أريج محمد أحمد - وقفة مع القاص إدريس علي بابكر ومجموعته القصصية الموسومة بــ (للحزن أجنحة سوداء)

جاء العنوان كمدخل مهم يهييء القاريء قبل الدخول في عوالم المجموعة بطريقة ذكية جدا ومشوقة معتمداً أسلوب الرمزية فالحزن معروف لدينا ولكن منحه اجنحة وتبعاً لها تأتي إمكانية التحليق شكلت عنصر جذب تغلب على سمات الحزن المرتبطة لدى الجميع بالاحباط والانكسار فأصبح من المثير أن يطلع القاريء على هذا المحتوى ليكتشف الى اين يمكن للكاتب أن يأخذنا من خلال اختياره لهكذا عنوان ...
واحد وعشرون قصة قصيرة من عمق المجتمع السوداني الذي يتميز بالتعدد الإثني (العرقي) والتنوع الثقافي والديني والمحكوم بموروث ضخم من العادات والتقاليد المختلفة فكان لابد من الإحاطة بكل هذه الجوانب في هذه السرديات طالما ان انسان هذه المنطقة هو المحور ،لذا من الممكن وصف المجموعة بأنها دائرة كبيرة تتوزع فيها القصص على شكل نقاط في محيطها وتمتد منها خطوط تلتقي عند المركز الذي يمثله الانسان وحياته مما يحيلنا مباشرةً الى السرد الواقعي الذي يحكي الواقع المعاش بكل زخمه في هكذا مجتمع .
ووفقا لماسبق جاءت القصص ثرية جدا ومتنوعة قام فيها القاص والذي يبدو في تماهي واضح مع الأنا الساردة بعكس فكرته وتضمينها في كل قصة حسب مايقتضيه سير الأحداث مع إضافة لمسة من التجريب باستخدام مقاطع من الشعر والكلمات العامية وبعض الحكم والأمثال الشعبية وكذلك هناك لغة أقرب للشعر في بعض القصص إذ ان الكاتب أمعن في استخدام اساليب البيان وادخل عبارات عميقة كمثال عندما تحدث عن فلسفة الموت في القصة التي تحمل وسم المجموعة ، وكذلك نجداللغة التي رسم بها تفاصيل قصة (الرسم لا يعرف شهادة الزور) بداية من العنوان ذو الدلالات البعيدة الى التحليل الذهني الذي رافق الشخوص لغة متمكنة منظمة ذات أبعاد نفسية عميقة جدا .
ومن المهم أيضا الاشارة الى دقة الوصف في التصوير التي رافقت الشخوص( سماتهم ومشاعرهم ) والأماكن التي وضعتنا أمام مجموعة من الصور الناطقة مما خلق حركة انتقال مشهدي رائعة تضع القاريء في قلب الأحداث مشاهداً ومشاركاً أحيانا من منطلق واقعية الاحداث التي يمكن اسقاطها على حياة كل فرد ...
طرح الكاتب الكثير جداً من الإشكاليات والأزمات (النزوح ، الحرب ، الجهل ، العنصرية ) وفي جرأة تحسب له تحدث عن السبب الأساسي في ذلك سوء ورداءة الوضع السياسي وفشله في ادارة هذه البلاد ذات التركيبة الخاصة والمعقدة الأمر الذي جر وراءه كل هذه التداعيات لأنه رسخ للفقر من خلال تدهور الاقتصاد وللعنصرية من خلال سياسة المركز (مدينة ،انسان)وتهميش ماعداه وكل ذلك يلقي بظلاله القاتمة على الوضع الاجتماعي الذي تعاني لبنته الأساسية ( الإنسان ) من كل هذا ...
رغما عن كل هذا الحزن الذي يفرد جناحيه الكبيرين ليلقي بظله الأسود على هذه الحياة الا ان هناك من يحمل هذا الطائر الغريب على عنقه ويروضه غصبا عن جور الأيام يقاوم ظله الأسود وعوضا عن انصياعه له يستخدمه دافعا للصمود رافضاً الاستسلام يصمد بايمانه بالسلم بالحب بالأمل بالغد بالحلم بالقيم السمحة التي لا تفارقه حتى في أحلك الظروف (الإنسان هو الوحيد الذي بيده خلق التغيير)

أريج محمد أحمد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى