د. محمد عباس محمد عرابي - التوازي التركيبي في القرآن الكريم للباحث عبد الله خليف

التوازي التركيبي في القرآن الكريم رسالة تقدم بها الباحث عبد الله خليف خضير عبيد الحيَّاني إلى مجلس كلية التربية في جامعة الموصل، وهي جزء من متطلبات نيل شهادة الماجستير في اللغة العربية بإشراف الأستاذ المساعد الدكتور هاني صبري علي آل يونس عام 2004م

أسباب اختيار موضوع الدراسة :
بين الباحث أسباب اختياره موضوع الدراسة حيث يذكر أنه كان نزول القرآن الكريم على محمد  بلغته الصافية وتراكيبه الباهرة مورداً لكثير من الدراسات ، وبين الباحث أيضًا أنه نظر في القرآن الكريم نظرات استنطقتْ فناءاته اللغوية والنحوية والأدبية والبلاغية ، ومنهلاً لروّاد سعوا إلى خدمة لغته المباركة وحاولوا استكناه بيان ألفاظه وتوسلوا مقاصده ومعانيه وشرحوا غريب صوره وألفاظه ، من هنا سعى الباحث نحو التوازي بوصفه واحداً من الظواهر القرآنية المبرزة ، بيد أنه في أول أمره هم جهده واستدعى دالات الفكر عندي فإذا به اكتشف أن في سعيه تردداً وفي شكه حيرةً ، لاسيما أن الموضوع فيه رسالة سابغة الفضل للأخت الكريمة ( وداد مكاوي حمود الشمري ) ولكن الباحث اهتم بنحو التوازي وتشكيل متواليات إيقاعه ، ينبغي أن يكون أمراً سابقاً في أية رسالة تُعنى بهذه الظاهرة وبعد الاطلاع على الرسالة أيقن أن ما كتب في تلك الرسالة جهد مخلص ومثابر لاشك فيه فاستقريتُ الأمر مع أالستاذ الدكتور ( هاني صبري علي آل يونس ) الذي أكد حاجة الرسالة السابقة وحاجة هذه الظاهرة المهمة إلى جهد نحوي يتابع تشكيل أنماط التوازي في القرآن الكريم إذ أنّه الجانب الأهم الذي به يظهر التوازي ويتموسق في دلالته النظمية والإيقاعية معاً لذا زاد ميل الباحث إليه وكثر إقراره بأهميته إلى أن اتسق هذا مع ما في يقين أستاذه ، زاده الله خيراً على خيره وسعةً على سعته لماذا موضوع التوازي التركيبي ؟
إن التوازي معنى جامع لعلوم لغوية وادائية شتى إذ تنسجم أساليب وسياقات نحوية مرتسمة على شكل متواليات لغوية تنظم إلى بعضها على هيئة أنماط سياقية فنية متسقة يبرزها النظم شكلاً وإيقاعاً ، و لأن هذه الأنماط لا ينتظمها في بنائها التركيبي سوى هيكل نحوي محدد يحاول أن يرتسم العلاقة بين النحو والأداء من جهة وبين النظم والممارسة الإيقاعية المتسلسلة المتوالية من جهة أخرى .
رأى الباحث أن التوازي التركيبي يشكل مدخلاً يكاد يكون حديثاً يجدد تلك العلاقة المستديمة المتحدة في تشكيلة النسق القرآني . ذلك أن التوازي منهج بحثي علمي قرآني شائع في نظمه وفي إيقاعه وهو معنى جامع يسهم في بناء وحدة النص ضمن سياق إيقاعي معين يشكل إعتداله وهبوطه وربّما تصاعده بوساطة دالات لغوية معينة تتضافر مع الإيقاع لإبراز التوازي بوصفه ظاهرة لغوية دلالية تدرس متواليات اللغة وفق مديات إيقاعية معينة هي نفسها تكون جرساً صادحاً للغة القرآن في تناسق آياته وتناسبها وانسجامها على هذا النحو الخاص .
مكونات البحث :
قسم الباحث فصوله على ثلاثة فصول ، سبقها تمهيد ، وأتممها بخاتمة .
التمهيد :
فتضمن مدخلاً نظرياً للتوازي ومفهومه في اللغة والاصطلاح ، كما عني الباحث بتأصيل مفهوم التوازي لدى القدماء العرب ، وتطور هذا المفهوم لدى المحدثين ، ومن ثم تحديد مصطلح التوازي التركيبي ، إذ قسم الباحث الدراسة التوازي التركيبي على نوعين تمثل الأول في توازي البنى المتشابهة .
وجاء الثاني في توازي البنى المتغايرة ، كما ذكر الباحث دالات على وفقها يظهر وينتظم التوازي التركيبي .
الفصل الأول:
تناول تطبيقات وتحليلات توازي الجملة الاسمية ومقيداتها موزعاً على مبحثين كان توازي الجملة الاسمية من نصيب المبحث الأول ، وتناول المبحث الثاني توازي مقيدات الجملة الاسمية .
الفصل الثاني:
فتناول توازي الجملة الفعلية ومقيداتها موزعاً على مبحثين أيضاً كان الحديث عن توازي الجملة الفعلية من نصيب المبحث الأول ، وتناول المبحث الثاني توازي مقيدات الجملة الفعلية .
الفصل الثالث:
فقد تضمن توازي الضمائم الإفصاحية وهي أساليب يراد بها التعبير عن كوامن النفس بتقانات واداءات أسلوبية متميزة ، ويقر الباحث بأنه أهمل بعض الضمائم التي وردت في بنى الفصلين السابقين ، نحو أسلوب النفي الذي ذكر بعض أدواته في مقيدات الجملة الاسمية وذكر البعض الأخر في مقيدات الجملة الفعلية ، ومثل ذلك أسلوب التمني وأسلوب الترجي وأسلوب النهي وغيرها من الأساليب .
ووقف البحث في الخاتمة على أهم النتائج التي توصل إليها الباحث ، ومن ثم انهينا دراستنا بقائمة ضمت أهم المصادر والمراجع التي استعان بها الباحث .
واقتضت طبيعة المادة التي أن لا يكون البحث إحصائياً ، إذ أن الموضوع تتشاكل جوانبه وتتداخل تداخلاً واضحاً ، فحاول الباحث جاهدا أن يقلل من حدة التداخل المشكل القائم بين فقراته ، بأن لجأ إلى الأقرب في اتساق دلالة البنية على المتوالية المحددة لتشكيلة التوازي التركيبي ، واكتفى البحث النحوي أن يكشف عن دلالة التركيب وبيان المحاور الرئيسة فيه مع مراعاة تناسق المسائل النحوية واللغوية لأنّ التوازي التركيبي يقوم على الموازنة بين المتواليات المتوازية لإظهار ما فيها من مواطن حسن وجمال وصولاً إلى الانسجام والترابط والوحدة بين المتواليات .
نتائج البحث :
توصل الباحث لعدة نتائج ذكر نصها على النحو التالي :
(1) ـ عرف القدماء العرب التوازي ولكن مفهومه كان متداخلاً مع مفاهيم أخرى كالمساواة والمماثلة والتساوي ، والتعادل ، وجعله قسم من القدماء نوعاً من أنواع السجع فضلاً عن ذلك استعمله بعضهم بمعناه اللغوي وهو ( المواجهة والمقابلة ) .
(2) ـ تطور مفهوم التوازي لدى المحدثين واتسع لتكون القافية والسجع جزءاً منه ، وشمل مستويات عدة منها الصوتي والنحوي والبلاغي والمعجمي ، واتخذه بعضهم طريقةً لتحليل النصوص .
(3) ـ قسمت الدراسة التوازي التركيبي على نوعين :
الأول : توازي البنى المتشابهة ، ويتم فيه التوازي وفق الصورة النحوية نفسها .ويتسم بوجود التماثل بين متوالياته وتعادلها .
الثاني : توازي البنى المتغايرة ، ويقوم هذا النوع على تغاير بين المتواليات المتوازية ، ولكن هذا التغاير يسمح بوجود علاقات ترابط بين المتواليات .
(4) ـ أظهرت الدراسة أنه يمكن أن يجتمع في النص الواحد اكثر من نوع للتوازي فقد ينظر إلى النص من جوانب كثيرة ، إذ يمكن أن يضم توازي البنى المتشابهة توازيات داخلية تنتمي إلى توازي البنى المتغايرة ، كما يمكن أن يضم توازي البنى المتغايرة توازيات داخلية تنتمي إلى توازي البنى المتشابهة . فالتغاير والتماثل يحددان طبيعة وتأثير التوازي في النص
(5) ـ اتسم التوازي التركيبي بوجود التماثل بين المتواليات إلا أن هذا التماثل يكون غير تام وقد يكون هذا التماثل محصوراً في الوظيفة النحوية لمتوالياته ، وربما كان التماثل في المعنى الذي تؤديه متواليته .
(6) ـ وضّح التوازي التركيبي ما تحمله الأشكال النحوية من دلالة ، وبيّن علاقة هذه الأشكال النحوية ببعضها ، وتأثيرها على البنية الإيقاعية للنص القرآني .
(7) ـ اظهرت الدراسة انه يمكن عد التوازي منهجاً لتحليل النصوص ويمكن الاعتماد على اتجاهات عدة في اختيار المتواليات وتحليلها تحليلاً نحوياً وهذه الاتجاهات :
( أ ) ـ الاتجاه الأول : هو التحليل إلى المؤلفات المباشرة وتدخل في نظرية العامل واركانها من عامل ومعمول ورتب وتقسيمات جملية واستبدالات مختلفة ، وهي ما وجدناه ماثلاً في الفصلين الأول والثاني إذ وقع التوازي التركيبي في الجملة الاسمية ومقيداتها ووقع في الجملة الفعلية ومقيداتها ، وكان القاسم المشترك الذي يجمع كل مبحث هو العمل النحوي .
( ب ) ـ الاتجاه الثاني : المعنى النحوي بدلالة القرائن أو ما اصطلح على تسميته بقرائن التعليق ، ويمكن ان تكون هذه القرائن المقامية والمقالية أساس التماثل في التوازي التركيبي وهو ما وجدناه في الفصل الثالث ـ الضمائم الافصاحية ـ فكان أساس التماثل والتداخل للبنى المتوازية هو المعنى النحوي .
( ج ) ـ الاتجاه الثالث : الوظيفة الافهامية ويمكن عدّها أساساً للتماثل في توازي البنى المتغايرة حيث تتماثل بعض الضمائم الافصاحية في الوظيفة الافهامية التي تؤديها لدى المتلقي وهذا ما وجدناه ماثلاً في التوازي الحاصل بين اسلوبي النداء والأمر مع تغايرهما في البناء النحوي وفي المعنى النحوي فلكل أسلوب معناه الخاص إلا أن التوازي قد حصل فيهما نتيجةً للوظيفة الافهامية التي يؤديانها .
(8) ـ للتوازي النحوي دالات رئيسة ومركزية يكون البعض منها دالات لغوية وأخرى نحوية وربما كانت بلاغية وقد تتداخل هذه الدالات بنيوياً لتشكل ملامح بارزة تدل على معنى التوازي .وهذه الدالات على ثلاثة أنواع هي: دالة الترادف ، ودالة التضاد ، ودالة التأليف (التركيب).
(9) ـ للتوازي النحوي إيقاع خاص تظهره مجموعة من التشكيلات الاسلوبية ، هذه التشكيلات تتضافر بنية ونحواً من اجل إكساب المركب القرآني إيقاعاً خاصاً يختلف عن أي إيقاع اخر .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى