محمد مزيد - الرسام

أكتشف والدي، إنني عندما أرسم أي شيء، يتحول الى واقع ملموس، مثلا رسمتُ دجاجة فأصبحت لدينا دجاجة حقيقية توقوق طوال النهار، طلب مني أبي أن أرسم لها ديكا، حتى تكف عن الوقوقة ففعلت، بدأت تبيض لنا في اليوم بيضة واحدة، قالت أمي أرسم لنا تسع دجاجات يا بني، حتى يكون لدينا عشر بيضات في اليوم، أستغربت، كيف يمكن لديك واحد أن يلقح عشر دجاجات ؟ فقالت لا عليك، عندما تكبر ستفهم سر هذا الأمر، صار لدينا عشر دجاجات تبيض لنا في اليوم الواحد عشر بيضات. كنا في أيام الحصار الشرس، ومن الصعب على والدي شراء طبقة بيض واحدة في الشهر، لأن راتبه لا يكفي ذلك، لكن بوجود عشر دجاجات أصبحنا نمتلك في الشهر الواحد ثلاثمائة بيضة، بدأنا نوزع على عماتي الفقيرات وخالاتي الأشد فقرا، كن يأتين قبل غروب الشمس يستلمن حصصهن من البيض ويغادرن .
كبرت ، وأتسعت اهتماماتي في عالم الرسم، رسمتُ سيارة حديثة وخرجت بالرسمة الى الشارع، ليتحول الرسم الى سيارة حقيقية تقف عند الباب، لم تستجب عقول الجيران من وجود سيارة حديثة في باب بيتنا، ونحن نسكن محلة فقيرة، حسدونا، أصيبت أمي بالعمى ، صرخ والدي بي ، أرسم لها عينان وانقلهما الى وجه امك ففعلت، استعادت امي بصرها ، بل انها أخذت ترى ما وراء الجدران وما يحصل في بيوت الجيران، بدون أن تسمع ما يتحدثون به ، اخبرت أمي بميزة نظرها والدي ، كاد أن يصاب بالسكتة القلبية من هذا الخبر، فجاءني إلى غرفتي وقال لي " يا ولدي أرسم لي عينين وأستبدل أذنيّ، كي أرى وأسمع ما يجري خلف الجدران، صار والدي وهو في الخمسين من العمر، ينظر الى البيوت، يبحلق في الجدران ليرى ويسمع ما يجري فيها، بدأنا نعيش حياة باذخة، لا أحد مثلنا، لا نشعر بالجوع مثل بقية الشعب الذي كان يركض على لقمة الخبز فلا يجدها، بدأت أرسم الخراف والأبقار، كل يوم يذبح والدي خروفا وبقرة، يوزع لحمها على عماتي الثلاث وخالاتي الأربع وفقراء الشارع ، ولما يسألوننا من أين جاءت الينا هذه النعمة، ينهرهم والدي ويقول لهم " اكلوا ووصوصوا " .
انتقلنا الى بيت جديد دبل فاليوم، فيه عشر غرف وثلاثة حمامات حديثة، فيهن بانيوات للسبح،وغرفة ساونا، صارت لدينا ثلاث سيارات حديثة، كنت أرسم كل شيء يخطر على بال والدي، أخذت أرسم المئات من الدولارات، فتتحول الى شدة ام العشرة الاف دولار، أصبحنا أغنياء أكثر غنى من بيت بنية وسكنا في منطقة راقية.
وأنا أتجول في المنطقة الراقية، أعجبتني فتاة ذات عينين عسليتين، وجسدا بضا وشعرا أسود يهفهف خلفها، ترتدي بنطلونا ضيقا، فلما أبتسمت لها ساعيا إلى كسب ودها، عقفت حاجبيها وقالت " عوع " .
جرحتُ جرحاً بليغاً من كلمة " عوع " فأخرجت أوراقي وقلمي السحري، وبدأت برسم فتاة أجمل منها، ذات شعر أشقر وعينين زرقاوين، جعلتها أطول منها بقليل، تجسدت أمامي بهيئة ملاك انثوي ليس كمثل جمالها جمال.
في اليوم التالي، خرجت معها، وأمسكتها من خصرها، أسير معها في شارعنا، شاهدتني فتاة " العوع " فأصابها الذهول والدهشة، كادت تقع أرضا من الصدمة، ذلك لأن فتاتي، تشبهها الى حد بعيد، سوى أن شعرها أشقر وعينيها زرقاوين ، بدأت تعيش معي في الغرفة.
ثم فجأة، توقفت عن الرسم، اذ حققت لي هذا الفتاة، كل ما أتمناه في الحياة ، اكتشف والدي أن سبب توقفي يعود الى وجود الفتاة الشقراء، فقال لي اطردها، ثم هددني بقتلها أن لم اطردها ..وفي الليل ، قالت لي امي لا يجوز أن تنام مع الفتاة بدون عقد زواج، لأن ذلك يعني زنى يخالف شرع الله.
في اليوم التالي، أخذتها إلى المحكمة الشرعية، عقدت عليها، والدي لا يشبع من المال الذي تكدس تحت سريره، يريد المزيد من شدات الدولارات، لكنني توقفت، حسب طلب حبيبتي الشقراء، قلت لهما الى هنا يكفي، أخذت القلم السحري الذي كنت أرسم به وكسرته أمام والدي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى