1
..
أعتقد أن الكون
يمكن أن يكون ماء باردا فى الصيف
شجرة تظلل فى الهجير
نهرا باذخا بحورياته
كنتُ
كمن يعتقد فى حجر
يصب فى رأسه الألوهيةَ
كالجنون العائم فى رؤوسكم
تبدأ تقويمات الكون وأبجدياته
أحد أيام الخريف التى تشبه الشتاء القارص
فى ذلك الخريف اكتشفت الحقيقة
.
لم نكن غير حياة بالصدفة
بالرغم من توالى الليل والنهار
نظل فى نفس الاتجاه
حيث لا زمن ولا نهاية
لكنما حزن مقيم
حياة لا تنتهى أكتبها
أكتبها ولا تنتهى
وتظل ولا تنتهى
حياة كاتب السيرة لعنة أبدية
حتى بعد الموت
وعما لا تريدون التعبير عنه
تظهر وتختفى
ومع محبتنا لا تدوم
.
لا يوجد جسد
لا يوجد موت
لا توجد روح
لا توجد حياة
.
حيث مسجونون يرصفون الطرق
حيث خراب بهى فى المدن
حيث لا موجودات فى البعيد
.
انهيار جبل كانهيار كونٍ
انهيار كون كانهيار شمسٍ
انهيار شمس كانهيار معبودٍ
انهيار معبود كانهياراتنا
.
فى ذلك الخريف
أعددت نفسى لحياة منتهية
من قبل أن تبدأ
.
فلتحتفلى يا روحى بالعدم
..
2
..
هلكت أغنامى قبل الذئاب
عصاى فى صندوقِ ميتٍ
تفتت منسأتى
دور الكتب حوانيت بغاء
تلاشت توسلاتُ المصلين
الريح أوسمتى ومتنى وتاريخى المعبأ بالخيول ، لم يكن سوى استنزافٍ وإراقة دمٍ وبيع رقيقٍ ، جلبنا المعادن من شراييننا ،. ومنها خلقنا وحوشا تطير ،. وحوشا من المعدن الحى تصنع مكائد للسلاحف ..
تضيق الجغرافيا على مزيد من الدول المنهارة
كرجل ممتلئ بالبلاد تسقط الشعوبُ من جيبه
وتهرب
لم يعد هناك هلال خصيب
لا الأنهار العظيمة تكفى غسول فمى
ولا الرمال
آكلوا الجبال تاهوا فى الجبال
غابات سيبيريا تحترق
أفران العالم المتجمد خامدة
لا عمال فى مصانع الشبسى يرهقون أطفالنا
أين الجبارون أصحاب المداخن
أين الغزاة القاطنون
أين الحضارات العظيمة
أين الجباة الخائنون
لا نحن
ولا هم
ولا أنا
ولا أنت
.
أخطأنى ولم يستجب وتركنى فى عماى
فلتحتفلى يا روحى بالعدم
..
3
..
سأجعلك بأسنان حادة
وهكذا تقضين سنوات من القتل الردئ
تعلمين أن الاعتقادات أحيانا لا تفى
لكنك تصلحين بأكثر ألفة للجمادات
انتهت أيامُك السماوية ،.
لن يصبح لك طريقا واضحا
فمن عدم لعدم
وقد بدأ ،.
الأرض متكأ لغيرك وأنتِ عارضٌ ..
.
كنت أبْرُدُ أَسنانها لكنها انخلعت
لاسيما فى دخولها الأخير
يجب أن تكون مرعبة
لم تُخِفْ أحداً
ولم يحفل بها أحدٌ ..
.
توارت فى حجابها نفسى
لم تكن أمارةً بالسوء
حتى الحصى لم تحمله لتدافع عنى
وأنا على مشنقتى أتارجح ..
.
فلتحتفلى يا روحى بالعدم
..
4
..
.. ولما حان يومك واستوت طينتك كنتُ فى أثرك بلا نار ..
تلك التراكيب أعجب ما فيها التراتب لن يفضى الجدال إلا إلى جدال .
تَوقَفَتْ عند أول منحنى
قلت لها أمامك البحر ، غَرفت غَرفة وقالت مالح . قلت لا أول له ولا آخر .
- تلك حياتنا بحر مالح . والجسد . مجرد شهوة أودعها الرب ونحن أسراه . هل أنت واثقة .. تلك معرفة ناقصة . أنا لا أعرف غير الطاعة العمياء فليت لى ما لك من تمرد . تعرفين أن الخالق حين أوجدنا أخفى سرنا لكن شخصا ما لا يثق إلا بنفسه يعرف ، فلما جعلتنى فى اتجاهك ولما نحن الإثنان فى اتجاهه غير منكرين لذة المعرفة مع أن فى الخضوع لذة . لكنها ناقصة أيضا .
كل ذلك النقص يجعلنا بالكاد أقرب لأنصاف الآلهة نطمع أن نكون مكتملين .. أدخلينى لعل الجدال يأخذ راحة فأدخلك ، لستُ سوى نصف جسد . وأنتِ نصف جسد . لم يكن كلامى بل شخص من يتكلم من خلالنا . تركَنا فى الحيرة ولا شك أنه يعرف ..
وهكذا توالدنا على البسيطة أصبحنا واحدا مكتملا ..
قالت : لا وعاء لكل ما تحتويه غير ما تظنه .
وما أظن لنا وعاء .
هذا ما يسرك يارب .
من دبر المكائد .
نحن مقهورون وغير مقهورين
قادرون وغير قادرين ..
قلت : أمامك البحر مالح ونحن عطشى .
...
5
..
.... فلما تغير المشهد
طفا على الماء ظِلٌ انفصل الملح عن الماء فاستساغته نفسى الحيوانات آكلة العشب والسباع آكلة اللحم والطيور على أنواعها تعلمت الصيد والفخار ...... وبدأت الطهى ..
من ورق الشجر ردائى وعلى مثال نفسى كان ينبغى لك أن تكون ..
تواردت الكائنات فأقمت القرى والمدائن وفى نهاية اليوم صرت غريبة ..
..
هذا ما أتحتِه
أنا أيضا صرت غريبا من وطأة مدائنك ومن فيض نعمتك وكل ذلك الاتساع .. الشعور بالوحدة يفسد المطيعين يقتل أكثر مما يحيى .. والأكثر لعنة فراغ العالم من السعادة حتى أننا نهدم ما بنيناه ..
..
لا شعور بالوحدة إلا وأنتَ مكتمل
ماذا يتبقى من المعارف الخائض فيها لا موطن له فى الأرض ولا فى السماء .. وحتى تلك الإشارات لا تُفهم ولا تَهِم .. فلتسقط أقمارك وكواكبك وأبراج بابل وأهرامات مصر ولتجف البحيرات .. ماذا يعنى كل ذلك إن لم نحاول بقبلة نودع فيها أسرار العلوم وتفاحة السقوط ..
..
آه
التفاحة التى أثارت حربا ليست لى بل تفاحة السقوط وها أنا أسقط فى العزلة واحتفل بالعدم .. فى جمال المحو نستطيع أن ننشئ ما لا يستطيع البشر اقتلاعه ولأن حياتنا حلم ينبغى عليك أن تعيش أكثر مما ينبغى .. المعيشة فى العدم أقل ما يمكن أن يكون .. وأكثر مما يمكن تصديقه حيث لا صدق ولا كذب ..
..
6
..
وفى ذلك
وكما هو مرهق
النوم بما يكفى أن تتحول إلى شخص
يخاطب حجرا والحجر لا يرد
وبينما تحلم بكلام منها على قدر ما تود
تعيش لحظاتك خارج الثانية
إن مرت فلا يوجد على البسيطة غيرك
ما الداعى للزمن
فالأيام تمر
والسنوات تمر
والقرون تمر
وغير ذلك
على خلاف المعهود ينطق الحجر
عبر الهواء وعبر أعضائك
الفرق بينك وبينه لاشئ
لأنكما حجران رائعان
يظنان أن الواقف هناك ينتظرهما
غير أنه لا يحدث
سوى
أن نستدعى خيالاتنا
قبل صنع السينما بكثير
وقبل أن يتهيأ البشر
للتحدث إلى الآلات ..
..
وإن كان عندما تحتاج صحبة
تخرجها منك وتجلسها قبالتك
عند ذلك ترى
الشمس
و
القمر
يتواثبان أمامك كإلاهين ..
..
7
..
ذلك العالم الرحب
بوسعك أن تصادق ما لا يتمنى البشر
مصادقته
العالم الموغل فى الغرابة
لحظة الفرح ولحظة السرور
بحار ومحيطات هادرة
أنهار بعضها يتهادى
كأنما كأس بيدك
هو المستفيض على الدوام
تلج ثم الخياط
ترى العالم الأكبر
يزداد اتساعا كلما خطوت خطوة ..
تغلق عينيك وتبصر بقلبك
تخطو لا يهم تحريك قدميك ..
المدائن التى هناك تأتى
بكل مافيها من أرق وحزن وفرح
بأناسها
.
بينما يتجه العالم للخارج
أتجه للداخل
..
8
..
الآن صدقونى
إذا قلت أننى أجلس معها بل أنا
الآن
هى
وهى أنا
فى ظل ذلك ماذا نحتاج
فى يومنا عتمة مباركة
صمت صاخب
منذ بدء الخليقة أحجار
تذوب رقة
قبَّلْتُنِى على أعتاب محبوبى
قلت يا أنا أين أنا
وأيناى أنا
هل من تهواه نفسه هو
هل من تهواه نفسى أنا
..
9
..
وكما تستجيب لنداءاتنا الأرض
تستجيب السماء
ليس هناك سوى ما ينتاب البشر عادة
من وصف أو خسارة أو حقائق
وهى غير ذلك
ليست سوى خيالات تلك الكائنات
والخيالات تتطلب ذلك أحيانا
حتى الأفكار نفسها تستطيع أن تروضها
الفارق عند تمام عقلك يحدث ،
وتتقبل فهمك لتلك الأمور
ولعدة أسباب تلك الكلمات
الغير خاضعة أساسا لعقل تحتاج إلى تأويل
يكفى أو لا يكفى
وما بينهما
تلك الروح الحائرة
لا باختلاط أسئلة فى صندوق
أودعناها ذات يوم
وعلى غير المعهود من وصف آخرين
كما لا يهم وصفها
هنا يحدث على اعتبار أن ما تطلب
كالفيض على الموجودات على سبيل المثال
ولا ماديات بالطبع
خلاصة الرأى
مهما تناولنا حياكة الكلمات
تظل مبعثرة فى فمنا
يلمها صاحب عقل فى طريقه
للجنون
ربما ينجو بفعل الوحدانية
و
حملتُنِى فى أجوائى
فرأيتُنِى خفيفا خفيفا
عكس ما تراه
إذا نظرت بعينك الدنيوية
وعكس عكس ما تراه - إذا رأيت -
و
أنت لم تر سوى
جزء من كل
بل
جزء مجزء من جزء
ولا كل ..
..
10
..
ماذا يفعل فى الوحل
من يغوص قدمه على حجر
لم نبتت روحى
فى عالم غامض ينتظرنى
وأنا أسير فى شوارع الفقر
حيث عثرت على ذلك السر
.
أنا حزين
لأن تلك الليونة لم تكن سعادة
لا حياة لكاتب السيرة غير ما يكتب
وكلما فاض الإناء نضح
ببكاء حامض
.
أخبرنى بمعاناتك
عندما تمشى
يلين تحت قدمك
حجر عثرة فى الطريق
.
الجميل أن
الريح أحيانا مقدمات لحزن طويل
ها أنت تعوى كريح
.
انت ابن موت إلى موت
وتلك الأسئلة تأتى متأخرة
تتخيل أن لها إجابة
كم تحمل أقداما لا تستحق حيث
فاضت عليك البركات فكانت جوانبك المضاءة
نور على نور
.
المقدر بآياتك بعدما فارقت الدنيا يكون
.
أحيانا ينتابنى الشعور باليأس
كيف أفسد هذا العالم الجميل
لو لم أكن ظلا لما يحدث فيه
الملاعق فى الطبق
السكين على المائدة
والشئ الوحيد المفتقد
برتقالة هاربة تحت السرير
..
11
..
تاهت السنون مذ بدأت أفقد الذاكرة
كنت أدعوها يا.....
وهى تدعونى ......
لا أتذكر هذه الاسماء
أقمت فى حى البساتين
وعملت فى مصنع نسيج
لكنما التأميم أجبرنى على هجرة الحياة
حتى جاءت النكسة
المهم
أن الهزائم انتقلت لك بالوراثة
التلبس أحيانا بأشخاص آخرين
يجعل الحياة صعبة
عند ذلك تتوالى النكسات
الخريف برتقالة عطنة
حتى الموقد لا نار ولا دخان
اخترعت ما يوصل الفصول ببعضها
فى الساعة الواحدة يزورنى الربيع
بعد خمس دقائق أملّ كما يمل الصيف
استبدله بالشتاء
أعشق المطر لكنما أكره البرد
الغطاءات لا تكفى
بعد عدة دقائق أجر قدمى
إلى أن تيبست
أصبحت بعدها خارج الفصول
تكلست الثلوج بداخلى
ورغم ذلك هناك إصبع مازال
يتحرك فى الخفاء بعيدا عن عين
قط أليف
فى صوته تلك المجرة التائهة وهو ينادى يا ....
غريق يبحث عن إلفه
كانت يا... مشغولة فى عدة بلاطات متخلخلة
فى الغرفة المجاورة قال عنها ضرير
هنا مقبرة يا.....
وكان يردد لا تراعى نحن أيضا مثلهم ........
لماذا تبدأ الذاكرة بالإضاءة
التذكر أحيانا يبعث البهجة
مما يؤلم
ورغم أن يا ..... وأنا روحان إلا أن
أسماءنا الكثيرة مكتوبة على جدران المقابر
فى مقابر البساتين أودعتها
فى مقابر البساتين لم يكن لها اسم
تنفذ عينك من خلال قطها الأليف
وترى
تحولات الهزائم لم تغادرنا
وذلك الضرير بعد سنوات كثيرة
كان أحد بصرا ..
..
12
..
وتبقى معلقا على حبال الآخرين
تنتظر الوهم وما يشعلك
تحترق غير أن حيوات تستضيفها
المؤسف أنها تعطلك عن ممارسة الحياة
كل ما نرغبه التوهج
لا ضير أنهم فى النهايات أو ما بعدها
وما يريبك أن الوهم يصبح حقيقة
تجعل مفاصلك كمُقعد فى انتظارها
وعلى محفة روحك تسير إليها
كالغريق يمسك بقشة
والبعير تقسمه قشة
والإبرة فى كومة قش لا ترى
حتى المشاكسات ما بين الديكة
لا صدى سوى الدماء
وهى تتناثر على مساحة الأفق
كزجاج ملون
وغالبا تتناثر شظايا الجثث فى مقدمة العربات
.
لم يكن العدم غير تلك الحياة
لم يكن العدم سوى المعيشة معهم
لم يكن العدم غير اللجوء إلى نص
فى أتونه تعيش
المهم
تتلبسك حياتهم فلا تستطيع التفرقة
بين حياتك وحياة الآخرين
.
فى عراء النفس
سوف تتذكر الله
وسوف تحن لأيامك الأولى
وتقول عنها
يا ابتلاءاتى أنا بك
لذا فى عربة الحياة
كن واثقا أنك فى التدنى
تنظر دماءك وآذان الفجر مترافقان
تلك هى صلوات الحب
دماء وابتلاءات وشجن
أن تدرك أن النظر إليها هو عين الحب
لا يفجؤك الفجر
ولا انثيال شعرها على مخدة النيران
وانت تعبث بأجزائها
تظن أنها لك
تظن أنها بك
تظن أنها هى
وهى ليست سوى قناع للعدم المحض
.
لم يكن العدم غيرك أيها الشاعر
لم يكن العدم غير الحبيبة
وهى بين يديك
تبحر فيها وهى بحر من الظلام
..
13
..
ولتتأمل العبارة فى
الأماكن التى ربما لا تأتى منها كل تلك الأشياء التى ليست لها معنى سوى أنك لن تهدأ مطلقا ولن يُظن أبدا أنك كنت هنا وبالرغم من ذلك تترك أثرا ..
عبارة عن خطوات فى خيال الصخور والتراب وعلى سحب السماء وكلما حضر ظل الرعد وذلك البرق ، من يسبق الآخر إلى حيث ينتظر الجميع ودوما إلى التراب نعود ومن المؤكد أن تلك الرحلات فى الكتابات ما هى إلا نثيث روح يحفها الظمأ وفى يديها الماء لا هى شربت ولا هى ارتوت ..
أنت فى الريح البارد شجرة وتفاحة جوعى ، وهْم لأشخاص أخذوا مواضعنا وعلى كل حال ما هى إلا موتة نقوم منها أكثر توحشا ويليق بنا ما يفعل الدهر عدا أن الأيام تلتئم جراحاتها وما يهلكنا غير الطمع فى استرداد حياتنا الاولى على نحو جيد .. من عادوا إلى طبائعهم
كما ظنك بهؤلاء المحبوبين
فمن كان من نور فهو نور
ومن كان من ذهب فهو ذهب
ومن كان من تراب فهو تراب ..
ويا هذا ليس عليك جناح ولا مأثم إذا تخليتُ عنك وتخليتَ عنك فلا أنا أنا ولا أنت أنت .. ولذا لم يصادفك غير أحجار الخليقة وهى تتشكل وتعطى الألوان أسماءها والعطور أزهارها والزهور رائحتك .. خلق من خلق وخلق من لا خلق ما يكون على الدوام وما بينهما النقوش الغريبة والححب المستعصية هل تراها سترتنى عنها سترتها عنى أم فى مقام بين بين .. أم أن الرؤية ضاقت ثم اتسعت ثم ضاقت علىّ العبارة ..
وإذا تخليت عن زمنك وتخلى الزمن عنك فأين تكون ..
..
14
..
من بالداخل
هؤلاء الأموات
لماذا لا يرحلون
المدهش
أنك فى الشارع لا تستطيع المراوغة مع الهواء
ما يحدث فى مكنون سرك
من جعل ما للموتى للأحياء
وما للأحياء للموتى
يجعلهم فرحين ..
..
كمن يحمل أطنانا من حديد البنايات
بمنازلهم ومدنهم
وهى طبق الأصل
أينما كنت يتحركون فى ثقل
..
منا من يعرف ومنا من لا يعرف ..
من عاشوا حيوات كثيرة داخلك
وخارجك
وأنت تخطب فيهم :
أيها الموتى امنحونى هداة
أنا ميت أيضا والجمع كثير
وكلنا على مشارف الرحيل مقيمون دائمون ..
..
المعاناة أحيانا تقرب وتبعد
أخبرنى أيها الميت من كان أقرب منهم لك
والسمع بلا أذن ولا كلام
هل تعد بأن وإلى نهاية الطريق
تظل يدانا مترافقتين
دون أن يقطعها المسرعون إلى حتفهم أو قراهم
أو متجولون لا يلوون على شئ
ولم يقرروا بعد متى الميعاد
الانضمام إليهم رغبة ومحبة
وضعها الراسخون فى الملكوت ..
وتلك المقرنصات
غير أن المشاهد تترى ،
زمن يتداخل فى زمن ،
ويفر من زمن
ويتراجع عن زمن ..
..
15
..
وعلى ذلك
أظل فى شوارع شرسة
كمقاتل مهزوم
لأيام
لا يلاقينى فيها غير الموت
ولا شاهد زور يعرف سعادتى
بما يتبقى منى
وبقدر ما تلتهمك نظرة وابتسامة
فى غير موعدها
تعود ذلك المقاتل الشرس الذى
علق رايته على قلعة خاوية
وأد كل سكانها بال ددت ..
..
جعلتنى فتوحاتى فى آخر الأروقة
كآخر ملوك الطوائف
ذلك النصر الصامت الممل بمجرد أن ينتهى
يتجمع الطغاة
أكون قد صنعت عجينة الصراصير الألمانية
لإبادة ما يتبقى
وعموما اذا غيرت رأيى
أكون فى آخر الأمر - أنا البطل الشجاع -
بمهارة شخصية
صنعت عالمى المفضل ..
..
16
..
وحين أرى شوارعى الخلفية
لا ينتابنى الاحساس بأنها تتبدل وتتغير
أراها كما هى
المناظر القديمة تتراكم فى شخصى الآخر
لا بعين طفل فى شخصى الآن
وما بين عدة أشخاص يسكنوننى
يتوالد أشخاص كثيرون لا أعرفهم
أتوه فى وسطهم
كخطيئة لا يغفرها الرب
ولا الحبيبة
يا طالما شكوت وحدتى
فى وجود هؤلاء
لمسافة لا تكفى سفر نجم
كل ما يفعله الجلوس فى شمسه الحارقة
..
17
..
كأجواء وصفية ومرايا
مما يتيح الكتابة وفرض ما تراه على واقع
وما لا تراه مهمل
يهم الآخرين أن يظل على السطح
التهم تستفزك كأنك فعلت
الاعتقاد أحيانا موطن اتهام ولا رد لك
التناقض أيضا مفتوح على جانبى العقل
وما القلب إلا مضخة
ومع ذلك
قلوبنا المبصرة طى السكون
الولوج بالقلب لا يحتاج لتفاسير
ولا لشهود
أنت ترى وكفى
يا هذا :
العقول المبصرة كالقلوب المبصرة
الفيض أحيانا يبرر صدور الكثرة
وأنت كثير
مع أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد
..
18
..
سأنتظرك أمام ماكينة الصرف
يوم الثلاثاء القادم
على بحر المراثى
لماذا ذلك الموعد
لأنه لن يحضر أحد
ولن يأتى أحد
وحتى أكتب ذلك النص
.
أمام ماكينة الصرف أرى انعكاس وجهك
وهى تنتقى الأرقام بعناية
ويدك المدربة تنغرس فى لحمها الحديدى
السعادة أحيانا أن تكون ماكينة صرف
تنغرس فيك أظافرها
تشعر باللذة والألم
.
لا أشياء مجانية
البحر الطويل كسلوك الدرب بين جبلين
بحر الحزانى فيه جثث طازجة
وشعراء ميتون
أهوال الشعراء فى التمام
ونواقصهم فيمن حولهم
وأمواجه رائحة وغادية
.
ألقيت نفسى فيه
فإذا بى بين قبض وبسط
وها أنا أنشد على بصيرة
مرتقاى الصعب
فى سمائى وأرضى
ذاتى ليست ذاتى
أواجه من لا يواجه
.
على مشارف بحر المراثى
كان الشعراء
ليوبولد فون ساشر ماسوش *
ظل يعانى من ذلك الألم
ظلت سيدة المعطف أيضا أمام ماكينة الصرف
تحاول خلق ذلك الجدال
..
هامش
* روائى نمساوى
19
..
وأنا أيضا
فى موقف ما
كذلك الصحو
أتجول بين القبض والبسط
لا تفارقنى لذة الإثم
تمر قطارات النوم معبأة بصرخاتى
أعانى منى ومن آثار الضلال
لا أهتدى لطريق ولا لمعرفة
ولا حطبى
يجيد المسك بشرارتها الطائرة
تنفرط ذاتى
لا ألوم غيرى ولا ألومها
أنا الفريد الفريد
غير قادر على جمع فردانيتى
والطريد من محبتها على وعد
كله وعيد
أمسك عصافير مياه فى ليلة قيظ
فيمتلئ كأسى بما هو دون
عالق بين القبض والبسط فى أمر ما
ومائل للقبض دون شبهة
وإلى البسط أقرب كلما شربت
أغيب عن صفاتى بصفاتها
وأدرك أن ليلى طويل
وأن النهار لن يخرج منى
..
20
..
وإذا خرج ذلك الشخص
انحجبت نفسى عن الكون
نفسى البريئة العاصية ،
وهى تظن إن كل هؤلاء الفانين
نائمين
وتلك الغربة الغريبة
ما كانت فى قلب كاتبها
تعيش حياة بلا سيرة
يبحث عنها كل غريب
.
الجماد أحيانا يرقى لمستوى الروح
إذا لامسه كاتب
انتقال الشعور إلى ذلك الحد
يعنى أننا فى الطريق الصحيح
لنهاية صحيحة
تهرسها خيول بأجنحة من فولاذ
وحوافر من قصدير
ونحاس
.
تتجمع عدة سحابات بفوضوية
تحس برطوبة الماء
كما أن أسنانها البيض فى روحك
كحليب الناقة
على الرغم من أن من هجروك
ماتزال عصيهم عليك
.
هل تعرف تلك النهايات
ما هى إلا نزف بحرارة الجسد
لتفارق من أحببت
تتقطع خيوطها مع أرواح أخرى
فى مدينة الرخام
صرت ملتصقا بوجه واحد
له عدة وجوه
تظل روحك تبحث عن حجرها
وهى تحسب الحجر ماء
..
21
..
وسواء مرت أزمان كثيرة
لا تعنى أن
أروقة من خيال محض
تسير بنا
غير أن هدفا ما
مازال يلوح فى أفق كله غبار
..
كلنا غائبون عن الوعى
ما يضرك أن الحياة غائبة معهم
فلا تستطيع سماع تنفسك
وبالرغم من أننا شهود
لكننا لم نر
حتى شاهد الزور ترك عنوانه ومضى
وأنت تحتفلين لا أشهد
من يقتاتون على تنفسك الأخير
..
الفائض من البكاء نهر
على ضفتيه ممشى يشبه ما كنا فيه
هناك تلك المبهمات تلوح
ولا نعرف كيف نلقاها بلا وسيط
كما تلك الأسلاك التى نصنعها عادة
لسريان كهرباء إلى غرفة إنعاش
..
وكانت تسأل :
ما ضرك أن تسلخ بعد ذبحك
وكنت أقول :
ما ضرنى غيرك
تلك المحبة القاتلة عمل يدى
وتلك الحواس الواهية
انا الضرير أقودنى إليك يا ....
نور على القلب أتلفظ به وحناء على الشعر يسلبنا الوعى وذلك الطيب فى القماش الأبيض وهذه الأشجار والصبارات وأزهار خيوط النسيج ..
فى بورسعيد سكنت حى المناخ وكان مصنعى قريبا .. ومع ذلك كانت روحى هناك يا ...
تجولت فى البلاد وفقدتنى فى البلاد وعندما أنجبت مرة أخرى عشت حياة ثانية ..
وكانت البلاد تشبه بعضها
..
الداخل من الهواء لا يكفى
أنا أموت وليس لى أسف
لم أكن على عرشى
ولم أكن على ماء
ما ضرنى السلخ
بل ضرنى محاولة احتوائك
وأنت غيمة فى خيمة الرب
..
22
..
عندما أدخل بيتى وأشرب شايك بسكر كثير وماءك من دورق بلاستيكى فى الشرفة وآكل من يدك الشهية
أراك هيأة
وأنام بجانبك
أمارس حياتى العادية سعيد بما لا يراه غيرى ، جوهرنا فى مادة لامرئية ولا غير ذلك وكلما مضيت تركت بصمة
جثة هنا وجثة هناك ..
كيف لكل تلك الفجائع تكفى الأيام ، وصامد قلبى يكفى أنك معى أينما حللت ليس الإنسان جثة هكذا أعنى بل كل ما يمكن إتيانه من ذرات تعلق بالروح وتحتفظ بملامحنا بما تلتقطه من أدران تنتهى بمجرد اختفاء الجسد حتى لو كانت مغبشة تعود ..
لذا
لا يسعنى الانتقال من زمنك الخارج عن الزمن
أعوام كثيرة أنتقل من كفك إلى كفك إلى شعرك إلى قدميك إلى أجزائك تائه فى جغرافيتك أحسب كفيك صدرك أحسب قدميك جوهرك المكنون هكذا هو الحب لا غير
من يؤمن أنى فى وحدانيتى لست وحيدا ،
وحين أنام معك أشهد جواهرك الخمس النوم صحو لمن لا يهدأ عقله اليقظ ويسرنى تفردك على سائر الموجودات أنت واجبة الوجود لحياتى الضائعة فى قصاصات بها كلمات أصابعى ذات يوم كانت لى وأصبحت لك
بقلمى الرصاص
كانت تكتب : أحبك ..
..
23
..
على أى حال أنا أيضا كذلك
من خلالها أسترد وعيى
أقوم لاحقا على صوتك المعدنى
عبر أسلاك هاتف قديم ،
المسافة تلك
أقل من مليمترات تقع منها سماوات
بأنفس حرة كندائى على طير من وراء جبل
يأتى الطير إلى كفى
يقينى اننى فى ملكوتك الأعلى كهذا الطير
القصاصات تتيح لزمن متجول
يحكم مسافةً لا تتغير ..
مُسَيَّرٌ أم مُخَيرٌ لا يهم
أسير فى النوم اليقظ
أعبئ زجاجات الماء نوما يقظا
وأحلام يقظة
وأمانٍ تستيقظ من خد وردة
لا هى الأرض ولا هى السماء
أشرب رؤياي
من رأس كسلة مهملات لكل ماهو جميل
ولا يعرفه البشر
ذلك الصوت المعدنى عبر أسلاك الهاتف
ما هو إلا قصاصات نكتبها ونسمعها
وقتما ينفض ظلامنا الأبدى عن
نور يا نور
..
24
..
كان اسمها "نور" وكان يدعوها "نوال"
فى زمن كانت أسماء أمهاتنا فى أمان
من يعرف اسم الأم
يستطيع أن يغير مجرى الحياة
هكذا كانوا يعتقدون
وكانا يعتقدان أن الأعمال السحرية
يمكن أن تكون أو لا تكون
وبنظرة لى انسحب الوميض
منه ومنها لقلبى
أنا كائن علاقة لم يمسها اعتقاد خاطئ
..
رأيت أبى فى طفلى
ورأيتنى فى أبى
الذى تجول فى البلاد فلم تعطه
وزرع سلالة موتاه
سلالة للموت والتربع على عرشه
أكتشف فى النهاية
أنا
روحه التى تكتب
..
- وهل كنتَ متواجدا معهما
- لا
- كنت فى الغيب
وكانا يحكيان لى
كيف أن "آمال" وذلك اسمها
أول البخت
والفرحة الأولى
وتتمة المحبة
فى رحيلهم
تحولوا إلى ضجيج بداخلنا
حتى أن ....
- تلك الحياة تكتبنا
وما أنت إلا مسودة
مارقة من الوجود المرئى
- نعم للأسف ....
..
25
..
وقال لها يا نوال :
عاصفة قلبى أشد
اجترار الذكريات على نحو ما
يقتلنى
انا لا أستطيع أن أعيد الزمن فأتحاشى ما كان
لكننى فى غالب الأحوال
أعيد صياغة الحدث
الزوايا المتعددة لعيون كثيرة
تصب فىّ
من المنطقة العمياء أرى ما لا يمكن أن يُرى
- لن تر إلا بوجه مختفٍ لا تابعا لأحد ولا تتبع أحدا
من وضع العالم فى كفك ونحن لا نريده
كم فكرنا فى إنهاء حياتنا
لكننا فضلنا أن نموت بأيدهم
يحسن أن نتحمل قليلا ونصاحب الألم
ذلك أفضل جدا
- لا حدود لغضبى
ماذا يمكن أن أفعل
وأنا كتوم ومتحامل على نفسى
ومن أكلوا مالى
ومن شربوا دمى
ومن مضغوا لحمى يحتفلون
أنا الخائف منهم على أبنائى
أتكلم معهم أتفهم أنهم ما زالوا أطفالا
الهؤلاء أسوأ البشر
وأبنائى طيبون
أكاد أنفجر
- فى الأصل يجب أن نكون ملائكيين
لكننا تحولنا إلى أحجار نيزك
تحَملنا غربة البلاد
وما عاد لنا غير الفاتحة
- الفاتحة يا نوال
الفاتحة
..
26
..
فى الفاتحة
فتحت قلبى فإذا هو نور
لم يغب ضوؤك عنى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . لم أزل
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . وقد كنت
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . وهكذا أرجو
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ . نعم وأقر
إِيَّاكَ نَعْبُدُ . مؤكد لى
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ . لا غيرك أبدا
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . توجهنا بالقلب
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ . أنا منهم
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ . لست منهم
وَلَا الضَّالِّينَ . نتوجه لك
آمين
آمين
وهكذا أمضى فى وحدتى بلا وحدة
على شاطىء بحر الطويل
أدندن :
وَلَمَّا انقضى صَحوي تَقاضَيتُ وَصلَها
وَلَم يغشَني في بَسطِها قَبضُ خَشيَةِ
وما نالَ شيئاً منهُ غيري سوى فتىً
على قَدَمي في القبضِ والبسطِ ما فتي *
- هل انتهيت
- لا
وكيف أنتهى
ومازلت أدندن حولها
.
* هامش
الأبيات لابن الفارض
..
27
..
لم يكن ليَهم
ولأعوام أخرى
غير أن المزايا بعضها ردئ
وجيد ما صنع الرب
وكان حسنا
أن سمح بوقوفنا
على أرض كلها ضلال
فى المرة القادمة
سوف أرتقى صخرة
سأحاول أن أرسل ندائى
بصوت أكثر صخب
فى استبدال أشخاصنا
بأشخاص أكثر جدية
فى مهوى أكثر روعة
وأكثر كآبة
من وجودٍ محض صدفة
خارج تاريخ يكتبه المزيفون
لم يكن ليمنعنا النضج
أو يمنحنا الكشف
وكذا نسير من قرية إلى قرية
بهدوء مريب
آخذ حمارتى العرجاء
وجُبَّتى
وأرحل
ولكى نسقط سريعا نحتاج
لفاتحة جديدة
برفقة الموت ونحن صاحبان
عرجنا على نهر يشبه الجحيم
الدخول الى أرض أخرى بمثابة
إعلان حرب
ولتحتفلى يا روحى بالعدم
..
ديوان
حياة كاتب السيرة
( الفاتحة يا نوال )
صلاح عبد العزيز
الزقازيق
فبراير/ مارس 2022
..
أعتقد أن الكون
يمكن أن يكون ماء باردا فى الصيف
شجرة تظلل فى الهجير
نهرا باذخا بحورياته
كنتُ
كمن يعتقد فى حجر
يصب فى رأسه الألوهيةَ
كالجنون العائم فى رؤوسكم
تبدأ تقويمات الكون وأبجدياته
أحد أيام الخريف التى تشبه الشتاء القارص
فى ذلك الخريف اكتشفت الحقيقة
.
لم نكن غير حياة بالصدفة
بالرغم من توالى الليل والنهار
نظل فى نفس الاتجاه
حيث لا زمن ولا نهاية
لكنما حزن مقيم
حياة لا تنتهى أكتبها
أكتبها ولا تنتهى
وتظل ولا تنتهى
حياة كاتب السيرة لعنة أبدية
حتى بعد الموت
وعما لا تريدون التعبير عنه
تظهر وتختفى
ومع محبتنا لا تدوم
.
لا يوجد جسد
لا يوجد موت
لا توجد روح
لا توجد حياة
.
حيث مسجونون يرصفون الطرق
حيث خراب بهى فى المدن
حيث لا موجودات فى البعيد
.
انهيار جبل كانهيار كونٍ
انهيار كون كانهيار شمسٍ
انهيار شمس كانهيار معبودٍ
انهيار معبود كانهياراتنا
.
فى ذلك الخريف
أعددت نفسى لحياة منتهية
من قبل أن تبدأ
.
فلتحتفلى يا روحى بالعدم
..
2
..
هلكت أغنامى قبل الذئاب
عصاى فى صندوقِ ميتٍ
تفتت منسأتى
دور الكتب حوانيت بغاء
تلاشت توسلاتُ المصلين
الريح أوسمتى ومتنى وتاريخى المعبأ بالخيول ، لم يكن سوى استنزافٍ وإراقة دمٍ وبيع رقيقٍ ، جلبنا المعادن من شراييننا ،. ومنها خلقنا وحوشا تطير ،. وحوشا من المعدن الحى تصنع مكائد للسلاحف ..
تضيق الجغرافيا على مزيد من الدول المنهارة
كرجل ممتلئ بالبلاد تسقط الشعوبُ من جيبه
وتهرب
لم يعد هناك هلال خصيب
لا الأنهار العظيمة تكفى غسول فمى
ولا الرمال
آكلوا الجبال تاهوا فى الجبال
غابات سيبيريا تحترق
أفران العالم المتجمد خامدة
لا عمال فى مصانع الشبسى يرهقون أطفالنا
أين الجبارون أصحاب المداخن
أين الغزاة القاطنون
أين الحضارات العظيمة
أين الجباة الخائنون
لا نحن
ولا هم
ولا أنا
ولا أنت
.
أخطأنى ولم يستجب وتركنى فى عماى
فلتحتفلى يا روحى بالعدم
..
3
..
سأجعلك بأسنان حادة
وهكذا تقضين سنوات من القتل الردئ
تعلمين أن الاعتقادات أحيانا لا تفى
لكنك تصلحين بأكثر ألفة للجمادات
انتهت أيامُك السماوية ،.
لن يصبح لك طريقا واضحا
فمن عدم لعدم
وقد بدأ ،.
الأرض متكأ لغيرك وأنتِ عارضٌ ..
.
كنت أبْرُدُ أَسنانها لكنها انخلعت
لاسيما فى دخولها الأخير
يجب أن تكون مرعبة
لم تُخِفْ أحداً
ولم يحفل بها أحدٌ ..
.
توارت فى حجابها نفسى
لم تكن أمارةً بالسوء
حتى الحصى لم تحمله لتدافع عنى
وأنا على مشنقتى أتارجح ..
.
فلتحتفلى يا روحى بالعدم
..
4
..
.. ولما حان يومك واستوت طينتك كنتُ فى أثرك بلا نار ..
تلك التراكيب أعجب ما فيها التراتب لن يفضى الجدال إلا إلى جدال .
تَوقَفَتْ عند أول منحنى
قلت لها أمامك البحر ، غَرفت غَرفة وقالت مالح . قلت لا أول له ولا آخر .
- تلك حياتنا بحر مالح . والجسد . مجرد شهوة أودعها الرب ونحن أسراه . هل أنت واثقة .. تلك معرفة ناقصة . أنا لا أعرف غير الطاعة العمياء فليت لى ما لك من تمرد . تعرفين أن الخالق حين أوجدنا أخفى سرنا لكن شخصا ما لا يثق إلا بنفسه يعرف ، فلما جعلتنى فى اتجاهك ولما نحن الإثنان فى اتجاهه غير منكرين لذة المعرفة مع أن فى الخضوع لذة . لكنها ناقصة أيضا .
كل ذلك النقص يجعلنا بالكاد أقرب لأنصاف الآلهة نطمع أن نكون مكتملين .. أدخلينى لعل الجدال يأخذ راحة فأدخلك ، لستُ سوى نصف جسد . وأنتِ نصف جسد . لم يكن كلامى بل شخص من يتكلم من خلالنا . تركَنا فى الحيرة ولا شك أنه يعرف ..
وهكذا توالدنا على البسيطة أصبحنا واحدا مكتملا ..
قالت : لا وعاء لكل ما تحتويه غير ما تظنه .
وما أظن لنا وعاء .
هذا ما يسرك يارب .
من دبر المكائد .
نحن مقهورون وغير مقهورين
قادرون وغير قادرين ..
قلت : أمامك البحر مالح ونحن عطشى .
...
5
..
.... فلما تغير المشهد
طفا على الماء ظِلٌ انفصل الملح عن الماء فاستساغته نفسى الحيوانات آكلة العشب والسباع آكلة اللحم والطيور على أنواعها تعلمت الصيد والفخار ...... وبدأت الطهى ..
من ورق الشجر ردائى وعلى مثال نفسى كان ينبغى لك أن تكون ..
تواردت الكائنات فأقمت القرى والمدائن وفى نهاية اليوم صرت غريبة ..
..
هذا ما أتحتِه
أنا أيضا صرت غريبا من وطأة مدائنك ومن فيض نعمتك وكل ذلك الاتساع .. الشعور بالوحدة يفسد المطيعين يقتل أكثر مما يحيى .. والأكثر لعنة فراغ العالم من السعادة حتى أننا نهدم ما بنيناه ..
..
لا شعور بالوحدة إلا وأنتَ مكتمل
ماذا يتبقى من المعارف الخائض فيها لا موطن له فى الأرض ولا فى السماء .. وحتى تلك الإشارات لا تُفهم ولا تَهِم .. فلتسقط أقمارك وكواكبك وأبراج بابل وأهرامات مصر ولتجف البحيرات .. ماذا يعنى كل ذلك إن لم نحاول بقبلة نودع فيها أسرار العلوم وتفاحة السقوط ..
..
آه
التفاحة التى أثارت حربا ليست لى بل تفاحة السقوط وها أنا أسقط فى العزلة واحتفل بالعدم .. فى جمال المحو نستطيع أن ننشئ ما لا يستطيع البشر اقتلاعه ولأن حياتنا حلم ينبغى عليك أن تعيش أكثر مما ينبغى .. المعيشة فى العدم أقل ما يمكن أن يكون .. وأكثر مما يمكن تصديقه حيث لا صدق ولا كذب ..
..
6
..
وفى ذلك
وكما هو مرهق
النوم بما يكفى أن تتحول إلى شخص
يخاطب حجرا والحجر لا يرد
وبينما تحلم بكلام منها على قدر ما تود
تعيش لحظاتك خارج الثانية
إن مرت فلا يوجد على البسيطة غيرك
ما الداعى للزمن
فالأيام تمر
والسنوات تمر
والقرون تمر
وغير ذلك
على خلاف المعهود ينطق الحجر
عبر الهواء وعبر أعضائك
الفرق بينك وبينه لاشئ
لأنكما حجران رائعان
يظنان أن الواقف هناك ينتظرهما
غير أنه لا يحدث
سوى
أن نستدعى خيالاتنا
قبل صنع السينما بكثير
وقبل أن يتهيأ البشر
للتحدث إلى الآلات ..
..
وإن كان عندما تحتاج صحبة
تخرجها منك وتجلسها قبالتك
عند ذلك ترى
الشمس
و
القمر
يتواثبان أمامك كإلاهين ..
..
7
..
ذلك العالم الرحب
بوسعك أن تصادق ما لا يتمنى البشر
مصادقته
العالم الموغل فى الغرابة
لحظة الفرح ولحظة السرور
بحار ومحيطات هادرة
أنهار بعضها يتهادى
كأنما كأس بيدك
هو المستفيض على الدوام
تلج ثم الخياط
ترى العالم الأكبر
يزداد اتساعا كلما خطوت خطوة ..
تغلق عينيك وتبصر بقلبك
تخطو لا يهم تحريك قدميك ..
المدائن التى هناك تأتى
بكل مافيها من أرق وحزن وفرح
بأناسها
.
بينما يتجه العالم للخارج
أتجه للداخل
..
8
..
الآن صدقونى
إذا قلت أننى أجلس معها بل أنا
الآن
هى
وهى أنا
فى ظل ذلك ماذا نحتاج
فى يومنا عتمة مباركة
صمت صاخب
منذ بدء الخليقة أحجار
تذوب رقة
قبَّلْتُنِى على أعتاب محبوبى
قلت يا أنا أين أنا
وأيناى أنا
هل من تهواه نفسه هو
هل من تهواه نفسى أنا
..
9
..
وكما تستجيب لنداءاتنا الأرض
تستجيب السماء
ليس هناك سوى ما ينتاب البشر عادة
من وصف أو خسارة أو حقائق
وهى غير ذلك
ليست سوى خيالات تلك الكائنات
والخيالات تتطلب ذلك أحيانا
حتى الأفكار نفسها تستطيع أن تروضها
الفارق عند تمام عقلك يحدث ،
وتتقبل فهمك لتلك الأمور
ولعدة أسباب تلك الكلمات
الغير خاضعة أساسا لعقل تحتاج إلى تأويل
يكفى أو لا يكفى
وما بينهما
تلك الروح الحائرة
لا باختلاط أسئلة فى صندوق
أودعناها ذات يوم
وعلى غير المعهود من وصف آخرين
كما لا يهم وصفها
هنا يحدث على اعتبار أن ما تطلب
كالفيض على الموجودات على سبيل المثال
ولا ماديات بالطبع
خلاصة الرأى
مهما تناولنا حياكة الكلمات
تظل مبعثرة فى فمنا
يلمها صاحب عقل فى طريقه
للجنون
ربما ينجو بفعل الوحدانية
و
حملتُنِى فى أجوائى
فرأيتُنِى خفيفا خفيفا
عكس ما تراه
إذا نظرت بعينك الدنيوية
وعكس عكس ما تراه - إذا رأيت -
و
أنت لم تر سوى
جزء من كل
بل
جزء مجزء من جزء
ولا كل ..
..
10
..
ماذا يفعل فى الوحل
من يغوص قدمه على حجر
لم نبتت روحى
فى عالم غامض ينتظرنى
وأنا أسير فى شوارع الفقر
حيث عثرت على ذلك السر
.
أنا حزين
لأن تلك الليونة لم تكن سعادة
لا حياة لكاتب السيرة غير ما يكتب
وكلما فاض الإناء نضح
ببكاء حامض
.
أخبرنى بمعاناتك
عندما تمشى
يلين تحت قدمك
حجر عثرة فى الطريق
.
الجميل أن
الريح أحيانا مقدمات لحزن طويل
ها أنت تعوى كريح
.
انت ابن موت إلى موت
وتلك الأسئلة تأتى متأخرة
تتخيل أن لها إجابة
كم تحمل أقداما لا تستحق حيث
فاضت عليك البركات فكانت جوانبك المضاءة
نور على نور
.
المقدر بآياتك بعدما فارقت الدنيا يكون
.
أحيانا ينتابنى الشعور باليأس
كيف أفسد هذا العالم الجميل
لو لم أكن ظلا لما يحدث فيه
الملاعق فى الطبق
السكين على المائدة
والشئ الوحيد المفتقد
برتقالة هاربة تحت السرير
..
11
..
تاهت السنون مذ بدأت أفقد الذاكرة
كنت أدعوها يا.....
وهى تدعونى ......
لا أتذكر هذه الاسماء
أقمت فى حى البساتين
وعملت فى مصنع نسيج
لكنما التأميم أجبرنى على هجرة الحياة
حتى جاءت النكسة
المهم
أن الهزائم انتقلت لك بالوراثة
التلبس أحيانا بأشخاص آخرين
يجعل الحياة صعبة
عند ذلك تتوالى النكسات
الخريف برتقالة عطنة
حتى الموقد لا نار ولا دخان
اخترعت ما يوصل الفصول ببعضها
فى الساعة الواحدة يزورنى الربيع
بعد خمس دقائق أملّ كما يمل الصيف
استبدله بالشتاء
أعشق المطر لكنما أكره البرد
الغطاءات لا تكفى
بعد عدة دقائق أجر قدمى
إلى أن تيبست
أصبحت بعدها خارج الفصول
تكلست الثلوج بداخلى
ورغم ذلك هناك إصبع مازال
يتحرك فى الخفاء بعيدا عن عين
قط أليف
فى صوته تلك المجرة التائهة وهو ينادى يا ....
غريق يبحث عن إلفه
كانت يا... مشغولة فى عدة بلاطات متخلخلة
فى الغرفة المجاورة قال عنها ضرير
هنا مقبرة يا.....
وكان يردد لا تراعى نحن أيضا مثلهم ........
لماذا تبدأ الذاكرة بالإضاءة
التذكر أحيانا يبعث البهجة
مما يؤلم
ورغم أن يا ..... وأنا روحان إلا أن
أسماءنا الكثيرة مكتوبة على جدران المقابر
فى مقابر البساتين أودعتها
فى مقابر البساتين لم يكن لها اسم
تنفذ عينك من خلال قطها الأليف
وترى
تحولات الهزائم لم تغادرنا
وذلك الضرير بعد سنوات كثيرة
كان أحد بصرا ..
..
12
..
وتبقى معلقا على حبال الآخرين
تنتظر الوهم وما يشعلك
تحترق غير أن حيوات تستضيفها
المؤسف أنها تعطلك عن ممارسة الحياة
كل ما نرغبه التوهج
لا ضير أنهم فى النهايات أو ما بعدها
وما يريبك أن الوهم يصبح حقيقة
تجعل مفاصلك كمُقعد فى انتظارها
وعلى محفة روحك تسير إليها
كالغريق يمسك بقشة
والبعير تقسمه قشة
والإبرة فى كومة قش لا ترى
حتى المشاكسات ما بين الديكة
لا صدى سوى الدماء
وهى تتناثر على مساحة الأفق
كزجاج ملون
وغالبا تتناثر شظايا الجثث فى مقدمة العربات
.
لم يكن العدم غير تلك الحياة
لم يكن العدم سوى المعيشة معهم
لم يكن العدم غير اللجوء إلى نص
فى أتونه تعيش
المهم
تتلبسك حياتهم فلا تستطيع التفرقة
بين حياتك وحياة الآخرين
.
فى عراء النفس
سوف تتذكر الله
وسوف تحن لأيامك الأولى
وتقول عنها
يا ابتلاءاتى أنا بك
لذا فى عربة الحياة
كن واثقا أنك فى التدنى
تنظر دماءك وآذان الفجر مترافقان
تلك هى صلوات الحب
دماء وابتلاءات وشجن
أن تدرك أن النظر إليها هو عين الحب
لا يفجؤك الفجر
ولا انثيال شعرها على مخدة النيران
وانت تعبث بأجزائها
تظن أنها لك
تظن أنها بك
تظن أنها هى
وهى ليست سوى قناع للعدم المحض
.
لم يكن العدم غيرك أيها الشاعر
لم يكن العدم غير الحبيبة
وهى بين يديك
تبحر فيها وهى بحر من الظلام
..
13
..
ولتتأمل العبارة فى
الأماكن التى ربما لا تأتى منها كل تلك الأشياء التى ليست لها معنى سوى أنك لن تهدأ مطلقا ولن يُظن أبدا أنك كنت هنا وبالرغم من ذلك تترك أثرا ..
عبارة عن خطوات فى خيال الصخور والتراب وعلى سحب السماء وكلما حضر ظل الرعد وذلك البرق ، من يسبق الآخر إلى حيث ينتظر الجميع ودوما إلى التراب نعود ومن المؤكد أن تلك الرحلات فى الكتابات ما هى إلا نثيث روح يحفها الظمأ وفى يديها الماء لا هى شربت ولا هى ارتوت ..
أنت فى الريح البارد شجرة وتفاحة جوعى ، وهْم لأشخاص أخذوا مواضعنا وعلى كل حال ما هى إلا موتة نقوم منها أكثر توحشا ويليق بنا ما يفعل الدهر عدا أن الأيام تلتئم جراحاتها وما يهلكنا غير الطمع فى استرداد حياتنا الاولى على نحو جيد .. من عادوا إلى طبائعهم
كما ظنك بهؤلاء المحبوبين
فمن كان من نور فهو نور
ومن كان من ذهب فهو ذهب
ومن كان من تراب فهو تراب ..
ويا هذا ليس عليك جناح ولا مأثم إذا تخليتُ عنك وتخليتَ عنك فلا أنا أنا ولا أنت أنت .. ولذا لم يصادفك غير أحجار الخليقة وهى تتشكل وتعطى الألوان أسماءها والعطور أزهارها والزهور رائحتك .. خلق من خلق وخلق من لا خلق ما يكون على الدوام وما بينهما النقوش الغريبة والححب المستعصية هل تراها سترتنى عنها سترتها عنى أم فى مقام بين بين .. أم أن الرؤية ضاقت ثم اتسعت ثم ضاقت علىّ العبارة ..
وإذا تخليت عن زمنك وتخلى الزمن عنك فأين تكون ..
..
14
..
من بالداخل
هؤلاء الأموات
لماذا لا يرحلون
المدهش
أنك فى الشارع لا تستطيع المراوغة مع الهواء
ما يحدث فى مكنون سرك
من جعل ما للموتى للأحياء
وما للأحياء للموتى
يجعلهم فرحين ..
..
كمن يحمل أطنانا من حديد البنايات
بمنازلهم ومدنهم
وهى طبق الأصل
أينما كنت يتحركون فى ثقل
..
منا من يعرف ومنا من لا يعرف ..
من عاشوا حيوات كثيرة داخلك
وخارجك
وأنت تخطب فيهم :
أيها الموتى امنحونى هداة
أنا ميت أيضا والجمع كثير
وكلنا على مشارف الرحيل مقيمون دائمون ..
..
المعاناة أحيانا تقرب وتبعد
أخبرنى أيها الميت من كان أقرب منهم لك
والسمع بلا أذن ولا كلام
هل تعد بأن وإلى نهاية الطريق
تظل يدانا مترافقتين
دون أن يقطعها المسرعون إلى حتفهم أو قراهم
أو متجولون لا يلوون على شئ
ولم يقرروا بعد متى الميعاد
الانضمام إليهم رغبة ومحبة
وضعها الراسخون فى الملكوت ..
وتلك المقرنصات
غير أن المشاهد تترى ،
زمن يتداخل فى زمن ،
ويفر من زمن
ويتراجع عن زمن ..
..
15
..
وعلى ذلك
أظل فى شوارع شرسة
كمقاتل مهزوم
لأيام
لا يلاقينى فيها غير الموت
ولا شاهد زور يعرف سعادتى
بما يتبقى منى
وبقدر ما تلتهمك نظرة وابتسامة
فى غير موعدها
تعود ذلك المقاتل الشرس الذى
علق رايته على قلعة خاوية
وأد كل سكانها بال ددت ..
..
جعلتنى فتوحاتى فى آخر الأروقة
كآخر ملوك الطوائف
ذلك النصر الصامت الممل بمجرد أن ينتهى
يتجمع الطغاة
أكون قد صنعت عجينة الصراصير الألمانية
لإبادة ما يتبقى
وعموما اذا غيرت رأيى
أكون فى آخر الأمر - أنا البطل الشجاع -
بمهارة شخصية
صنعت عالمى المفضل ..
..
16
..
وحين أرى شوارعى الخلفية
لا ينتابنى الاحساس بأنها تتبدل وتتغير
أراها كما هى
المناظر القديمة تتراكم فى شخصى الآخر
لا بعين طفل فى شخصى الآن
وما بين عدة أشخاص يسكنوننى
يتوالد أشخاص كثيرون لا أعرفهم
أتوه فى وسطهم
كخطيئة لا يغفرها الرب
ولا الحبيبة
يا طالما شكوت وحدتى
فى وجود هؤلاء
لمسافة لا تكفى سفر نجم
كل ما يفعله الجلوس فى شمسه الحارقة
..
17
..
كأجواء وصفية ومرايا
مما يتيح الكتابة وفرض ما تراه على واقع
وما لا تراه مهمل
يهم الآخرين أن يظل على السطح
التهم تستفزك كأنك فعلت
الاعتقاد أحيانا موطن اتهام ولا رد لك
التناقض أيضا مفتوح على جانبى العقل
وما القلب إلا مضخة
ومع ذلك
قلوبنا المبصرة طى السكون
الولوج بالقلب لا يحتاج لتفاسير
ولا لشهود
أنت ترى وكفى
يا هذا :
العقول المبصرة كالقلوب المبصرة
الفيض أحيانا يبرر صدور الكثرة
وأنت كثير
مع أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد
..
18
..
سأنتظرك أمام ماكينة الصرف
يوم الثلاثاء القادم
على بحر المراثى
لماذا ذلك الموعد
لأنه لن يحضر أحد
ولن يأتى أحد
وحتى أكتب ذلك النص
.
أمام ماكينة الصرف أرى انعكاس وجهك
وهى تنتقى الأرقام بعناية
ويدك المدربة تنغرس فى لحمها الحديدى
السعادة أحيانا أن تكون ماكينة صرف
تنغرس فيك أظافرها
تشعر باللذة والألم
.
لا أشياء مجانية
البحر الطويل كسلوك الدرب بين جبلين
بحر الحزانى فيه جثث طازجة
وشعراء ميتون
أهوال الشعراء فى التمام
ونواقصهم فيمن حولهم
وأمواجه رائحة وغادية
.
ألقيت نفسى فيه
فإذا بى بين قبض وبسط
وها أنا أنشد على بصيرة
مرتقاى الصعب
فى سمائى وأرضى
ذاتى ليست ذاتى
أواجه من لا يواجه
.
على مشارف بحر المراثى
كان الشعراء
ليوبولد فون ساشر ماسوش *
ظل يعانى من ذلك الألم
ظلت سيدة المعطف أيضا أمام ماكينة الصرف
تحاول خلق ذلك الجدال
..
هامش
* روائى نمساوى
19
..
وأنا أيضا
فى موقف ما
كذلك الصحو
أتجول بين القبض والبسط
لا تفارقنى لذة الإثم
تمر قطارات النوم معبأة بصرخاتى
أعانى منى ومن آثار الضلال
لا أهتدى لطريق ولا لمعرفة
ولا حطبى
يجيد المسك بشرارتها الطائرة
تنفرط ذاتى
لا ألوم غيرى ولا ألومها
أنا الفريد الفريد
غير قادر على جمع فردانيتى
والطريد من محبتها على وعد
كله وعيد
أمسك عصافير مياه فى ليلة قيظ
فيمتلئ كأسى بما هو دون
عالق بين القبض والبسط فى أمر ما
ومائل للقبض دون شبهة
وإلى البسط أقرب كلما شربت
أغيب عن صفاتى بصفاتها
وأدرك أن ليلى طويل
وأن النهار لن يخرج منى
..
20
..
وإذا خرج ذلك الشخص
انحجبت نفسى عن الكون
نفسى البريئة العاصية ،
وهى تظن إن كل هؤلاء الفانين
نائمين
وتلك الغربة الغريبة
ما كانت فى قلب كاتبها
تعيش حياة بلا سيرة
يبحث عنها كل غريب
.
الجماد أحيانا يرقى لمستوى الروح
إذا لامسه كاتب
انتقال الشعور إلى ذلك الحد
يعنى أننا فى الطريق الصحيح
لنهاية صحيحة
تهرسها خيول بأجنحة من فولاذ
وحوافر من قصدير
ونحاس
.
تتجمع عدة سحابات بفوضوية
تحس برطوبة الماء
كما أن أسنانها البيض فى روحك
كحليب الناقة
على الرغم من أن من هجروك
ماتزال عصيهم عليك
.
هل تعرف تلك النهايات
ما هى إلا نزف بحرارة الجسد
لتفارق من أحببت
تتقطع خيوطها مع أرواح أخرى
فى مدينة الرخام
صرت ملتصقا بوجه واحد
له عدة وجوه
تظل روحك تبحث عن حجرها
وهى تحسب الحجر ماء
..
21
..
وسواء مرت أزمان كثيرة
لا تعنى أن
أروقة من خيال محض
تسير بنا
غير أن هدفا ما
مازال يلوح فى أفق كله غبار
..
كلنا غائبون عن الوعى
ما يضرك أن الحياة غائبة معهم
فلا تستطيع سماع تنفسك
وبالرغم من أننا شهود
لكننا لم نر
حتى شاهد الزور ترك عنوانه ومضى
وأنت تحتفلين لا أشهد
من يقتاتون على تنفسك الأخير
..
الفائض من البكاء نهر
على ضفتيه ممشى يشبه ما كنا فيه
هناك تلك المبهمات تلوح
ولا نعرف كيف نلقاها بلا وسيط
كما تلك الأسلاك التى نصنعها عادة
لسريان كهرباء إلى غرفة إنعاش
..
وكانت تسأل :
ما ضرك أن تسلخ بعد ذبحك
وكنت أقول :
ما ضرنى غيرك
تلك المحبة القاتلة عمل يدى
وتلك الحواس الواهية
انا الضرير أقودنى إليك يا ....
نور على القلب أتلفظ به وحناء على الشعر يسلبنا الوعى وذلك الطيب فى القماش الأبيض وهذه الأشجار والصبارات وأزهار خيوط النسيج ..
فى بورسعيد سكنت حى المناخ وكان مصنعى قريبا .. ومع ذلك كانت روحى هناك يا ...
تجولت فى البلاد وفقدتنى فى البلاد وعندما أنجبت مرة أخرى عشت حياة ثانية ..
وكانت البلاد تشبه بعضها
..
الداخل من الهواء لا يكفى
أنا أموت وليس لى أسف
لم أكن على عرشى
ولم أكن على ماء
ما ضرنى السلخ
بل ضرنى محاولة احتوائك
وأنت غيمة فى خيمة الرب
..
22
..
عندما أدخل بيتى وأشرب شايك بسكر كثير وماءك من دورق بلاستيكى فى الشرفة وآكل من يدك الشهية
أراك هيأة
وأنام بجانبك
أمارس حياتى العادية سعيد بما لا يراه غيرى ، جوهرنا فى مادة لامرئية ولا غير ذلك وكلما مضيت تركت بصمة
جثة هنا وجثة هناك ..
كيف لكل تلك الفجائع تكفى الأيام ، وصامد قلبى يكفى أنك معى أينما حللت ليس الإنسان جثة هكذا أعنى بل كل ما يمكن إتيانه من ذرات تعلق بالروح وتحتفظ بملامحنا بما تلتقطه من أدران تنتهى بمجرد اختفاء الجسد حتى لو كانت مغبشة تعود ..
لذا
لا يسعنى الانتقال من زمنك الخارج عن الزمن
أعوام كثيرة أنتقل من كفك إلى كفك إلى شعرك إلى قدميك إلى أجزائك تائه فى جغرافيتك أحسب كفيك صدرك أحسب قدميك جوهرك المكنون هكذا هو الحب لا غير
من يؤمن أنى فى وحدانيتى لست وحيدا ،
وحين أنام معك أشهد جواهرك الخمس النوم صحو لمن لا يهدأ عقله اليقظ ويسرنى تفردك على سائر الموجودات أنت واجبة الوجود لحياتى الضائعة فى قصاصات بها كلمات أصابعى ذات يوم كانت لى وأصبحت لك
بقلمى الرصاص
كانت تكتب : أحبك ..
..
23
..
على أى حال أنا أيضا كذلك
من خلالها أسترد وعيى
أقوم لاحقا على صوتك المعدنى
عبر أسلاك هاتف قديم ،
المسافة تلك
أقل من مليمترات تقع منها سماوات
بأنفس حرة كندائى على طير من وراء جبل
يأتى الطير إلى كفى
يقينى اننى فى ملكوتك الأعلى كهذا الطير
القصاصات تتيح لزمن متجول
يحكم مسافةً لا تتغير ..
مُسَيَّرٌ أم مُخَيرٌ لا يهم
أسير فى النوم اليقظ
أعبئ زجاجات الماء نوما يقظا
وأحلام يقظة
وأمانٍ تستيقظ من خد وردة
لا هى الأرض ولا هى السماء
أشرب رؤياي
من رأس كسلة مهملات لكل ماهو جميل
ولا يعرفه البشر
ذلك الصوت المعدنى عبر أسلاك الهاتف
ما هو إلا قصاصات نكتبها ونسمعها
وقتما ينفض ظلامنا الأبدى عن
نور يا نور
..
24
..
كان اسمها "نور" وكان يدعوها "نوال"
فى زمن كانت أسماء أمهاتنا فى أمان
من يعرف اسم الأم
يستطيع أن يغير مجرى الحياة
هكذا كانوا يعتقدون
وكانا يعتقدان أن الأعمال السحرية
يمكن أن تكون أو لا تكون
وبنظرة لى انسحب الوميض
منه ومنها لقلبى
أنا كائن علاقة لم يمسها اعتقاد خاطئ
..
رأيت أبى فى طفلى
ورأيتنى فى أبى
الذى تجول فى البلاد فلم تعطه
وزرع سلالة موتاه
سلالة للموت والتربع على عرشه
أكتشف فى النهاية
أنا
روحه التى تكتب
..
- وهل كنتَ متواجدا معهما
- لا
- كنت فى الغيب
وكانا يحكيان لى
كيف أن "آمال" وذلك اسمها
أول البخت
والفرحة الأولى
وتتمة المحبة
فى رحيلهم
تحولوا إلى ضجيج بداخلنا
حتى أن ....
- تلك الحياة تكتبنا
وما أنت إلا مسودة
مارقة من الوجود المرئى
- نعم للأسف ....
..
25
..
وقال لها يا نوال :
عاصفة قلبى أشد
اجترار الذكريات على نحو ما
يقتلنى
انا لا أستطيع أن أعيد الزمن فأتحاشى ما كان
لكننى فى غالب الأحوال
أعيد صياغة الحدث
الزوايا المتعددة لعيون كثيرة
تصب فىّ
من المنطقة العمياء أرى ما لا يمكن أن يُرى
- لن تر إلا بوجه مختفٍ لا تابعا لأحد ولا تتبع أحدا
من وضع العالم فى كفك ونحن لا نريده
كم فكرنا فى إنهاء حياتنا
لكننا فضلنا أن نموت بأيدهم
يحسن أن نتحمل قليلا ونصاحب الألم
ذلك أفضل جدا
- لا حدود لغضبى
ماذا يمكن أن أفعل
وأنا كتوم ومتحامل على نفسى
ومن أكلوا مالى
ومن شربوا دمى
ومن مضغوا لحمى يحتفلون
أنا الخائف منهم على أبنائى
أتكلم معهم أتفهم أنهم ما زالوا أطفالا
الهؤلاء أسوأ البشر
وأبنائى طيبون
أكاد أنفجر
- فى الأصل يجب أن نكون ملائكيين
لكننا تحولنا إلى أحجار نيزك
تحَملنا غربة البلاد
وما عاد لنا غير الفاتحة
- الفاتحة يا نوال
الفاتحة
..
26
..
فى الفاتحة
فتحت قلبى فإذا هو نور
لم يغب ضوؤك عنى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . لم أزل
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . وقد كنت
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . وهكذا أرجو
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ . نعم وأقر
إِيَّاكَ نَعْبُدُ . مؤكد لى
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ . لا غيرك أبدا
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . توجهنا بالقلب
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ . أنا منهم
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ . لست منهم
وَلَا الضَّالِّينَ . نتوجه لك
آمين
آمين
وهكذا أمضى فى وحدتى بلا وحدة
على شاطىء بحر الطويل
أدندن :
وَلَمَّا انقضى صَحوي تَقاضَيتُ وَصلَها
وَلَم يغشَني في بَسطِها قَبضُ خَشيَةِ
وما نالَ شيئاً منهُ غيري سوى فتىً
على قَدَمي في القبضِ والبسطِ ما فتي *
- هل انتهيت
- لا
وكيف أنتهى
ومازلت أدندن حولها
.
* هامش
الأبيات لابن الفارض
..
27
..
لم يكن ليَهم
ولأعوام أخرى
غير أن المزايا بعضها ردئ
وجيد ما صنع الرب
وكان حسنا
أن سمح بوقوفنا
على أرض كلها ضلال
فى المرة القادمة
سوف أرتقى صخرة
سأحاول أن أرسل ندائى
بصوت أكثر صخب
فى استبدال أشخاصنا
بأشخاص أكثر جدية
فى مهوى أكثر روعة
وأكثر كآبة
من وجودٍ محض صدفة
خارج تاريخ يكتبه المزيفون
لم يكن ليمنعنا النضج
أو يمنحنا الكشف
وكذا نسير من قرية إلى قرية
بهدوء مريب
آخذ حمارتى العرجاء
وجُبَّتى
وأرحل
ولكى نسقط سريعا نحتاج
لفاتحة جديدة
برفقة الموت ونحن صاحبان
عرجنا على نهر يشبه الجحيم
الدخول الى أرض أخرى بمثابة
إعلان حرب
ولتحتفلى يا روحى بالعدم
..
ديوان
حياة كاتب السيرة
( الفاتحة يا نوال )
صلاح عبد العزيز
الزقازيق
فبراير/ مارس 2022