بدوي الدقادوسي - نصل الوهم

لم يترجل عن الحمار قبل أن يصل الدار بأمتار كما جرت عادته ،ما إن وصل الحمار للباب حتى تسمر مكانه وقد تدلت رأسه ، دخل أبي المندرة التي تعج بالمهنئين ، أشار بيده لصاحب الميكروفون والزينة :خد حاجتك وربنا يعوض عليك وعلينا ، أفسح الشباب له فجلس واضعا وجهه بين كفيه وانخرط في بكاء مسموع ، تحول المهنئون إلى معزيين ، صار البكاء نحيبا ثم صار النحيب صراخا : جمال مات ياولاد .... هتسيبنا لمين ياجمال . انتفض عمي العريس من بين رفاقه صارخا : جمال مات ! اليهود سمموه وشق بدلة عرسه وظل يتلوى بأرض المندرة .
ساد صمت طويل حتى رفع أبي وجهه من بين كفيه : لما زار الأمريكان حاولوا يدخلوه من باب واطي عشان ينحني وهو داخل ، بس هو فهم قصدهم ورفض يدخل وركب الطيارة ورجع ... آه يا جماااال بكره هيطلع النعش من دوار العمدة وهنصلي عليه الضهر في جامع سيدي عبدالله .
قبيل الظهر جلس أبي مرتكنا بظهره لعامود النور على ناصية الحارة ، اقترب النعش من حارتنا وخلفه كل شباب ورجال القرية ، أمام مسكن المهجرين تلطم النساء ويبكي الرجال ، حتى أبو العربي الذي كان يحمل كرتونة يبيع فيها الكعك والفريسكة وهو يغني ونحن نردد خلفه وهو يجوب شارع القرية الوحيد ( لف وتعالى يا ولا لف وتعالى عينالك كعكة وبسكوتة في السينتيانا ) أول مرة أراه يبكي ، وأم العربي شقت ثيابها عن آخره وألقت نفسها تحت النعش وهي تصرخ : جبتنا هنا وهتسيبنا لمين ياجمال !!
التفت لأجد علي الذي يصغرني بعام يسير بجواري ، أقنعته أن يعود لبيتهم فهو صغير ؛ أما أنا فقد صرت كبيرا وسأدخل المدرسة العام القادم .
تفتق ذهني عن فكرة تعيد جمال للحياة ، سأصعد للمئذنة مثل أبويا عبدالله الشندلاتي مؤذن الجامع وأقول لربنا يخلي جمال عشان أبويا وكل الناس زعلانة ، أنا عارف إن ربنا بيحبني وهيسمع كلامي ، تسللت صاعدا ، رفعت رأسي لأرى الله ، اصطدمت عيني بالشمس فأغلقتها حزينا ، تذكرت إن أمي قالت : ربنا بيشوفنا وإحنا مبنشوفوش ، أكدت لي هذا حين كانت تضع بجيبي قرشا وتعطيني صحن كي أشتري عسلا من دكان عبد السيد وتكرر تنبيهها : لو لحست من العسل وأنت ماشي ربنا هيشوفك ويقول لي .
يارب خلي جمال .. أبويا والناس كلها عايزينه .
، نزلت ركضا ، شققت الصفوف المتراصة للصلاة حتى أصل للنعش وأبلغ جمال إن ربنا سمع كلامي وهيخليه وهخليه يقوم عشان يفرحهم ، بحذر رفعت الغطاء عن النعش ولكني لم أجد شيئا .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى