عبدالله عطية السلايمة - ابنة الشيطان.. قصة قصيرة

لم أعد قادرًا على تحمّلها، ويدهشني إصرارها على ملاحقتي، رغم علمها بكراهيتي لها، وأنها لم تكتفِ بما سببته لي من أذى، وكادت تذيقني اليوم المزيد منه لولا أن تعاملت معها بحِكمة.
كنت قد عقدت العزم البارحة على الصوم اليوم تقربًا إلى الله، وطمعًا في عتقي من النار؛ فلم يتبق من العُمر قدر ما مضى منه، وكونها تعرف أنني أستيقظ كالقرد مبكرًا، ما أن فتحت عيني السادسة صباحًا حتى فوجئت بها تطل برأسها وتقول بدلال "صباح الخير، لقد أوحشتني"
حاولت تجاهلها، أوليتها ظهري، أخذت أتقلّب في فراشي علني أستطيع النوم، فشلت محاولتي، ما جعلني أشك في أن النوم اللئيم قد اتفق معها سِرًّا للوقوف معها ضدي.
لعنتهما في سِرّي، وقررت أن أشغل نفسي عنها بمحاولة كتابة ولو عدة أسطر في روايتي التي أحاول الانتهاء منها، وإذا تعسّر عليَّ ذلك، يمكنني على الأقل إعادة النظر فيما كتبت؛ فقمت على الفور، وجلست أمام الحاسوب الذي ما أن أضاءت شاشته حتى فوجئت بها تقف وعلى مقربة مني تبدأ ممارسة بعض التمارين الرياضية بلباس ضيّق ومثير بشكل يؤكد أنها ابنة الشيطان بالفعل الذي يبدو أنه كان مشغولاً يومها بغيري، وترك لها مهمة إغوائي.
ويبدو أن تجاهلي لها قد أغاظها، إذا باغتتني وهي تنقر بأصابعها على حافة المكتب: لنرَ ما إذا كان بإمكانك تجاهلي.
"سترين" قلت وحاولت البدء في الكتابة من حيث انتهيت من قبل، أخذت تهز ساقاها المغويين، استغفرت الله في سِرّي ودعوته أن يقوي إيماني الذي بدأ يهتز أمام ألاعيبها الشيطانية، نهرتها " فلتتوقفي عن هزّ ساقيك اللعينين"
اقتربت مني، لفحت أنفاسها وجهي، وهي تتساءل بغنج: ماذا، أيشوشان ذهنك؟"
جف ريقي، كدت أهم بها، وما زلت لا أعرف كيف لم أفعل واستعدت وعيي وأجبت متظاهرًا بالتماسك: يبدو أنك لا تعرفينني جيدًا رغم كل الأعوام اللعينة كوجهك التي أمضيناها معًا.
لم يخفَ عليها ضعفي، فردت ضاحكة: بل أعرفك جيدًا، لذا ها أنذا أنتظر لأرى ما يمكنك فعله بدوني".
نفد صبري، فوبختها: لو كان لديك قطرة من دم الحياء، لما جئتني على الأقل اليوم، انظري، إذا كنت تتصورين أنه لا يمكنني الاستغناء عنك فأنت واهمة، وأقسم بربي إن لم تغربي عن وجهي حالاً وتتركينني لشأني أنهي يومي الطويل على خير فسأمسك برأسك وأضعه في قاعدة الحمّام.
وليت لساني قُطع قبل أن أقول ذلك؛ فمن المؤكد سيكون ذلك أهوّن على نفسي من أن أراها تستقيم واقفة، وتضع يدها اليسرى على خاصرتها وترمقني بنظرة نارية، وفي اللحظة التي دفعني تصوّري الخاطئ للاعتقاد بأن المواجهة قد حُسمت لصالحي، وأنها لابد ستنصرف الآن مكسورة الخاطر، فوجئت بها تضغط برأس سبابة يدها اليمنى على أحد أزرار لوحة المفاتيح، وفي لمح البصر يصبح ملف الرواية في خبر كان " لِنرَ ما الذي يمكنك فعله".
أُسقط في يدي، أخذت أحدّق في شاشة الحاسوب في ذهول، اشتعل شعر رأسي غضبًا؛ قبضت على عنقها، حاولتْ التملص "اتركني سأختنق" لم أتركها وجررتها إلى حيث يكون الحمّام، وغطّست رأسها في قاعدته بغلٍ "هذا المكان يليق بعفنة مثلك".
فوجئت بضربة قوية على أم رأسي، على إثرها أفلتها من يدي وأمسكت برأسي، وأخذت أحدّق إلى أختها وهي تنتشلها وتجلسها بجوارها برفق، وتناولها منديلاً ورقيًّا لتجفف نفسها، ثم تنظر إليَّ بعينين يتطاير منهما الشرر: كأنك لا تعرف أن خلفها جيشًا جرارًا يمتد بطول الأرض وعرضها، وكلما فكّر تافه مثلك في فعل ما كنت تفعل للتو نريه أيام أسود من شعر رأسه، وقلّما تأخذنا الرأفة بأحد ونقبل توسله ورجاءه باكيًا أن نسامحه على ما ارتكب من إثم في حق واحدة مِنّا، حينها قد نرأف بحاله مثلما أشاور نفسي في أن أفعل معك إذا ما أعلنت توبتك بدورك، وأكدتها عمليًّا.
ورغم حزني على حرماني من ثواب الصيام، وحزني الأشد على ضياع ملف الرواية من الحاسوب، لم أجد أمامي من خيار سوى أن أمتثل لأمرها وأشعل سيجارة، وأحني رأسي صاغرًا وهي تقول بنبرة المنتصر: الآن يمكنني البدء من جديد.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى