عبد النور الهنداوي - ولادات نادرة لتاريخنا.. تعذيب الذاكرة / تعذيب الحلم / تعذيب الهواء

..الصدفة ضرورية جداً لإنقاذ التاريخ .
ضرورية لإعادة التوازن الذي يطاردنا، حتى غرفنا المغلقة / الممتلئة بالعِظام .
ماذا يحدث لتاريخنا الآن ، ونحن نزحف على بطوننا ،
أو واقفين أمام زمن القتل المفتوح ؟!
ربما في هذه الأيام ، نستعيد ما ذكره الآباء والأجداد ؛
نحن من دون تاريخ إذن نحن من دون خطيئة .
بهذه اللحظات القاتلة ، ربما ونحن نستذكر هؤلاء الآباء،
إنما نعيد بذلك غسل القيم خوفاً من اللوثة التي أحدثتها الصدمة ، التي هي ضرورية جداً لإنقاذ التاريخ
المشكلة الآن ، في تحريك العاصفة الكامنة وراء الأبواب ، طبعاً لأن أحدنا يعتقد أن الزمن يجرّه كما يجرّ الآخرين .
هل نظل هناك في الظلّ البعيد ، أم تظلّ السكيّن منتصبة امام العين ؟!
وبعيداً عن الاشاعات التي تقول : إن تاريخنا يخضع
للنظريات المسنّنة لأنه على علاقة حميمة مع زمن امتلأَ
بالتجاعيد .
هل نقول إن التاريخ سقط في التاريخ ، وبالتالي : علينا إعادة تشكيل اختياراتنا بأصابع غامضة ؟.
المشكلة في تاريخنا ، أنه لا يزال يؤمن بالمطرقة التي
أينعت في ظهورنا ، وبدأت تستعمل ما يكفيها من الدمّ
لتحقيق الذاكرة التي من أجلها نحاول استعادة ما تبقّى
من الحطام.
لا مكان للصدفة إذاً ، أو للهلع من استقبال الحديث عن
صقيع حاول جاهداً أن يذوب كي تظهر مأساوية العراء!
الشاعر يكتب قصيدته لتنظيف وتنقية التاريخ ، والروائي ليس احسن حالاً من الشاعر، فهو يريد تنظيف التاريخ بكلتا يديه ،
وايضا القاص والمسرحي، كلّهم كلّهم يعتبرون أنفسهم
مرايا / لكن لا يعتبرون أنفسهم أمواتاً .
كيف لنا الهروب من جثثنا ، وإصرارنا أننا لم نعلن بعد
عن وفاة الحياة!
كثيراً ما كتبنا عن الفضائح كي لا تتحوّل الأزهار إلى
ضحايا.. فنحن أبناء تاريح امتلأ بالوحوش ، لنحولها
إلى آلهة ناطقة .
ماذا يحدث للتاريخ حين يرتطم بنفسه ليجرّدنا من
الخوف ولو تسلّلاً إليه حتى ونحن نيام ؟
قلت لأحدهم: إنّ السيدة أمريكا ستجرّد العرب كل العرب من وظيفة نواطير الصحراء ، ويتعاملون مع
كل العرب على انهم جثث لا تشيخ .
وتعتزّ أنّ ما فعلته " بهيروشيما " مثلاً انها وضعت
حدّاً نهائياً لذلك التاريخ الوقح .
تاريخنا العربي، اعتاد على أخذ الأقراص المهدّئة ، لأنه
أكبر من أي شيء فينا .
الهزائم العربية لا زالت في طورها الخديج، وأيضاً الإبداع العربي عليه أن يهيل التراب على وجههِ وأن يظلّ كسولاً ولا مبالياً كما لو انه عبارة عن قِطَعٍ فُصِلَت
عن بعضها البعض بالسكاكين أو بالقبضات.
المطلوب من العربيّ اليوم، أن يرتدي الحرائق ، والخروج من تاريخ الآلهة والدخول في تاريخ البشر ، لأن أرواح العرب تبحث عبثاً عن ملابسها الداخلية.
من هو الذي أعطى الغرب صلاحية تحطيم أفواهنا؟
إنها بالتأكيد الأيدي العربية الساخنة وقد أصبحت طاعنة في السن لتوقف العماء الذي في داخلها .
" إننا نلحق الأذى بالله " لأننا مُنعنا من البكاء على أرصفة الامم ، والله قرّر منذ زمن بعيد - أنْ لنْ -
يسمح لدموعنا أن تركض بعد الآن وراء الملاعق. وكأن
أصابع التاريخ، تاريخ العرب طبعاً ، محصّنة ضدّ البكاء
الذي تحدثت عنه ، بعد ان تحولنا جميعا إلى حيطان
من الرماد لتغطية التفاصيل الساخنة .
في هذه الزحمة الأيديولوجية ، نتدرّب على الرقص مع
المقابر ، وكيف الخناجر تقابل الخناجر ، وكيف لنا
مواجهة دمنا المعبّأ بأكياس النفايات ، أو أكياس الطحين.
ماذا ننتظر من حياتنا الذاهبة إلى الهاوية؟ أكيد أننا
نمتلك إلى مالا نهاية من ثقافة الكراهية بمصاحبة الإيقاع الهستيريّ لموسيقى الهزيمة .
إنها لحظة تقفُ أمام اللحظة // وكأن وضعنا انتهى ،
أو كاد ينتهي لإعادة عِظامنا بعقلانية وبطريقة بنيوية
جديدة نَصِفُها في احاديثنا اننا مدرسة فّذة لتعليم
" نقر الدفوف " .
هل نحن في طريقنا إلى الخراب لأننا أضعنا اتجاهنا
إلى الهيكل؟ أم اننا ما زلنا نراهن على ما خلفتْه داحس والغبراء.
التاريخ العربي ، مثل الإبداع العربي كلاهما يمتلكان ورقة التوت الشاسعة لتغطية الفضائح التي تلازمنا وكأنها قبّعة الشيطان المنسوجة من صوّف القبائل التي
بلغت سن الرشد ، لاعادتنا إلى سن الرشد المغلّف
بجلاتين العزاءات وقبور أجدادنا الأجلّاء لإضاءة الشموع احتفاء بقدوم " ليالينا المِلاح " .
يقولون // إن نهايتنا ، كائنات بدائية ترقص حول
طرائدها، وكأننا مجرّد طرائد " شعرية " في العصر
القديم ، / نقف على الأطلال ونقول لبعضنا: كائنات
عمياء تقابل كائنات عمياء .
تاريخ عربي لأمة عربية من دون هدف ، وكأن الخلل
في تاريخنا ناجم عن الخلل في عبقرية هذه الأمة.
صحيح أن الغيبوبة مهنة العرب ، يقول الغرب : لكن
لا بدّ من استذكار اخطاء الذين قالوا : إن تاريخ العرب
ليس الآن على قيد الحياة .
إذ من الضروريّ أن نبحث عن الهزائم الباردة ، والزمن البارد ، والأيدي الباردة ، من أجل أن لا نظلّ خارج
التاريخ .
فالنصوص التوراتية الآن. هي النصوص الذهبية ، بل
الكراسي الذهبية، حين لم يظل من هذا التاريخ غير
صدأ الروح. وما بين أيدينا إلاّ بقية رثّة لهذا التنافس
المدوّي لنهايتنا .
وكما قلت قبل قليل : ليس من الضروري أن تظل أقدامنا بالمياه الباردة ، لنحصل أو لنقتنع اننا في زمن
عربيّ بارد .
المثقف العربي مثلاً ..مثله مثل التاريخ الذي يكتب فيهِ.
مهمته القصوى ، أن يخرج من جلده الخشبيّ ، ويتسلّق
العشب فقط كي يصل إلى السماء // وانا كعربيّ ، ممتلئ بالصُدَف، عليّ أن ألاحق بما أوتيت ، زواج
الصدفة من الصدفة ، وبهذا اكون قد حققّت مهمة خارقة // زواج الصُدْفة من التاريخ ، لأن كل شيء
داخل التاريخ العربي .. هو اللا معنى!.
وبناء عليه .. ما على اللغة العربية العظيمة، إلاّ أن تحطّم أشياء كثيرة كي نصنع من هذه الهزائم اللانهائية قِطعاً أو نتفاً صغيرة من الحقيقة ، قبل أن
نستبدل أرواحنا ، بأشياء أقلّها " تحويلنا " إلى قطيعٍ
من القِطط الملوّلة !
لقد صار تاريخنا ملازماً للضجر ، وكأن في أعماقه مساحة غير خاضعة للجدل، لالغة ولا استراتيجية ،
" نعهد " بها إلى أناس يسحبون هذا التاريخ من شَعْرهِ
وعِظامه إلى المستنقعات .
في حديث طويل عن تاريخنا ، ولغتنا ، و إبداعنا، وما
قدمناه لهذا العالم .. ثمّة لغة مشتركة، أو تقاطعات مشتركة .. أن لغة الخطاب لدينا، أكثر وأقوى من أي لغة جاءت بها السماء ، حين لم يعد لدينا من الزمن ما
يطأ القلوب ، ويرث قلوب العصافير ، أو قلوب الوحوش
تاريخ بدأ ميتاً ، ويعيش الآن كلوح زجاج ارتطم من علٍ بفيلقٍ من الصخور.. ويقولون : إن الاجزاء المهمّة من تاريخنا، لا زالت داخل الكهوف، وهي الآن بالرمق
الأخير تحاول الارتقاء، ولا بدّ من حالة مستعجلة كي لا
يظل اللاوعي هو المكان اللائق لبقائنا ، وأننا نماذج
متكسّرة من التلوّث البنيويّ في هذا العالم الغارق
بالطيران.. ونحن كائنات " ما " خاضعة للتجربة لا أكثر..
صحيح أننا أنتجنا ثقافة رائعة في يوم ما ، لكننا الآن ،
لم نجد أمكنة حتى على الأرصفة . فملاعقنا التي بين
أيدينا .. تتسوّل الهواء /// والبقية الباقية من حيّرتنا.
لا شيء//
لا شيء لدينا سوى النهايات الغامضة التي تلاحق هذا
التاريخ ، تماماً مثلما نريد رؤية الأمكنة اللامرئية في
هذا الفراغ !.
قد نكون نحن العرب مجرّد أمة تستعمل الماضي مثل
عملية حميميّة مدمّرة .. لذلك نحن وبكل جدارة، دخلنا
في الزمن حفاة كي لا ننكسر، بل كي لا نوقظ قلوبنا
البلهاء.
يبدو أنها كثيرة الأشياء التي تطاردنا ، لاكتشافنا كم هو
معذّب هذا التاريخ ، وكيف تحوّلت هذه الأمة إلى عبيد.
لقد امتلأت وجوهنا بالقشّ، وهذا كل ما تمتلكه أجسادنا، إذ نحن لا نصلح حتى للحظة العار ! لأن كل شيء فينا ، ذاهب إلى كل شيء فيهم ، وما دام هذا الغرب يزحزح أكبر جبال العرب ، ويستطيع أن يرتّب
أرواحنا طبعاً من اجل شموخنا ، وما فعله بديارنا، وإنّ
ذواكرنا صارت هباء منثورا، والأحذية هي التي تقودنا ،
فعلها فعل الأسلحة التي انفقنا عليها ماء عيوننا ، ولم نحلم بما قرأناه عن الأنين الذي يرقد ضاحكاً داخل
الجماجم .
إننا مؤطرون بحيّز سرمديّ نواري به سؤآآآتنا ، وكأننا
كائنات شاردة ، ولا يوقظ هذا الشرود ، سوى حفّار القبور .
اكتب هذا الكلام وانا لست متشائماً ابداً ، لأنني تعرفّت
على الكثير والقليل ، من " دخولنا " في تاريخ عربي
اسمه الفردوس. وبحاجة ماسة إلى القليل من ذاكرة
معذّبة ، وحلم معذّب ، وهواء لا يقلّ تعذيّباً عن زمن صار حفرة للنفايات!
فلا شمس العرب تسطع على الغرب ، ولا اعتقادنا انّ
الصحراء شكّلت سراباً يحملنا فوق ظهره .. "يحمينا "
من بربرية الغرب .
أيادينا التي كانت تشبه الحرية ، ورثت كل هذا الغناء ،
الذي يمجّد التاريخ. واستخدمناه كمن يعضّ على الملح ،
ربما نستعيد أو نتذكّر ما في بطن هذا التاريخ العزيز !.
_ والسلام عليكم ورحمة الله _

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى