طيبة فاهم ابراهيم - شهرزاد.. المصارعة الرقيقة

حين قدمتها لنا المشرفة على انها مصارعة جديدة تتمرن معنا، ظنتها مجرد هاوية تحب ان تتمرن مع جمع من البنات أسوة بأية واحدة منا تجد راحتها مع بنات جنسها فحسب.
فشهرزاد كانت بجسدها الطويل وسحنة وجهها اقرب الى عارضة ازياء منها الى لاعبة مصارعة، لا سيما واني عقب ست سنوات على البساط التقيت بالعشرات من المصارعات وبت اعرف المصارعة الحقيقية، من التي ترغب فقط في التنفيه عن النفس التعارف والاختلاط مع صديقات جدد.
لا اعلم كيف تبادلنا المحبة بسرعة وارتحنا لبعضنا، لربما لاني وجدت فيها صفاتي ومرآة نفسي وتوافقا بين روحينا، وقد ترسخت الصداقة يوم اختارتنا المشرفة الطيبة للسفر معها الى احدى المحافظات للاتفاق على المشاركة في بطولة نسوية في المصارعة، وكيف كان مبيتنا معا في احدى حجرات الفندق الفخم.
كانت شهرزاد رقيقة وبشكل عجيب، حنون بشكل مدهش، تكاد تبكيها أي من قصص الظلم التي ما اجتمعت فتيات الا وكان هو سيد الحديث.
حاولت تلطيف الجو فقلت لها :
شهرزاد، انت لا تصلحين لالف ليله ولا لليله..
ضحكت وسألتني : لماذا؟
فاجبتها ؛ لان شهريار سيقطع رأسك حال سردك قصة حزينة وبكاءك بين يديه!!
ضحكنا معا طويلا، ثم قلت لها :
لدي سوال اخجل ان اطرحه عليك..
استغربت من كلامي وقالت : كيف يكون بين الصديقات حدود وخجل، سلي فنحن لوحدنا هنا.
تشجعت وسألتها إن كانت مصارعه حقيقية او مجرد هاوية.
فأجابتني : يمكنك سؤال بطلات مصر وتونس، ثم ضحكت ونامت ببراءة تامة.
لم افهم ما تقصد، ولم ادرك معنى مصارعتها بطلات مصر والعرب ، ولم اتخيلها تصارع احدا، فآثرت الخلود للنوم بعد ان غرقت بمنامها.
حين عدنا، جمعتنا المدربة وقالت : ستكون هنالك تصفيات للعبه، وانا ارى القمم في طيبة وشهرزاد، وهنالك ثلاث مصارعات يقارعن طيبة، وثلاث يقارعن شهرزاد، وكلهن بنفس وزن البطلتين، فمن فازت ستكون مرشحة محلهن .
كان نزالي الاول مع ألهام التي ثبتها ببساطة، ثم مع سمر التي فزت عليها باستسلامها الفوري بعد ان كادت يغمى عليها بتقويس الظهر ، والبطلة رويدا التي الصقت كتفيها بالارض دون حراك بعد دقيقتين، وبذا ضمنت ترشيحي للبطولة.
كانت الانظار كلها متجهة صوب شهرزاد، لم ترها احدانا وهي تصارع، ولم تك تعشق سوى الجري والتمارين السويدية.
كان نزالها الاول مع أفنان التي اذهلنا إستسلامها منذ اول دقيقة وهي تصارع شهرزاد، حيث رفعت يدها معلنة استسلامها من تحت جسد شهرزاد المهيمنة.
ثم كان نزالها الثاني ضد السيدة صفية، التي نعدها الخبيرة، وانتهى النزال بعدم التكافؤ بين شهرزاد وخصمتها حين سحقنها شهرزاد بفارق ثمان نقاط خلال دقيقتين دون ان تقدم اي شيء أمام البطلة الجميلة ...
ثم كان النزال الثالث ضد عبير التي قاومت بعض الشيء في البداية، لكنها لم تستطع الاستمرار لجولة ثانية وصرخت : كفى، لم اعد احتمل!!
لعلها كانت المرة الأولى التي رغبت فيها بدعوة صديقة لمصارعتي، لا سيما وانا لا ارغب عادة بمصارعة صديقة احبها بشدة، لكنها نفسية من تعشق الصراع ومن تمتلك قلبا لا يعرف الخوف مثلي.
لم اعلم كيف افاتحها بموضوع النزال، فنحن مرشحتان عن العاصمة، يمكن ان نتدرب معا، نودي معا تماريننا حتى نهاية اليوم، لكن من الصعب ان اطلب منها النزال، اذ كيف سأصارع من اعدها مرآة لروحي؟
حين ابديت لها رغبتي بمصارعتها وبعد تردد، رحبت بالامر، وحين اتفقت معها على ان نتصارع وسط التدريب وباقي البنات اعترضت وقالت لي : نتصارع في القاعة يوم الجمعة لوحدنا ، ليكن مقياسا لقوتنا معا، لا احب الضجيج من حولنا ونحن فريق واحد، انا وانت.
وقفت قبالتها، وتماسكت معها، وبدت لي مثل جبل لا يمكن تحريكه، كانت ثابتة مسيطرة في قسميها العلوي والاسفل، وكنا شبه متكافئتين.
تبادلنا المسكات وكانت كل منا تحمل صاحبتها وتلقيها ارضا، ادركت اني لا اواجه انسانة عادية، وان من استسلمن أمامها وكدن ان يبكين من قوتها كان لهن الحق بذلك، فشهرزاد قوية بشكل لا يمكن تصديقه، قوية بشكل لا يطاق، ورغم قوتها المهولة هذه، الا انها لم تستطع ان تتم مسكة اَو تقلبني لتحصل على نقطة، فيما بدا الامل بقدرتها علي تثبيتي بعيدا، فقد شحذت كل همتي لمقاومتها وعدم منحها اية فرصة للفوز..
فهي ورغم جبروتها لم تتمكن مني، وكنت اعمل وفق خطة وهي تبديد طاقتها تماما وامتصاص قوتها، ومن ثم اخضاعها بالتثبيت او التسليم، حيث كنت اطبق عليها مسكة المشنقة، تطويق الراس باليدين، وقدميها بقدمي. وكانت تتخلص من المسكة بصعوبة وبصبر عجيب على تحمل الالم.
مرت دقائق ثقال شعرت فيها ان جسدي بدأت تخور قواه، وانها هي الاخرى تلهث بشده واهنة متعرقة، تذكرت قول امي : لا تركني لليأس، فلربما كانت القمة على بعد اصبع عنك وانت تفكرين بالهبوط ..
وهنا استجمعت قواي وطوقتها من الخلف ثم قلبتها مرة فمرتين وبقيت نائمة فوقها احاول ان اقلبها ثالثة، فتأففت وقالت :
كفى طيوب.. قد فزت انت بالنقاط، ثمان نقاط تكفي لفوزك ولم اعد احتمل، فقد خارت قواي تماما...
سقطت عن جسدها الي الارض، وكنت بلا حول ولا قوة ملقاة الى جانبها، وحاولت يدي الامساك بيدها لننهض فعجزت عن ذلك لفرط تعبي، فبقينا على ذي الحال لدقائق حتى عادت الينا شيء من قوتنا، واستندنا الى الجدار.
هنا، قالت لي شهرزاد : نلت بطولة افريقيا قبل عامين، وانا عراقية لكنني احمل الجنسية المصرية، فلعبت دوما لصالح مصر ، لكني لم اتخيل وجود مصارعة عراقية تخضعني للاستسلام ابدا.
لا اعرف كيف اصف الشعور الذي انتابني وانا اتغلب على مصارعة قهرت نسوة افريقيا كلهن ، لكن شعورا بالمحبة زاد عن ذلك، فعانقتها بكل محبة ومودة، وتضاعف حبي لها.
في اليوم التالي، زارتني لداري، مودعة لا ضيفة، حيث ستضطر للسفر كي تتمم دراستها العليا في الحاسوب، ولعلها المرة الأولى التي اعانق فيها صديقة وانا باكية، فهمست بأذني : ستكونين انت مصارعة المستقبل، اما انا فلن افوت فرصة لصناعة مستقبلي، وآمل ان تكوني دوما افضل مني صراعا وشهادات عالية.

تعليقات

أجدني مشدودا بشدة لسرود الايقونة والبطلة الأولمبية العراقية طيبة فاهم . ولاسلوبها الاسر الذي تصف من خلاله صولاتها البطولية وهي تجابه اعتى.. واشرس لبؤات المصارعة النسوية.. واعجب اكثر بالروح الرياضية ومقدار التسامح والحب والتقدير المنقطع النظير الذي تكنه لغريماتها المصارعات.. سلوك انساني واثق. وسرد لا يخلو من عناصر التشويق والدعابة السوداء التي تحشرها بفنية بين التفاصيل
 
أعلى