وداد معروف - ساكنةُ الخُصِّ..

انحرف عم ربيع بحنطوره ناحية منزل ترابي، يؤدي إلى خُصِّ الشيخِ يونُس, نزل من عربة الحنطور ثلاثُ سيدات أنيقات, تشي ملامحهن أنهن لسن من قرية الشيخ يونس؛ هذا ليس اسمها ولكن شهرة الشيخ غلبت اسم قريتنا (ميت العز) فقد ذاع صيته في محافظتنا هذه وربما المحافظة التي تجاورنا أيضا, له ما يقارب الثلاثين عاما هنا، في هذا الخص المطل على النيل, وضعه على أرض ردمها في النيل واستقر فيه, الحقيقة موقعه ساحر فمنه للنيل مباشرة ولا يجاوره أحد, لكنه في الليل مخيف هكذا أشعر به, لكن ما سمعته من أمي جعلني أعرف أنه متصالح معهم, هم الذين كلما جاء ذكرهم قالت أمي "بسم الله الرحمن الرحيم" وتفلت في عب جلبابها, ثم تقول لي: والله يا ابني هم وجه السعد عليه, من يوم أن لبسوا جسده وأصبح لديه بدلا من العمارة عمارتان, هذا بخلاف مصنعي الجبن هنا في القرية وفي المركز أيضا.
- قلت لأمي: لكنه لا يسكن في أيهما, كيف يفضل هذا الخص عليهما؟
- عهد يا صفوت أخذوه عليه - أن يظل في نفس المكان الذي حمل فيه جسد خالتك سعدية - هكذا كان اسمها- قبل أن يحمل جسدها الشيخ يونس ساعة أن تلبَّسها.
يوميا أشاهد أنا وأمي الوفود التي يحملها عم ربيع وعم طلبة في حنطوريهما إليه, أصبحت وظيفتي أن أدل المريدين على الخص.
- قلت لها: ألم يجد أبي إلا هذا المكان ليكون بيتنا وحظيرة مواشينا أيضا! كلما جلست في مدخل المنزل الواطئ المؤدي إلي الخص لا أكف عن الإشارة والكلام للمريدين وأصحاب الأعذار, طلبت مني كثيرا أن أعمل لديها, أسجل الداخلين لها وأنظمهم, لكني رفضت.
- لماذا رفضت, كنا سنغرق في خيرها يا ولد
- لا ..لا, شيخ الجامع يقول إن مالها حرام
- لماذا تلبس الشيخ يونس خالتي سعدية من دون نساء ميت العز؟
- قالت لي أمي بصوت هامس كأنه سيسمعها: حينما كانت تغسل الملابس ليلا في النيل؛ تهجمت على مملكتهم, فعادت ثم عادوا وحذروها, لكنها لم ترتدع, فسكن الشيخ يونس جسدها, شاغبها كثيرا, قهرها وشغلها عن خدمة أولادها,
- كيف قهرها؟
- كانت تبرك في فراشها مهدودة من التشنجات العنيفة التي كانت تتعرض لها أثناء حضوره عليها
- وهل ما زالت على تلك الحال؟
- لا, تصالحا، وعالج فقرها، وعلمها تفسير الأحلام، وقياس الأثر. وهاهم الثلاث نسوة يقتربن منا, ويشيرون إليك.
- بادرهم صفوت قائلا: أتريدون خص الشيخ يونس؟
- قالت إحداهن: نعم يا بني
- هناك على طرف الطرح تحت شجرة الكافور
- تعالَ معنا أحذيتنا كعبها مدبب ونخشى السقوط في النهر, هكذا قالت أطولهن قامة.
- أشارت أمي إليَّ قائلة: كن معهن يا بني, ضيوف الشيخ يونس ضيوفنا، اصطحبهم إلى الخص.
استقبلتهن مساعدة الشيخ يونس, وأجلستهن على الوسائد الملقاة على الحصير, وبدأ الهمس فأصَختُ له سمعي, عرفت أن النساء الثلاث زميلات عمل, كلهن يعملن في مصنع واحد, أطولهن تحمل في حقيبتها (فانلة) زوجها التي تعرق فيها, كما أوصتها من دلتها على الشيخ يونس, حتى يتمكن من قياس أثره، ويعمل له عملا بحبها,- معروف عن الشيخ في قريتنا أنه لا يعمل إلا أعمال الحب لذا يدافع عنه أهل قريتنا دائما- أما الوسطى حجما وطولا ستقص عليها الكابوس الذي تكرر عليها كثيرا وأزعجها؛ فقد رأت في المنام أن زوجها يقتلها ويرمى جثتها في البحر, لكنها لم تمت؛ تظل تصارع الأمواج حتى تستيقظ وهي كذلك, أما المرأة الثالثة فكان حلمها أعجب, رأت أن رأسها انشطر نصفين وخرج منه فأر كبير.
أخذني الشغف لأعرف ماذا سيقول لهم الشيخ يونس, صممت أن أدخل معهن بأية طريقة, غافلت مساعدة الشيخ يونس وتسربت وسطهن وهن يدخلن حجرة الشيخ, وجدتها خالتي سعدية تلبس الأبيض من رأسها حتى قدميها, جالسة على فراش وثير من القطيفة, رائحة البخور تملأ الحجرة, نادت على الثلاث نسوة بأسمائهن دون أن يعرِّفنها بأنفسهن, رحبت بهن قائلة: نوركم هل وبان يا نسوان, أخرجي أثر زوجك من الحقيبة يا أسماء, اندهشت أسماء وفتحت فمها وحملقت فيها, فرفع الشيخ يونس صوته قائلا: بسرعة يا شابة ليس لدينا وقت للبحلقة.
أعطتها أسماء (الفانلة) وانتظرت ما سيكون!
أخذها الشيخ يونس وقال: أعرف أنه لا يطيق النظر في وجهك, شايفك قردة وأنت قمر, ظالمك يا بنيتي, قرأَت على الأثر وغمغمت بكلام غير مفهوم, وأعادته إليها مع لفافة بها خليط من عين العفريت والصليب الهندي, كما ذكرته لها وأمرتها أن تدفع ثمنهما لمساعدتها بالخارج, ثم أردفت: أسبوع فقط وستجدينه خاتما في إصبعك, أو مداسا في قدمك إذا أحببت (واوعى تنسي الحلاوة).
بلهفة قالت أسماء: أوامرك يا شيخ يونس كلها مجابة من عيني اليمنى قبل عيني اليسرى, أكبر حلاوة لو تم المراد.
توجه الشيخ يونس للوسطى حجما وطولا قائلا: ما زلت يا مديحة ترين نفس الكابوس, قتلك كم مرة حتى الآن؟
كثيرا كثيرا يا سيدنا الشيخ, أعصابي تلفت من هذا الكابوس, كرهت زوجي وأثر هذا الكابوس على علاقتي معه, وهذا ما جاء بي إليك.
اطمئني يا مديحة, القتل في المنام خيرٌ ستنا ليه من زوجك, أنت حامل يا مديحة.
حين قالت ذلك كأنها أطلقت قنبلة, ردت مديحة على الفور: حامل, من أعلمك؟
غضبت خالتي سعدية وقالت, العفو منك يا شيخ يونس, جاهلة ولا تعرف قدرك, نعم حامل وفي بطنك ولد ذكر سيكون واسع الرزق كما البحر, أليس هذا الكابوس من ثلاثة أشهر وهو يعاودك؟
نعم يا سيدنا الشيخ, حوالى ثلاثة أشهر يتكرر عليَّ.
نظرت إليها الشيخة وقالت: اعتذري للشيخ يونس عن شكك في علمه.
العذر العذر يا شيخ يونس, (سرك باتع) وتأكدت منه الآن.
التفتت مديحة لصويحباتها وضحكت فرِحةً أن تفسير الحلم هكذا, فضحكن؛ فضحكت لضحكهن, وهنا تنبهت الشيخ يونس لي وقال: ولد يا صفوت.. ما الذي حشرك وسط الحريم, اخرجْ خيبةُ اللهِ عليك.
خرجت وأنا مَغيظ كنت أتشوق لمعرفة مصيرِ الفأرِ الذي انشق عنه دماغ الست سميرة.


وداد معروف
من مجموعة مس كليوباترا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى