بدوي الدقادوسي - أنثى العنكبوت

فور إعلاني عن حاجتي لمحررين لموقع إخباري إلكتروني أرسل لي على الخاص مبديا رغبته في العمل معي ؛ حدثني عن مؤهلاته وإمكاناته والدورات العديدة التي حصل عليها في هذا المجال .
تفهمني سريعا ؛ يحدثني في العمل فينة ويتطرق لظروفه الخاصة أخرى ، التزاماته المادية التي تهدده بالسجن وطفله حديث الولادة . وأنا أواسيه بكلمات تقال في هذه الأحوال.
استحلفني أن أزوره في أقرب فرصة ؛ لم يتركني حتى نال ما يريد من وعد .
هاتفته : إني في الطريق إليك وجدته بانتظاري ؛ أشعث أغبر وكأنه هو القادم من السفر ، المسافة بين صورته على صفحته وصورته في الحياة أبعد بزمن بعيد .مع أنه أغلق العقد الثالث من أيام فقط !
أثاث غرفته التي يختلي بحاسوبه المتهالك فيها يرقد عليه التراب بأمان . بمجرد جلوسي فتح معي حوارات عن الأدب والسياسة والاقتصاد " سيساوي حتى النخاع ". كلما تطرقت للحديث عن الوضع في البلاد لا يسمح لي بانتقاد الحكومة ، فجلست أتنقل بعيني بين غرفته وعقله وحاسوبه المتهالك وأنا في حيرة ، ودعته على أمل أن يرد زيارتي في أقرب فرصة .
بمجرد استوائي على المقعد في الحافلة التي ستقلني للعودة صعدت تحمل رضيعها ، سألتني مشيرة إلى الكرسي الخالي المجاور لي : فيه حد جاي جنب حضرتك؟
لا . تفضلي .
أجبتها دون أن ألتفت صوبها ؛ قطع شرودي تقبيلها للوليد وضمها له برقة ورفق وهي تنظر نحوي ؛ نظرت بكلي لها ؛ في نهاية العقد الثالث ؛ شعرها المنسدل على كتفها وصدرها النافر وبنطالها الضيق يشي بسيدة راقية . استأذنتها أن تفسح طريق نزولي فقالت : أنا أيضا سأنزل .
نزلت أمامي ونزلت معها عيني . ما إن وطأت قدمي الأرض وأخذت أعدل من هندامي حتى همست بأذني : ممكن خمسين جنيه يا أستاذ أكشف بها على ولدي ، حرارته مرتفعة جدا .
نظرت نحوها في ذهول ؛ راودتني فكرة شيطانية ؛ اعتذرت لها بأني لا أحمل نقودا ولكن بيتي قريب مرحبا بك وأولادي وزوجتي بالبيت.
لم تبد أي اعتراض ؛ أومأت بالموافقة وعلى وجهها ابتسامة رقيقة ؛ تقافزت الفئران تلعب " بعبي " فتشت عن كلمات تكسر عذرية اللقاء ؛ وكل سؤال يرد لذهني أئده على الفور؛ فأنا أكره الأسئلة التي تضطر المسؤول للكذب .
فتحت الباب لم يكتنفها خجل الغرباء ‘ والثقة التي دخلتْ بها صدرت لي أطنانا من الاضطراب والارتباك.
أين هربت مني كلمات الترحيب وقدراتي الخارقة على إدارة ألف حوار مع ألف امرأة . لم تسأل أين زوجتك وأولادك . كل جسور التعارف التي حاولت تشييدها لأصل من خلالها إليها سقطت ولم تفلح كلمة واحدة في عبور حلقي الجاف .
سهولة دخولها وعدم ممانعتها وتقبلها دخول شقة خالية إلا مني أفسدوا علي متعة التحايل والاصطياد التي أمارسها لأول مرة في حياتي . ماذا أفعل في مصيبة جلبتها بيدي لبيتي ؟
سألتني أين المطبخ؟
أشرت صوبه دون أن أنطق بكلمة ؛ أخرجت من حقيبة يدها "ببرونة" ولفافة بها لبن مجفف . مرقت بهما صوب المطبخ وقامت بغلي" الببرونة " ومزج الرضعة في زجاجة ووضعت الزجاجة بماء فاتر ثم رفعتها لتجرب قطرة على لسانها ؛ ألقمتها فم الرضيع الذي غط في نوم عميق فور تناول وجبته وأنا أتابع في ذهول .
نظرت نحوي مبتسمة وقالت: ألن تعرفني على شقتك ؟
لم تنتظر إجابتي ؛ دخلت الطرقة المفضية للغرف وصوتها يأتيني من الداخل أهذه غرفة نومك ؟ وتلك غرفة بناتك ؟ متى سيعدن من الأسكندرية ؟ وأين تجلس للكتابة؟
انطلقت صوبها مذعورا أمسكت كتفها بعنف وجنون : من أنت؟
ابتسمت وهي تطوح رأسها يمنة ويسرة تعبيرا عن رفضها عنفي وفمها مضموم وعيناها مغمضتان : أين رومانسيتك التي جننت نساء الفيس ؟ أتعلم أن كل صديقاتي يحتفظن بصورة لك على جهازهن ؟
مدت يدها صوب قميصي تفك أزراره وأخذت تمرر يدها على صدري ووجهي يغلي حتى صارت الحرارة تتصاعد من أذني التي أشعر بسخونتها .
مررت يدها على رقبتي وهي تقول : أين رقتك وكلماتك الجميلة ؟ أم أنت ككل الرجال تقولون مالا تفعلون؟
استجمعت نفسي .. أيا من تكون .. فلن تكون محتالة ! إنها سيدة تقرأ وتتابع . هدأ روعي وبدأت أعود .... أعود .. أعود .. فبين يدي امرأة حقيقة وليست صديقة من آخر الدنيا أراودها عن نفسها على " الشات " .
تحسست شعرها ونظرت لوجهها ؛ عيناها مدينة تمتلئ بالنساء العارية .
قلت بصوت خفيض من أنت؟
هل سمعت بأنثى العنكبوت؟
عقبت وهي تقف قبالتي محتضنة خصري : إنها أمهر أنثى بالوجود تقوم بصناعة بيتها بشكل هندسي بخطوط متناسقة تستخدم ضغط بطنها لتدفع الخيوط الحرارية خارج غددها وتلصق الخيوط بمادة لاصقة تخرج من إحدى غددها .
يدها التي تجوب كل جسدي بحرية جعلت القشعريرة تسري بكياني وعقلي مشدوه كطفل بالروضة يسمع حكاية مثيرة من معلمة أنيقة كلما شعرتْ بملل الأطفال ناولتهم قطع حلوى .
بحذر مددت يدي صوب صدرها ؛ وقبل أن ألامسه أمسكت بيدي وهي تبتسم وأكملت : وأنثى العنكبوت أيها الفارس العاشق عندما تنتهي كليا من صنع الشبكة تكمل عملية وضع الغراء في الداخل وعلى بعض المقاطع فقط . أتعلم لماذا؟
ولكنك لم تقل لي : لماذا لم تتزوج بعد رحيل زوجتك؟
تنهدت لأجيب وقبل أن أنطق وضعت يدها على فمي .. لا داعي للكذب ..
لم تسألني أيها الفارس : لم تضع أنثى العنكبوت الغراء في الداخل؟
أقول لك أنا : لتترك مكانا تتحرك عليه بسهولة ومن سريرها المريح الذي صنعته انتظارا لسقوط الضحية تنام وقد ربطت عرشها بخيط يصل بينها وبين بيتها ؛ حتى إذا ما سقطت الفريسة استيقظت وتقدمت عبر الخيوط الآمنة التي تركتها لنفسها دون مادة لاصقة .
أمسكت يدي برفق واتجهت صوب مكتب يرقد عليه" لاب توب": : وضحكت قائلة : أمن هنا تطلق قصصك وكلماتك التي تثير جنون عاشقاتك؟ وأنت تلوح لهن بعيونك التي تخفي براثنها خلف ابتسامة ناعمة؟
نظرت في ساعة جوالها اتجهت صوب رضيعها وحملته برفق فتحت الباب بهدوء وأنا بين النوم واليقظة أكاد أجن . ألن تعطني ما طلبته منك؟
أفقت على السؤال ؛ انطلقت صوب حافظتي وأخرجت كل ما بها من نقود ووضعتها بحقيبة يدها . وأنا أستحلفها بالله : من أنت؟
نظرت صوبي بتعجب وهي تقول: ليتني ما رأيتك في الواقع وظللت أتخيلك كما أشاء كلما نظرت في صورتك . لم أكن أتخيل أنك بهذا الغباء .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى