د. سيد شعبان - الشربات ياهنية!

أفاقت من نومها والدموع على خديها ؛ كابوس ثقيل جثم على صدرها : قط أسود يقبع خلف الباب ، رأته من ثقب صغير ، ارتعدت، علا صراخها ، لم تجد أمها بجوارها ، رحلت إلى الآخرة ، نادت أباها " أدركت بعد وقت لا تدريه أنها يتيمة الأبوين ، أسرعت فأضاءت المصباح ، آوت إلى سريرها ، من بعيد لمحت صورتها في مرآة " السراحة " غادرت مكانها ، انتصبت واقفة قبالتها ، نظرت وجهها ، حركت خصلات شعرها يمنة ويسرة ، قامت بحركة عفوية أدارت نصف جسدها ، ابتسمت؛ أدركت أنها - ما تزال جميلة - وإن كان بعينيها بعض وطف ، تحسرت أن لم يكن لها بعض مال ؛ فبعض الرجال قد يسلب عقلهم أصفر المعدن لا جمال الوجه !
تذكرت الآن عمرها ، اليوم ذكرى مولدها ، اقتربت من الثلاثين ، تحسرت ؛ بنات خالاتها وعماتها تزوجن ؛ استعادت صورهن وهن يحملن أطفالا مثل فلقة القمر ، وهند ابنة عمها ذات العشرين عاما والتى لم يمض على زواجها سوى خمسة أشهر ، تكورت بطنها أشبه ب "بطيخة " !
كم يؤلمها نظرات زوجة أخيها!
في كل مرة يطرق بيتهم أحد مع أخيها ؛ تحسبه خاطبا ، كانت تصلح من زينتها ، ليس لها مال و لا تعرف طريق العطار ؛ لتضع بعض المساحيق وليصلح بعض ما أفسده الدهر!
كثيرا ما تتعمد أن تقدم الشاي للضيوف !
ليس لها أم ؛ لتثني على مهارتها في الطبيخ ، أو حسن قدها ، وصغر تغرها ، كأنما هما لطفل تجاوز الرضاعة بقليل!
آه لو تعرف سبيلا لخاطبة الحي؟
ولو عرفت بابها ، ما تراها قائلة لها ؟
ومن أين لها بالمال ؛ تدفعه مقابل أن تتحدث مع أمهات الشباب ؟
الحياء سهم قاتل ، كيف لفتاة تتعثر في مشيتها ، أن تطلب مثل هذا ؟
استبد بها القلق أمام المرآة ، فجأة لمعت في ذهنها فكرة ، ستذهب لشيخ المسجد، تعرفه كان أبوها - رحمة الله عليه - يأنس به يضع سره عنده ، تسربت من البيت ،وضعت خمارها على رأسها ، كأنما تخاف أن تراها زوجة أخيها ، دقت باب بيت الشيخ ، كان رجلا يقترب من السبعين ، فتحت لها الباب حفيدته ،عرفته بنفسها ، تذكرها : البنت الهادئة التى حفظت نصف القرآن في عام ، وانقطعت بعد ؛ فقد ماتت أمها !
قصت عليه ذلك الحلم المخيف ، ابتسم في حنو أب ، طمأنها ؛ تلك وساوس شيطان !
في المساء ، وقفت تصلي العشاء ، كان أبوها قد أرسلها لكتاب سيدنا هذا، فجأة دق الباب ؛ إنه مولانا ومعه إدريس ، نعم إدريس ذلك الرجل الأربعيني الذى ماتت زوجته وهي تضع مولودها ، رحب بهما أخوها ، نادى عليها في سرور ، الشربات يا هنية !

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى