أمل الكردفاني- المصير المجهول- قصة قصيرة

ركن دراجته تحت جدار المتحف الطبيعي، ومسح على بدلته بكفيه ثم عقدهما خلف ظهره. بعدها سار مطأطأ الرأس حتى بلغ البوابة الغربية فاستند قليلاً على الباب واجتر شهيقاً مُرهَقاً. مسح شعره بيده ودخل إلى القاعة الرئيسية. كان وجهه متجهماً كئيباً. مع ذلك فقد صفق جمهور الجالسين لحظة دخوله، ونهض البعض ثم جلس محرجاً حينما لم ينهض الباقون. في المنصة كان يجلس رجل نحيل يرتدي ربطة عنق على شكل فيونكة مضحكة. كان اسود البشرة ولديه طقم اسنان صناعي، بدا ذلك واضحاً من البصاق الذي يخرج أثناء حديثه للجمهور:
- المحتفى به السيد آدم دَكُو.. في مواعيده بالضبط.. كما هو معتاد منه.. إن الجوائز العالمية لا تمنح إلا للأذكياء المنضبطين كالعساكر.. المحتفى به آدم دكو مرحباً بك.. ونتشرف بمنحك وشاح البطل القومي لنيلك جوائز عالمية في شعر ما بعد الإنفراطية..
في ختام الحفل لفوا حوله قطعة قماش والتي خلعها ورماها بغير اكتراث عندما وصل إلى منزله المكون من غرفة وصالة صغيرة بها جهاز استريو قديم، ومجموعة من الكتب، وهناك حمَّام صغير ومطبخ أمريكي مجتزأ من الصالة.
مدد جسده على السرير دون أن يخلع ملابسه أو حذاءه ثم أغمض عينيه. ودار في رأسه مشهد لوجه امرأة.. فنهض بتثاقل وابتلع قرصاً نزعه من حامله البلاستيكي بعد أن التقطه من فوق ثلاجة قصيرة التصقت ببابها مجسمات بلاستيكية لأشكال مختلفة. امرأة عارية وبرج إيفل وميكي ماوس وتفاهات أخرى من هذا النوع. عاد بعدها إلى سريره وتمدد عليه.. دارت عيناه حول مجريهما ونام.
كان وجهها مشعاً وكانت تضحك ببراءة. سمع قهقهاتها كالعادة داخل حلمه المتكرر منذ عشرين عاماُ..
قفزت فأرة رمادية من بين الكتب المشتتة على الأرض ثم دخلت إلى بنطاله وبدأت تقرض لحمه ببطء.. فصفعها براحه كفه الناعمة دون أن يستيقظ، بل ابتلع ريقه وعيناه مغمضتان. أما الفأرة فقد سال دمها من داخل البنطال على فخذه ثم بلل القماش الأحمر فبدا كبقعة ظل داكنة.
رأى دراجته تطير في السماء، دراجته التي ورثها عن جده، تلك السوداء المزركشة بكتابات ذهبية غريبة الأحرف والأرقام. ومن طرفي مقودها تتدلى شرائط بلاستيكية ملونة، وكانت هناك زهرة في الوسط عند التقاء ذراعي المقود. كان هنالك ايضا بوق ذهبي ببالونة مطاطية سوداء. "بيب بيب".. يضغطها ويرى حبيبته القديمة تضحك مقهقهة ببراءة فيضغط على الكرة المطاطية مرة ومرتين ويضحك هو بدوره.
نام دون أن يشغل التكييف، ولذلك ارتجف منخراه قليلاً حين التقطت شعيراتهما الداخلية رائحة تحلل جثة الفأر من تحت البنطال..فتح عينيه وسال منهما دمع ثقيل كالزيت فمسح عليهما بأصابع كفيه ثم صاح متألماً وقد احتك خاتم أصبعه بعدسة عينه اليسرى، فقفز من سريره واتجه للحمام، ثم رش الماء من الصنبور على وجههه وفمه مفتوح كفم سمكة عالقة في الشص. بعد أن مسح وجهه بالمنشفة؛ تأمل وجهه قليلاً في المرآة ثم غادر الحمَّام بملامح باردة.
ارتدى مريلته الزرقاء وقاد دراجته في شارع رئيسي ترابي، ثم انعطف داخل زقاق لتلج دراجته مباشرة داخل مقطورة شاحنة صغيرة. نزل شاب وأغلق الباب الخلفي للشاحنة وعم الظلام المقطورة في الداخل إلا من حلقات ضوء تعبر من بين ثقوب أعلى جانبي السقف. بقى هو صامتاً ينظر من بين تلك الثقوب الحلقية. كانت عينه اليسرى محمرة قليلاً وكانت تدمع بين فيمة وأخرى فيمسحها بكمه الأزرق ثم يلتقط استنشاقة عجلى ويستقر نظره بين الثقوب. "سأعرف يوماً أين هو المكان". يقول بلا صوت وترتج الشاحنة الصغيرة فيدرك أن لحظة هبوطه قد بدأت.
انفتح باب حديدي اتوماتيكياً بصوت أجش، وحين دخل بخطوات محسوبة هبطت من فوق راسه حلقة ضوء خضراء حلزونية ثم اختفت تحت قدميه وسمع الصوت الرقيق: "مصرح له بالدخول". لقد طلب منهم تسجيل صوت حبيبته بتقنية التزييف العميق فاستجابوا له بدون قيد أو شرط. وحين سمع الصوت أخرج من جيبه جراباً مطاطياً حشر فيه رأسه.
- أحتاج لجرابات جديدة..
قال ذلك وخطا داخل المكتب بوقار.
كان المكتب بكرسي واحد وأمامه درج فضي، خرجت منه ورقة صغيرة تلقى منها التعليمات، وانفتح باب غرفة التعذيب.
الضحية اليوم، رجل في الثانية والستين من عمره. ليس عليه أن يعترف بشيء، بل يفقد عقله فقط. كانت تلك مهمة سهلة هذا اليوم.
كان الرجل مكوماً في ركن الزنزانة وهو عار وجسده غير المتناسق يظهر كرشاً بها خيط من الشعر يمتد حتى عانته المختفية بين فخذين رقيقين. نظر إلى الرجل.. وبدأت اللعبة..
كانت مصابيح الشارع تنعكس فوق قبعته ودراجته، وكان يتذكر كيف كان أحدهم شاباً قوي البنية؛ حوَّله خلال ساعات إلى امرأة مغلوبة على أمرها.. انتهى منه وأمره بغسل لباسه الداخلي الملطخ بالدماء والمني قبل أن يسلخ فروة رأسه وهو حي، أما اليوم فكان على الخمسيني أن يخرج إلى الوجود حياً..حياً ميتاً..
وعندما تلقى الجائزة الأخيرة في حفل عالمي، رأى تلك المرأة التي عذبها حتى الموت وهي تصفق له بمرح. كانت تبتسم من بين الجمهور وكانت ابتسامتها واسعة تماماً كما كان حالها حين لفظت أنفاسها بفك مكسور وبلا سن واحدة. لذلك ضحك باستغراب وصفق بدوره وهو يحدق فيها. لم يرَ سواها من بين جمهور المصفقين، ولم يسمع سوى صوت تصفيقها هي. واقتادها بعد نهاية الحفل حيث مارسا الحب حتى الصباح قبل أن يغادر إلى طائرته وتغادر هي إلى مسقط رأسها.
- كنتَ رائعاً بالأمس..
مسح شعرها وطبع قبلة باردة على جبهتها ثم نهض وهو يقول:
- سأتصل بك حينما أصل..
قالت:
- لن تكون أفريقياً إن فعلت..
ضحك بجزل.. وغادر..
خرجت الورقة من داخل الدرج الفضي.. صبي في السابعة عشر.. مهمة سهلة.. يمتد أثر تعذيب من هم في هذه السن الصغيرة حتى موتهم والذي يكون قريباً وبسبب الانتحار.. ثلاثة أسابيع على أقصى حد وسيسقط منتحراً من أعلى برج شاهق.. لن يتحمل.. هزَّ رأسه بأسف.. وقال: مؤسف. امتص شراب البرتقال بالشاليمو، وهي تجلس أمامه مبتسمة:
- الإنسان لا يتألم من جسده بل من دماغه فقط.. يمكننا أن نتكيف مع الألم الجسدي بسهولة ولكن ليس مع الخيالات المؤلمة والجنونية للعقل.
عقدت حاجبيها فأضاف:
- لن يؤثر إدخال طبيب الولادة يده في مهبلك ليخرج طفلاً.. لكن نفس هذه اليد لو كانت لمتحرش فسوف تتألمين نفسياً.. أليس كذلك؟..
قالت بتقزز:
- صحيح..
- إن دخول اليد لم يكن مسألة مهمة ولكن الخيال هو الذي حول دخولها لتعذيب..
قالت:
- أنت تخيفني..أفضل أن تحدثني عن قصائدك.. ما هو شعر ما بعد الانفراطية..
ابتسم وقال:
- دعيني أؤلمك بهزيمة كاسحة في البولينج.
ضحكت بمرح ونهضت وهي تقول:
- هيا بنا يا خاسر..
دارا حول حوض السباحة ودخلا عبر ممر ضيق معبق برائحة عطر زهرية خفيفة إلى صالة البولينج الواسعة.. كان الفتيان يتعمدون الخسارة كالمعتاد أمام فتياتهم. وقد فعل هو نفس الشيء. كان يفضل أن يراقبها ويتأمل جسدها.. ذلك الجسد الذي سحقه قبل سنوات بالمطارق الفولاذية وخلع مفاصله وأظافره وأسنانه بلا بنج مخدر.. كيف عاد إلى الحياة مرة أخرى؟.."متأكد أنها ماتت.. متأكد أنني فصلت راسها عن جسدها بالسكين وقطعت أطرافها بعد ذلك حتى لا أطيل عذابها.. فكيف عادت إلى الحياة؟"..
في الخارج، لفت ذراعها اليسرى حول خصره وهمست تتأمل السماء:
- هناك رذاذ رومانسي.. دعنا نسير..
قال:
- اعتدت على ركوب الدراجة..
قالت ضاحكة:
- هل أنت جاد؟!
هز رأسه:
- دراجة ورثتها من جدي.. لو رأيتِ أشرطتها الملونة حين يحركها الهواء.. رائعة حقاً..
برقت عيناه فقالت بحنان دافق بدا في عينيها:
- لذلك أنت شاعر عظيم..
سارا وهو يحيط عنقها بذراعه. كانت شوارع المدينة نصف باردة، وهناك رذاذ خفيف يمرق من بين أشباح الغمام العالق في أعالي السماء.
قالت برومانسية:
- ما الشعر العظيم؟
أجابها بشرود:
- ذلك الذي يعذب الآخرين..
حشرت رأسها في صدره بقوة وقالت:
- كم أحبك..
ارتقيا الدرج ودخلا إلى شقتها المظلمة، وحينما أضاءت المصابيح تلقى رأسه ضربة مؤلمة سقط على إثرها وصرخت المرأة بخوف.
صاح لص ملثم وهو يلوح بعصا:
- أغلق الباب يا أحمق..
خرج لص آخر وأغلق الباب:
- سنقتلكما بلا رحمة إن بدت منكما أي حركة أو صوت..
خرج إثنان آخران، وكانوا جميعهم يشعرون بالرعب.
تقدم زعيمهم من الشاعر وصفعه:
- ماذا تفعل مع هذه العاهرة..
كان صوت اللص الشاب يرتعش حين ضحك بسرعة، ثم قال:
- ماذا تنتظرون.. اجمعوا الذهب والمال ولنخرج من هنا..
ثم جثا وقبض على ياقة آدم:
- إياك وأن تفكر في القيام بأي بطولة حمقاء..
صاحت:
- لا تؤذه.. إنه الشاعر العظيم آدم دكو..
ضحك اللص ضحكة ساخرة قصيرة:
- شاعر.. لهذا يرتجف كالأرنبة المبتلة..
وحين غادر اللصوص، توكأ آدم على المرأة بيمينه وهو يحبس الدماء في مؤخرة جمجمته بيسراه.
- هل أنت بخير يا حبيبي؟.
قال:
- هل سرقوا أشياء ثمينة؟
قالت:
- ليس كثيراً.. لا تهتم بذلك وتمدد إلى حين حضور عربة الإسعاف..
لكنه هز راسه وقال:
- ليس الأمر خطيراً.. أنا معتاد على ذلك..
قالت بإصرار:
- لا تكذب أيها الشاعر الرقيق..
نظر من النافذة التي قفز منها اللصوص وتأمل الأرض التي تبعد عنهم مسافة طابق واحد.
- اغلقي النوافذ جيداً.. سأعود إلى شقتي الآن..
وفي شقته أخذ يخيط جرح جمجمته بعشرة غرز، وهو يضبط خياطته بانعكاس صورة جمجمته الخلفية على مرآة الحمام وانعكاس هذه الاخيرة على زجاج الباب الرطب بحبيبات الماء.
- لقد خدمتني كثيراً أيتها المرآة..
ثم التفت إلى زجاج الباب وقال:
- وانت كذلك يا زجاج الباب.
بعدها وضع المعقم على الضمادات وألصقها بالغُرز.
وفي المنام، حلقت دراجته في السماء كعادتها. ورفرفت الأشرطة الملونة فابتهج قلبه.
"ما هو شِعر ما بعد الانفراطية؟"
لم يجب أبداً على هذا السؤال. أخذ يفكر وهو ينزع أضراس المستهدف، ثم سها وهو يتخيل الإجابة. غير أن المستهدف نطحه براسه فانزاح القناع المطاطي عن وجهه حينها صاح المستهدف:
- يا إلهي.. من؟ مستحيل..الشاعر؟!!
جر آدم القناع وأسدله مغطيا باقي وجهه وقال:
- كان من المفترض أن أعذبك تعذيباً خفيفاً.. أما وقد عرفتني.. فقد جنيت على نفسك..
قال الشاب وفمه الخالي من الأسنان ممتلئ بالدماء:
- ولكنك لم تعرفني بعد..
حز رقبة الشاب بالسكين ثم مسح رشق الدماء من وجهه بكم يده التي تحمل السكين وقال:
- لم يعد ذلك مهماً الآن..
وتحت الدش البارد غسل الدماء من شعره ثم لف المنشفة حول جزئه السفلي وخرج من الحمام..
سيخضع غدا للجنة تحقيق سرية..، لم يكن مكترثاً للنتائج بل كان يرغب في معرفة أشكال مخدوميه وموقع المكان الذي يخضع فيه ضحاياه للتعذيب.. غير أن رغباته تبددت حينما كانت اللجنة مكونة من هياكل أشباح اعلى قاعة دامسة الظلام.
" لقد خالفت التعليمات"
- لقد اكتشف شخصيتي..
"إذا فأنت تعترف بإهمالك وتقصيرك"
- بلى..
"الشاب ابن زعيم المعارضة.. أنت لا تعرف ما ستجره علينا فعلتك هذي"
- أنت تعلم يا سيدي أن خروجه حياً بعد أن اكتشف شخصيتي كان ليكون أشد خطورة من موته..
"ليس عليك أن تقرر في مسائل ليست من اختصاصك"
- أقصد خطورته عليَّ أنا وليس على نظامكم السياسي..
"إنك لست مهماً كما تعتقد.. هل أنت مهم؟"
- بالنسبة لنفسي فلا شك أنني مهم..
"إنك تتحذلق"
- لا يا سيدي.. إنني حتى لست مهتماً بإقناعكم.. إنني أتحدث فقط.. لأن رغبتي تدفعني للتحدث..
"هذا صحيح.. اقناعنا ما كان ليغير من الحكم شيئاً"
- العقوبة؟
" الموت.. رغم أننا كنا لنحتاجك كثيراً في المستقبل.. لكنك تعرف قواعدنا الصارمة حينما تحدث مخالفة جسيمة كما حدث منك".
- وكيفية الموت؟
"سيتم قتلك بشكل مفاجئ حتى يبدو الأمر حادثاً عرضياً"
- حسن..
- هل تعمدت الخسارة؟
قالت ذلك حين تدحرجت كرة البولينج خارج المضمار.. فضحك وقال:
- لا.. لم أتعمد ذلك.. إنني لا أجيد البولينج.. هذا كل مافي الأمر..
التقطت اصابعه بأصابعها وهما يغادران الصالة.
- يجب أن أخبرك بأمر هام يا روز..
لفهما الصمت إلا من صوت قرقعة كعبها العالي على الأسفلت.
- سأهاجر..
- لماذا؟
- لا أستطيع أن أخبرك.. ولكنني حين أستقر سأتصل بك..
- لماذا لا تستطيع إخباري؟
- لا أستطيع إخبارك بسبب عدم قدرتي على إخبارك..
توقفت عن السير وأحاطت خصره بذراعيها ثم رفعت وجهها نحو وجهه:
- هل أنت خائف من شيء ما؟..
هز رأسه وقال نافياً:
- لا.. رغم إنني لست خائفاً مع ذلك فإنني أشعر بضرورة الهجرة..
ترقرقت عيناها بالدموع وهمست:
- وأنا.. ألم تفكر فيَّ..
دفعها برفق ليستمرا في المسير:
- بالطبع.. كما قلت لك.. سأتصل بك بمجرد أن أستقر..
توقفت قربهما سيارة وهبط منها خمسة شبان، كان أحدهم يشهر سكيناً..
في الطابق الثالث أو الرابع كان هناك حفل صاخب، تغطي ضوضاؤه على صوت اللصوص الشبان أسفل البناية. دفع أدم المرأة إلى الخلف. وقال:
- كان يجب أن يبدو حادثاً عرضياً..
صاح الشاب:
- ألا يبدو كذلك حقاً؟..
قال آدم:
- لم يكن هناك حفل صاخب قبل أن تتوقف سيارتكم.. إن خطتكم تافهة..
وبسرعة أدار آدم رسغ الشاب فانغرست السكين في عين الأخير وسقط وهو يصرخ.. تراجع الشبان الأربعة قليلاً ثم أجمعوا شجاعتهم وتقدموا من آدم الذي كان يحمي المرأة بذراعه..
- كان يجب أن تحملوا أسلحة نارية لتتمكنوا من قتلي بسرعة..
ضحك أحدهم وقال:
- لا بد من معركة ليبدو الحادث عرضياً..
- حادث سيارة كان ليكون أفضل..
هوى الشاب بسكينته على صدر آدم وهو يقول:
- سيارة معروفة الأرقام وسائق سيعرف حتماً .. تحقيق ومحاكمة..
تراجع آدم واطبق على السكينة الهاوية على صدره بكفين مفرودتين ثم دار وسدد ضربة من كوعه إلى وجه الشاب الذي أغشي عليه على الفور. رفع آدم السكين من الأرض:
- تبدون مجرد هواة..
قذف بالسكين إلى صدر الشاب الثالث فسقط مضرجاً بدمائه.. حينها فر الشابان فدار بسرعة وهو يقول للمرأة:
- هل أنتِ بخير يا روز؟
لكنه رأى يدها تقبض على مسدس صغير وهي تقول ببرود:
- لقد أضطررتنا إلى هذا؟
ثم أطلقت رصاصة إلى صدره مباشرة فهوى إلى الأرض.
في ميكرونيسيا، كانت مياه المحيط شفافة كالزجاج، حتى أن ظل قاربه كان ينعكس على القاع كما لو أن حوتاً رمادياً يزحف أسفل القارب. وأمامه كانت تجلس التشوكيزية الحسناء وهي تحرك المجاديف بهدوء.
- تبدو سعيداً
قالت بابتسامة واسعة فأجابها:
- قال نيتشه أن السعادة هي الشعور بتنامي القوة.. لكنني عندما كنت في قمة قوتي لم أشعر باي سعادة.. إنني سعيد الآن وأنا أحيا بسلام وهدوء.. غير أنني أفتقد دراجة جدي..
قالت:
- هل كنت تحب امراة قبلي..كن صريحاً معي
نظر إلى المحيط الواسع ثم أخرج شيئا من جيبه وقال:
- أنظري.. إنها آخر هدية تلقيتها من امرأة..
قالت التشوكيزية وضوء الشمس ينعكس على رموشها:
- ما هذا؟
قال:
- إنها رصاصة.. رصاصة مطاطية..
قهقهت التشوكيزية بدهشة.. كانت الدهشة تغمر وجهها قبل ضحكاتها التي لم تتوقف، والقارب يبتعد عن البر مبحراً فوق سطح هادئ التيار.

(تمت)
  • Like
التفاعلات: عفراء فتح الرحمن

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى