عبد الله بن يونس - امرأة و حكاية

وقفت قرب طاولتي و استأذنت في الجلوس. فنظرت إليها، فإذا هي سيدة محترمة الهيئة، يبدو على ملامحها تأثـّر تحاول إخفاءه.

أذنت لها فجلست.. و بقيت أتعجب في صمتي و أتساءل عمّا تريده هذه المرأة الغريبة التي تجلس إليّ دون سابق معرفة. و بعد لحظة قلت لها كأنـّما لأستدرك غفلتي:
- آه.. مرحبا بك. هل أطلب لك القهوة؟
ردّت بهدوء:
- لا، شكرا لك. فقط أردت أن أقول لك كلمتين. ثم أذهب.
- نعم.. خيرا..

تريّثت قليلا. ثم قالت:
- أنت كاتب. عرفتك من صورتك، و قد قرأت لك... إذا حكيت لك أشياء هل تحوّلها إلى قصّة؟
- إذا وجدت فيها ما أستطيع كتابته سأكتبها. لكن في كلّ الحالات سأستمع إليكِ.. لقد شوّقتني.

صمتت لحظة ثم قالت:
- سأكتبها لك.

ثم أخرجت ورقة و قلما، و بدأت تكتب. و لم أشأ إحراجها بنظراتي فتشاغلت عنها بمراقبة الشارع العريض الممتدّ حذو رصيف المقهى، و أنا أستمتع بدفء الصّباح الرّبيعي، و أرتشف قهوتي على مهل. حتى خاطبتني:
- تركت الورقة و غادرت على عجل. فقرأت ما كتبت،و خبأت الورقة. ثم بقيت أياما أبحث عن طريقة لصياغة القصة... في الأخير قررت أن أنسخه كما هو:

حوش عربيّ ضيّق فرشت فيه المْحَمْصَه [1]
لتجفّ.
طفلة صغيرة تنظر إلى المحمصة بفرح.

أمّ متحزّمة، معصفرة رأسها بمحرمة تـُظهر بعض خصلات شعرها الأسود النّاعم.

ملامحها يعلوها الإنهاك لشخص اتـّخذ الحزم شعارا له.

يدخل الرّجل المترنّح الحوش فتغمر رائحة الخمر المكان. و يتعثـّر ليسقط في المحمصه.

تثور ثائرة الأمّ المنهكة و تلطم خدّها و تبكي تعاستها و غياب الملح في مطبخها.

تأخذ الأمّ البُرْمَه [2]
فتسوّد من فرْحها وجهها، ثمّ تقلب البرمة على رأسها. و تبدأ طرح العويل و رأسها داخل البرمة.




حواشي

[1] نوع من العولة التونسية التقليدية يشبه الكسكسي. و هو يصنع في الصيف من الدقيق في شكل حبات صغيرة. و يجفف ليخبّأ بعد ذلك. فيطبخ منه طعام العائلة حتى مجيء الصيف المقبل.
[2] آنية طينية تقليدية تستعمل للطبخ على نار الحطب. و الفرْح هو السواد الدخان المتراكم على جوانبها الخارجية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى