رتبنا المقاعد في السيارة وترموس الشاي وبعض الكيك . حملتُ معه حلمي في رحلتنا الدورية من خميس كل أسبوع إلى البحر، ومع نسمات الغروب وبعد أن أخذت الشمس لونها الأرجواني وهدأ الشاطئُ بمغادرة الكثير من المصطافين، طاب لي أن أفرج عن هذا الحلم الذي يلح عليَّ منذ صباي وحتى هذه السن المتأخرة .
يسرا.. صديقتي .. منذ أن تزاملنا في محكمة الأسرة منذ عشرين عاما مضت لم نفترق أبدا، ومع ذلك لم أحكِ لها هذا الحلم من قبل. نشبه بعضنا في صفات كثيرة، إلا صفة واحدة هي التي أرّقتني طيلة حياتي، وارتاحت منها يسرا .
بدأت فقلت: هل تعيريني سمعك لأحكي لك عن حلم طالما ألحّ عليّ؟ أطلقت ضحكة عالية أغاظتني ، فتوقفت عن الكلام وتغير وجهي فاستدركَت : لا تغضبي يا منيرة . أنت تعرفينني لا أعوّل على الأحلام، لم أتوقف أبدا أمام حلم رأيتُه ، ولكن احكِ ماذا رأيتِ؟
ليس حلما مزعجا ولكن أردت أن أنثره في حجركِ فقد حيرني تكراره، هل تصدقي أنني دائما ما أراني عروسا! نظرت لي مندهشة وقالت: عروس؟ في الخامسة والأربعين ؟
- نعم، وزفافا أسطوريا امتزجت فيه نغمات الموسيقى بالتماعات الماء في حمام السباحة، فعزفت لحنا سماويا ساحرا .
بفضول قالت لي : أكملي ، هذا حلم شاعري جميل.
- تماوجت خطواتي مع خطواته وهو يراقصني على أغنيتي الأثيـرة "شباكنا ستايره حرير" .
ضحكَتْ ساخرة مرة أخرى وقالت : كنتِ أنتِ شادية مع فارس الأحلام وقد قنع عينيه بشريطه الأسود .
غضبتُ : يسرا إن ظللت تسخرين مني فلن أكمل. قلتُ لك إنني أرى هذا الحلم منذ صباي فخذي الأمر بجد، أنا لا أحكي كي أتسلى، بل لأفهم لماذا يعاودني هذا الحلم، ولعل دراستك لعلم النفس تساعدك في فهم هذه الحالة .
استجمعَت ملامح الجدية وعاودت الإنصات، أكملتُ: رأيت دهشة فستاني الأبيض في عيون المدعوات . كنت أنتِ بينهم، فقد صُمّم كما أردتُ، عاري الصدر والذراعين، أحاطت وردات من الكريستال واللؤلؤ دوران صدره وامتدت حتى ذيله الطويل. همس لي فارسي - الذي لا أعرف ملامحه- في أذني قائلا: منيرة . كل تفاصيلك تحرض على الحياة، ثم اختفى من أمامي فجأة، تلفتُّ حولي كثيرا فلم أجدْه، صحوتُ ، لكن لم تغادرني تلك اللحظات السعيدة حتى وأنا أحكي لكِ الآن .
بهدوء ورزانة قالت: إنه عقلنا الباطن الذي يخرج لنا هذه المكبوتات في صورة أحلام ، نبوح فيها بما لا نستطيع الحديث عنه في يقظتنا فنحيا كما نتمنى أن نعيش ، هو نوع من التعويض تمنحنا إياه الأحلام !
قلت: أتقصدين أني أتمنى أن أكون عروسا؟
- نعم ، تكرار الحلم يقول ذلك .
وقد وضعت في يدها قطعة من الكيك قالت يسرا : لعل حياتك مع صلاح- رحمه الله- وقد كان زوجا طيبا كما عرفت منك ، لكنك كما شكوتِ لي من قبل أن حياتك معه لم تقنعك، فكما وصفتِها كانت كالماء "لا لون لا طعم لا رائحة" . أتذكرين حينما سألتك عن عيوبه فقلتِ عيوبه أنه لا عيب له.
قلت وقتها: أسبابك للانفصال تخلو من الأسباب .
- وقد عدلت عن قراري لأنه لم يكن لديّ سبب وجيه أقدمه للناس .
اقتربتِ كثيرا من فهم ما يدور بداخلي، فمنذ تزوجته لم أشعر أبدا معه أنه هو الرجل الذي أنشده . طبيعتي الحالمة وجنوحي للرومانسية جعلني أهفو دائما لأن أعيش قصة حب مع زوج يشبهني في مشاعري، صلاح أحبني كثيرا وأنا ألِفْتُ عشرته وطيبته وحنانه، لكن ليس هذا هو الزواج الذي تمنيت .
فباغتتها بهذا السؤال: وبعد رحيل صلاح؟
لم تتلعثم وردت سريعا: أبحث عنه وسأجده .
- تتركين كل شيء وتذهبين إليه؟
- صمتت هنيهة ثم قالت: كل شىء.
- بيتك الذي تعبت في تأسيسه، وأولادك الذين سيتخذون موقفا معارضا لكِ .
- البيوت وحدها لا تجلب السعادة، وأولادي تزوجوا ولم أعد محورا لاهتمامهم، وسيعذرونني فلم أقصر معهم، لكن هناك سؤال يشغلني: أين أجد هذا الرجل ذي القلب الشجاع ؟!
عادت يسرا لسخريتها مرة أخرى : هناك ...جالس على مقهى المعاشات ممسكا سيجارته بيد وجريدته باليد الأخرى حتى إذا أنّت ساقاه من الجلوس قام إلى بيته ليتمدد في فراشه ، وإن أسعدك الحظ وكنتِ بجانبه فسيكون دورُك محصورا في تدليك ساقيه بزيت الكافور وإعداد مشروب السعال له كل ليلة قبل أن ينام.
عند هذا الحد من الحوار قامت منيرة ، حاملة مقعدها ومضت إلى السيارة ، وخلفها يسرا تسرع الخطى وهي تهتف: منيرة ...لا تغضبي، احلمي كما يحلو لك فليس على الأحلام ملام
يسرا.. صديقتي .. منذ أن تزاملنا في محكمة الأسرة منذ عشرين عاما مضت لم نفترق أبدا، ومع ذلك لم أحكِ لها هذا الحلم من قبل. نشبه بعضنا في صفات كثيرة، إلا صفة واحدة هي التي أرّقتني طيلة حياتي، وارتاحت منها يسرا .
بدأت فقلت: هل تعيريني سمعك لأحكي لك عن حلم طالما ألحّ عليّ؟ أطلقت ضحكة عالية أغاظتني ، فتوقفت عن الكلام وتغير وجهي فاستدركَت : لا تغضبي يا منيرة . أنت تعرفينني لا أعوّل على الأحلام، لم أتوقف أبدا أمام حلم رأيتُه ، ولكن احكِ ماذا رأيتِ؟
ليس حلما مزعجا ولكن أردت أن أنثره في حجركِ فقد حيرني تكراره، هل تصدقي أنني دائما ما أراني عروسا! نظرت لي مندهشة وقالت: عروس؟ في الخامسة والأربعين ؟
- نعم، وزفافا أسطوريا امتزجت فيه نغمات الموسيقى بالتماعات الماء في حمام السباحة، فعزفت لحنا سماويا ساحرا .
بفضول قالت لي : أكملي ، هذا حلم شاعري جميل.
- تماوجت خطواتي مع خطواته وهو يراقصني على أغنيتي الأثيـرة "شباكنا ستايره حرير" .
ضحكَتْ ساخرة مرة أخرى وقالت : كنتِ أنتِ شادية مع فارس الأحلام وقد قنع عينيه بشريطه الأسود .
غضبتُ : يسرا إن ظللت تسخرين مني فلن أكمل. قلتُ لك إنني أرى هذا الحلم منذ صباي فخذي الأمر بجد، أنا لا أحكي كي أتسلى، بل لأفهم لماذا يعاودني هذا الحلم، ولعل دراستك لعلم النفس تساعدك في فهم هذه الحالة .
استجمعَت ملامح الجدية وعاودت الإنصات، أكملتُ: رأيت دهشة فستاني الأبيض في عيون المدعوات . كنت أنتِ بينهم، فقد صُمّم كما أردتُ، عاري الصدر والذراعين، أحاطت وردات من الكريستال واللؤلؤ دوران صدره وامتدت حتى ذيله الطويل. همس لي فارسي - الذي لا أعرف ملامحه- في أذني قائلا: منيرة . كل تفاصيلك تحرض على الحياة، ثم اختفى من أمامي فجأة، تلفتُّ حولي كثيرا فلم أجدْه، صحوتُ ، لكن لم تغادرني تلك اللحظات السعيدة حتى وأنا أحكي لكِ الآن .
بهدوء ورزانة قالت: إنه عقلنا الباطن الذي يخرج لنا هذه المكبوتات في صورة أحلام ، نبوح فيها بما لا نستطيع الحديث عنه في يقظتنا فنحيا كما نتمنى أن نعيش ، هو نوع من التعويض تمنحنا إياه الأحلام !
قلت: أتقصدين أني أتمنى أن أكون عروسا؟
- نعم ، تكرار الحلم يقول ذلك .
وقد وضعت في يدها قطعة من الكيك قالت يسرا : لعل حياتك مع صلاح- رحمه الله- وقد كان زوجا طيبا كما عرفت منك ، لكنك كما شكوتِ لي من قبل أن حياتك معه لم تقنعك، فكما وصفتِها كانت كالماء "لا لون لا طعم لا رائحة" . أتذكرين حينما سألتك عن عيوبه فقلتِ عيوبه أنه لا عيب له.
قلت وقتها: أسبابك للانفصال تخلو من الأسباب .
- وقد عدلت عن قراري لأنه لم يكن لديّ سبب وجيه أقدمه للناس .
اقتربتِ كثيرا من فهم ما يدور بداخلي، فمنذ تزوجته لم أشعر أبدا معه أنه هو الرجل الذي أنشده . طبيعتي الحالمة وجنوحي للرومانسية جعلني أهفو دائما لأن أعيش قصة حب مع زوج يشبهني في مشاعري، صلاح أحبني كثيرا وأنا ألِفْتُ عشرته وطيبته وحنانه، لكن ليس هذا هو الزواج الذي تمنيت .
فباغتتها بهذا السؤال: وبعد رحيل صلاح؟
لم تتلعثم وردت سريعا: أبحث عنه وسأجده .
- تتركين كل شيء وتذهبين إليه؟
- صمتت هنيهة ثم قالت: كل شىء.
- بيتك الذي تعبت في تأسيسه، وأولادك الذين سيتخذون موقفا معارضا لكِ .
- البيوت وحدها لا تجلب السعادة، وأولادي تزوجوا ولم أعد محورا لاهتمامهم، وسيعذرونني فلم أقصر معهم، لكن هناك سؤال يشغلني: أين أجد هذا الرجل ذي القلب الشجاع ؟!
عادت يسرا لسخريتها مرة أخرى : هناك ...جالس على مقهى المعاشات ممسكا سيجارته بيد وجريدته باليد الأخرى حتى إذا أنّت ساقاه من الجلوس قام إلى بيته ليتمدد في فراشه ، وإن أسعدك الحظ وكنتِ بجانبه فسيكون دورُك محصورا في تدليك ساقيه بزيت الكافور وإعداد مشروب السعال له كل ليلة قبل أن ينام.
عند هذا الحد من الحوار قامت منيرة ، حاملة مقعدها ومضت إلى السيارة ، وخلفها يسرا تسرع الخطى وهي تهتف: منيرة ...لا تغضبي، احلمي كما يحلو لك فليس على الأحلام ملام