طيبة فاهم ابراهيم - دعوها... ستنام طويلا

في عالم الرياضة كما في الحياة، تلتقي بما يخطر ولا يخطر على بالك.
الطيب والخبيث، الوفي والجاحد، الحقود والمحب، الصادق والكاذب.. ولعل اكثر صفة اكرهها هي الغرور والصلف والتكبر.
الغرور وجدته جليا عند بعض المصارعات، بينما وجدت في الباقيات الجمال والطيب والرقة والاخلاص.
وللحق، فلم اجد مغرورة الا َوكانت الصلافة مصاحبة لها، تظن ان ليس على الارض اقوى منها واكثر مهارة واعظم براعة.
كانت عالية واحدة ممن
لا تجد في الكون مثيلة لها، حباها الله مسحة من جمال ووهبها شيئا من الاناقة وعشقا للصرعات العالمية في الموديلات والعطور، لكنها وفي نفس الحين، كانت تتشدق ببطولاتها ليل نهار، وكيف ان المصارعة حنان انهارت أمام قوتها بسرعة الريح، وكيف وضعت بطلة بمستوى اريج تحت رحمتها دون ان ترحمها، وهكذا دواليك.
كان ما يثير جنونها وجودي انا بين الكبيرات، انا ابنة العشرين ربيعا، حين كنت اصرع بنات النادي تباعا دون ان اخسر ولو للحظه اَو اكون تحت ضغط مسكة.
كانت دوما تصرخ وكأنها توجه كلامها لي : انا بطلة بغداد، انا بطلة كرخ بغداد ورصافتها، صرعت بطلات البصرة وديالى في محافظاتهن وعقر ديارهن، انهيت اسطورة المصارعه گلاويش وسط جمهورها..
كانت تارة تتكلم بعصبية ظاهرة، وتارة اخرى بضحك هستيري مجنون، كنت اقابله ببسمة فاترة واحيد عنها لاتابع تماريني.
جن جنونها ذات صباح، لا اعلم ما الذي اصابها، كنت جالسة اتامل لوحدي، واذا بها تقف قبالتي وهي تتكلم بحدة :
حين تقف امامك بطلة العراق فانهضي وتكلمي باحترام
- اي نعم يمكن ان انهض احتراما متى ما كنت محترمة في كلامك واسلوبك.
-سأظل البطلة يا صغيرتي.
- لقد مللت كلامك واسلوبك وعجرفتك، انا بطلة العراق والعرب وافريقيا في المصارعة والملاكمة، لكني اؤمن ان الفيصل هو الحلبة فحسب.
- لكن امك لن تستطيع حملك للدار وانت فاقدة للوعي امامي.
لا اعلم ما حل بي حين سمعت منها كلمة عن امي، صحيح انها لم تنلها بسوء، لكن امي وللحق خط احمر، لا احب ان تذكرها اي من صويحباتي الا بالاحترام والتبجيل، لا انحني الا لها، ولا اقبل سوى يديها، اشتعل الغضب عندي، احضرت قبضتي الشمال ودون ان انهض، وجهت لها لكمة على فكها القيتها بعيدا وهي مغمى عليها تماما دون حراك، كان مدربي يصف قبضتي اليسار بالصاعقة الماحقة، وعبثا حاولت المصارعات ايقاظها لكن دون جدوى، فالتفت في النهاية وقلت لهن : دعوها، ستنام طويلا وتصحو على حقيقتها...
حين عدت لداري وارتميت باحضان شقيقتي الكبرى التي اعدها شطر قلبي، ابديت لها رغبتي بترك الرياضة التي تحفل بعالية وامثالها، غير ان شقيقتي قالت لي بكل حنو وهي تمسح على شعري :
لو ان جميع الموهوبات فكرن مثلك لما كان لدينا انجاز واحد ما حيينا.
حين حل يوم نزالي معها، نوديت فارتقيت الحلبة، وعبثا حاولوا المناداة عليها دون جدوى، عندئذ اعلن عن فوزي لغياب الخصمة، والاصح لهروب عالية..
كنت اتجول بعدها في المول القريب، واذا بنا نكون معا في القسم النسوي منه، لا اذكر كيف اصفر لون وجهها، واحمرّ كذلك، وحاولت مغادرة الحجرة فامسكت بها من ذراعها برفق وقلت لها : لم اكن بحاجة لترفعني امي وانا مغمى علي، من كانت بحاجة للامر هي غيري، لكني لا احب ان اذكر الامهات بسوء، يكفي انك لم تطيقي ضربة واحدة مني، وهذا ليس بالعيب، بل العيب ان اظل استخف بك امام الباقيات وانت منكسرة وهو ما لن افعل، لان ذلك ما ربتني عليه امي، يا عالية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى