محمد مزيد - أمرأة تهرب من نومها..

وضعتُ يوم أمس اللمسات الأخيرة على روايتي ، ثم وجدتني أستيقظ مرعوبا عند منتصف الليل ، أنام في صريفة تطل على هور شاسع، أستيقظت على أصوات رجالية، خافته، قادمة من جهة القرية، باتجاه مكان غرفتي، المطلة على مساحة هائلة من المياه، أنا المعلم المنقول من بغداد، عقابا لي بسبب عدم تصفيقي عندما ذكر أسم الرئيس في خطبة عيد الحزب، نُقلت الى هور الجبايش في جنوب العراق.
تبدو أصوات الرجال خائفة من شيء ما، حذرة، لا يمكنني رؤية ما يحصل في الظلام الدامس، الا بما يرشحه القمر، ليعكس ضوء شحيحا لا تسد حاجتي، لمعرفة ما يحصل في أعماق هذه البقعة المائية البعيدة عن الكون .
لا يمكنني أشعال الفانوس، حتى لا أثير حفيظة أصحاب الأصوات الغامضة، ويتداركوا ما يفعلون، لاحظت عبر شقوق باب الصريفة، وأنا أرتجف من الخوف، مجموعة من الرجال، يحملون شيئا مدثرا بغطاء أسود، بطانية على ما يبدو يتقابلون عليها، شكرا ضوء القمر، هكذا قلت في نفسي، ثم فركت عيني، حتى لا أبدو أحمق امام نفسي فأتصور أوهاما، نعم، هناك مجموعة من الرجال يحملون شيئاً داخل بطانية، عددهم بحدود ثمانية رجال، أربعة من كل جهة، لابد ما يحملونه امرأة ، لأنها مغطاة بعباءة سوداء، اقتربوا من باب صريفتي ، أبتعدت لا أراديا عن شقوق الباب، خوفا من الغموض والمجهول المتربص بي، ثم عدت اليه، لاستطلع ما يجري، وضعوا البطانية عند مسافة مترين من باب الصريفة، ومن شدة خوفي سعلت، بمجرد أن سمعوا سعالي، الذي حاولت كتمه، فلم أستطع ، انصرفوا بسرعة .
عندما نظرت الى البطانية، رأيت في داخلها جسد امرأة مسجى ، يبدو أن الرجال الثمانية خافوا من صوت سعالي، فانهزموا، تركوا الجثة عند بابي، يا لغبائي، كيف سمحت لنفسي، أن أسعل وأسمعهم صوتي ، ها هم قد جعلوا الليل جملا وتسربوا في ثناياه .
ولما تأكدت من اختفاء المجموعة في حلكة الليل، تجرأت، فتحت الباب ، فوجدت امرأة مغطاة بعباءة وضعت في منتصف البطانية ، رفعت الغطاء عن وجهها ، وقربت وجهي من انفها، ثمة تنفس ضعيف، الاغبياء تصوروا نها ميته، فجاءوا يلقون بها في الهور، ثمة ما يريب في الامر كله ، انحنيت على وجه المرأة الجميل الأبيض ، وضعت يدي تحت خدها الأيمن، مازالت على قيد الحياة ، فرحت ، سحبتها الى داخل الصريفة ، لم تكن ترتدي شيئا ، العباءة وحدها لا تغطي كامل جسدها العاري ، كنت قد ادخلتها بصعوبة، ثم أخذت نفسا عميقا ، ركبتاي وجسدي كله يرتجف ، بدأت بكشف جسدها، والتمعن به، محاولا العثور على آثار جرح أو خنق ، وأنا اتفحص جسدها من قدميها صعودا الى ساقيها وفخذيها وبطنها وصدرها حتى رأسها، لما انتهيت من الفحص ، ندت منها آهه، أفزعتني ، أشعلت الفانوس ، قربته من وجهها، وجه جميل حنطي ساكن، شفتاها ورديتان، عينان مغمضتان ، صدرها عامر ينفرج الى الجهتين، نفخت على وجهها، فابتسمت لي، فتحت عينيها وقالت " استرني بعد أختك " غطيتها بسرعة، سحرني صوت توسلها، تعاظمت في نفسي الغيرة من قولها " بعد اختك " جلبت لها ماء فشربت منه قليلا، وأنا أضع ذراعي وسادة لرأسها بشعره الاسود الكثيف، بعد الماء جلبت لها طاسة حليب وقلت لها " اشربي رجاء " شربت الطاسة كلها، تبدو جائعة، تنظر لي بعينين دامعتين، ثم جلست مدت ساقيها ، نظرت الى الباب خائفة ، فقلت لها مرتبكا " رحلوا " .
نهضت وهي متلفعة بالعباءة، جلست على حافة سريري، قالت لي:
- لماذا أخرجتني في هذا الليل؟
ارتبكت، التفت يمينا ويسارا بحثا عن شيء، أريد أن افهم معنى عبارتها، فقلت:
- ظنوا إنك ميتة، فتركوك عند باب صريفتي.
ابتسمت بصعوبة، وهي تحاول الا تكشف عري صدرها، لملمت العباءة على فخذيها:
- انت مجنون مثلهم، خلقتني وأمتني، وها أنت تعيد الروح الي ؟
- عماذا تتكلمين؟
تمشت الى أوراقي، بدون أن تضع العباءة على جسدها، تكشف لي جماله المثير الذي يصرع الرجال ويفقدهم صوابهم. قالت:
- انا هنا، أعيش في هذه الأوراق ، عبثت بمصيري من دون خجل ، خيالك المريض جعلني زوجة رجل يشبه الثور ، ليل نهار يريدني أشبع رغباته.
ثم وقفت امامي وامسكتني من ذراعي، وصاحت بغضب :
- اخبرني ماذا تريد مني ؟
لم اصدق ما يجري لي، اطفأت الفانوس، حتى لا يكتشف أحد إنها عندي ، حل الظلام ، شاهدتها تتسرب، تحلق مثل الطيور على شكل حروف، عادت الى أوراقي ، وأندثرت بها .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى