولا اتوقع _ كالعادة _ ان تفهم الأشياء الحقيقية بسهولة وبدون الم. والححت ان اكون معكم. انتم رجال البداية.. ان البدء يقرر ارتباط الرجل الحقيقي ويجعلك تمتلك لحظة التأريخ.. التأريخ الصامت العظيم.
في (الرزمة) ابتدأنا سوية.. منذ لحظتها الأولى.. منذ خطوطها الشفوية الأولى.. ان ذلك جعلنا نمتلك العملية.. ونطوعها كلما التوت.. لأننا نملك بدايتها الواقعية.. نملك تأريخها.. انها ملكنا نحن الذين كنا نعيشها لحظة لحظة.. اكثر مما هي ملك أي انسان آخر.. لقد كانت القيادة واقعية جدا حينما كتبت في نشرياتها ان رجالا مناضلين صنعوا ذلك وانها ساهمت بــ (اننا مع كل عمل ثوري) والآن كل الذي صنعناه وعلى بساطته ملك للشعب.. شعبنا العظيم.. اقول لك مازلت الح ان نبدء سوية ايضا.. وليس غريبا ان نلتقي نحن الأربعة . اللذين اخلصنا لتلك العملية.. ليس هذا غريبا مطلقا.. ابدا.. ذلك لأنه هناك شيء يريد أن يبدأ بشكل حقيقي.. والشيء الحقيقي يختار الناس الحقيقين.. مادام هذا الحقيقي يريد أن يبدأ.. فسنلتقي حتما.. ولكن علينا ان ندخل في التأريخ ونعجل في لقاءنا.. ولكن (القرامطة). ياصديقي يريدون لي أن اكون في محل آخر.. سألتزم بعمق وبوعي وسألح بكل الوسائل النظيفة أن أكون معكم.. أن خمسة اشخاص بأمكانهم ان يوقظوا الشرارة الأولى على ان يكونوا هم تلك الشرارة.. التي ستضيع بعد ذلك في اللهب العظيم الذي تكرس نفسها لأيقـاظه.. تلك النواة هي الـواجب الأول باعتقادي.. الواجب الأساسي وكل ما عدا ذلك ليس الا مسألة ثانوية في الظرف الراهن وليس هناك نضال غير مهم في عملية الثورة. ولكن بدون ادراك لأهميته والبدء به. تخبو كل الجوانب الأخرى.. بدون اللهب الأساسي الأول سوف لا ترى النضالات الأخرى طريقها بشكل صحيح في هذا الليل المظلم.. المسألة الآن هي زخة الرصاص الأولى.. الأنتصار الأول سأعمل جهدي أن التـحق في أ رض الميعاد.
أخي الحبيب في الليلة الأخيرة وقبل ان نخرج من الأرض. حكيت لك تجربة، تجارب، حكايات.. لعلك لاتزال تتذكرها بل لعل التجربة اكدتها لك او الغتها في الحالين يهمني ان اطلب اليك ان لا تنساها وفي تلك الأيام الأول التي التقينا فيها قبل اكثر من سنة، ساورة قلبي اغنية (حسن الشموس)
لون توگف دول يسحگها شعب الهور چي ضيمه چبير وگلبه شايل سلاطرن هورها وكلساع اگول تثور
اگولن مايصح گبرك ولا حطو عليه ناطور اگولن عله ساعة ويلهج الشاجور..
واليوم في قلبي اغاني اكثر هديرا ولكن لا اعرف أن أغنيها. لقوة ذلك الدوي اللاهب فيها انها تكاد ان تتفجر وانت تدري ان الانفجار أحد ارفع اشكال الغناء. ان قلبي يتفجر بالأغاني هذه اليالي. حيث تقترب لحظة الأنفجار الأولى.. حينما سيبدأ ذلك الأنفجار سيرى الثوريون الحقيقيون وجوههم الصارمة والأنسانية قي مرايا ذلك اللهب. وستأحذ الأحلام طريقها في المادة.
الساعة تقارب الواحدة بعد منتصف الليل وابو خليل يـدور في الأزار الأحمر الذي امامه ولعله يحس في قلبه رفيف علم الثورة ووجوه الفلاحين وكما وجه القصب ووجه جيفارا وهو يمد نهرأ ببلادي
سيحكي انني لابد ان اجيء
اقبلك اخي صديقي ... والى اللقاء
أخوك دائما

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى