د. علي عبد الغفار - المصعد

ووصل المصعد اخيراً بعد طول انتظار، وانفتح بابه، والتقت الاعين، ظل يحدق بها طويلاً، هي نفسها التي كان يرف لها القلب كلما رآها، ولكن ذلك كان من سنين طوال، هي تتلفت بحجة مراقبة اطفالها الذين يرافقونها ثم تعود لتنظر اليه وبالتحديد الى عينيه، لتعاود بعدها الابتعاد كأنها تسرح في صفحات كتاب قديم وهو يفعل نفس الشيء ويحاول ان يسيطر على مشاعره وعلى اولاده المشاغبين الذين يتدافعون لصعود المصعد.
تسمرت هي في مكانها داخل المصعد واصابعها تتشبث بما يمكنها من ملابس اطفالها كي لا يفلتوا منها، او لربما كي لا يغادروا المصعد، كانت تسحبهم اليها بينما يحاولون الافلات منها، حتى قالت: سنصعد بالمصعد من جديد، الستم فرحين بهذا الشيء؟
هتفوا بفرح وانتصار ونشوة لانهم سيبقون في المصعد بينما بدأ هو واولاده الدخول الى المصعد محاولين ايجاد متسع لهم داخله، واغلق الباب والاطفال يتسابقون للضغط على ارقام الطوابق ويتشاجرون، لكنها ظلت تحدق في عينيه وعندها مليون سؤال لكن فمها كان مطبقا رغم انها سألت كل الاسئلة بعيونها اما هو فلم يتمكن من لملمة كل الاجوبة ولا حتى جواب واحد وبقى ينظر الى تلك العيون التي طالما سهر الليالي يكتب عنها ويفكر في روعة خلقها.
وعندها نزلت دمعة صغيرة من احدى عينيها، جعلته يفقد عقله ويغادر مع اولاده بأول طابق فتح فيه باب المصعد.
بقي واقفا وظهره يستقبل باب المصعد، لم يكن يقدر ان يرى المزيد، اغلق الباب، وجاءت الاسئلة من الاولاد لماذا نزلنا هنا؟
لم يجبهم، فقد كان شارد الذهن، وكيف يجيبهم على سؤال تافه ولم يجبها على اسئلتها العميقة.
" سنكمل صعودا على درجات السلم الكهربائي" قالها محاولا ان يرضي اولاده، الذين تراكضوا باتجاه السلم بينما مشى هو بتثاقل وهو يلتفت الى الوراء مع كل خطوة ناظرا باتجاه المصعد.. وصلوا الى وجهتهم ولكن احد الاولاد اعاد طرح السؤال من جديد، لماذا لم نكمل بالمصعد يا والدي؟
اجابه والحسرة تسرق منه انفاسه: احيانا علينا ان نسلك طرقا واساليب لا تعجبنا كي تستمر الحياة.

تعليقات

أعلى