أنتَ يا من وُلِدْتَ في الظلام ، في الخصى ، في كيس الصفن المتدلّي عنوةً كالمشنوق ، هناك حيث الأعضاء المخبّأة خلْقياً لتكون مخفيّة ومستورة وذليلة ومثيرة للاستحياء ، لأنها عوراتٌ مُخجِلة ، ويجب سترُها ، وحتى عند بني حيوان تكون مستترة ، ومحجوبة عند أولئك الذين لا يعقِلون .
فكيف بنا عند الذين يعقلون ؟
ويسمّونك ـ أيها الحيوان المنويّ ـ بذرة الحياة ، ولذا يجب دفنك كالبذور ، كي تنتش وتعشّش وتطلق جذورك ، قبل أن تطلق سيقانك للريح وتنتأ فروعك المشتقّة من أفخاذٍ وبطون .
وما أنت ـ على كبريائك الموهوم ـ إلا كائنٌ مجهريّ برأسٍ لا عيون له ، وسوطٍ يسوقك كالأفعى في مجاهل المسالك البولية النتنة ، ليتمّ إفراغك كالصّديد اللزج ، كالقيح الوبيل ، كالقشع ينفثه السّعال ، كالمخاط يعتصرونك بعد العطاس ، ويغتسلون من دنسك .
ما أنتَ إلا نتيجة لاحتلامٍ ليليّ أواستمناءٍ مُستقبَح ، في فراشٍ مرذول هاربٍ عن العيون أو مرحاضٍ شيطانيّ سكنَتْه الأرواح الشريرة .
ما أنت ؟
وما أخطأ من وأدَكَ قبل ولادتك بربط الخصى !
انظر ما أجمل الخصيان في بلاط الخليفة ، رجالٌ ناعمون كالنساء ، بقوّة الرجال العضلية لكنّهم مأمونو الجانب ، بلا أذى ولا ضير، لأنك أنت مصدر الأذى ، وأنت السُّمُّ الذي يبللون به رؤوس الرماح ، فبدونك لا قيمة لطعناتها ، وتشفى جروحها بلا عقابيل.
ما أشبهكَ بذكور النحل يربّونها للتلقيح فقط ، وتخرج النحلات الذكور بالآلاف في سباقٍ محموم نحو الملكة الطائرة أمامَهم ، وواحدٌ محظوظٌ فقط مَن يفوز بتلقيحها ، والباقون لا دور لهم ، يبترهم الإعياء وقد تأكلهم العناكب وكبار الدبابير .
قل لي عن رحلتك ، وأنت تخرج مع رفاقك بالملايين ، تتزاحمون في سراديب الأنفاق المظلمة الرّطبة ، وواحدٌ منكم فقط سيفوز بتلقيح تلك البيضة القابعة في رحم الدفء ، والباقون يبقَون خارجاً أو يعودون أدراجهم في مسالك الخيبة والإتلاف والجفاف.
وفجأة تقمّص ذاك الكائن المجهري شخصية شابٍ عشرينيّ معتدٍّ بنفسه ، كماردٍ خرج من قمقمه ، وقال حين تكامَلَتْ صورته واكتملت هيئته:
-أبخسْتَني حقّي يا هذا ، وتناسيت علوّ مقامي وسموّ مرتبتي على صغري ، كالمال أنا أصبحتُ مخزّناً في البنوك ، ثميناً كالجواهر النادرة ، فأنا ماء الحياة ، ولن أتطرّق لحنين العاقر إليّ ولا لشوق المحروم من نعمتي يدفعون الكثير لاحتضاني بالأنابيب المخبرية .
لستُ شبحاً أو جنّياً أتظاهر لك ، ولكني أتراءى لك الآن لأدافع عن دفقاتٍ عبثيّة من بني جنسي تنفر أنت منها الآن ، وتتفاخر بإراقتها وإهراقها كيفما اتّفق .
اسمع قصّتي ، قبل أن تتسرّع وتحكم عليّ بطيش كلماتك على ما فيها من قذفٍ وذم.
يومَها ،أحسَسْتُ ورفاقي بالرّعدة في كيان ذاك العاشق المسكين ، وتسرَّعَ منه النبض وزاد خفقان قلبه ، واندفع الدم من عروقه ساخناً إلى الحويصل المنوي حيث كان يختزننا كالسهام في جعبته ، وتحرّكَتْ ساعتَها منّا السياط متلاطمة على الزحام الذي كنا نقبع فيه ، تكاد تخنقنا ، وكنّا على أهبة الاستعداد للانطلاق نحو الهدف .
وكنت أتساءل ورفاقي إلى أين سيرمي بنا هذه المرّة ؟
وكم رمى بأمثالنا إلى اللاهدف ، كبصاقٍ يتفله ، لمجرّد شهوةٍ ذهنيّة ، أو رغبة تبقى فرديّة إذ لم تلقَ استجابةً من شريك .
لكننا هذه المرّة كنّا نحسّ معه بإحساس الصياد الذي كان واثقاً من وقوع الغزالة في الشرَك ، وانتظرْنا مثله ، وشعرْنا بها تقترب وقد راقت لها التجربة ، وكانت الأحابيل منصوبة لها أو له ، وما أحيلى أن تقع في فخ الحبّ ، واستسَغْنا نحن حميم اللقاء ، وتحرّكت منا السياط استعداداً للانطلاق العذب . وترضّبت من الشريكين الأفواه وتبللت الثغور ، يحدوهما الشبق المتّقد على وقْعِ الإيقاع المتسارع الذي كنا نتخيّله ونتراقص عليه ، وكأنه النفير ولحظة تقرير المصير.
لم يبقَ إلا أن يمتشقَ كنانته ، ويشدَّ منها الوتر المرتخي لتنطلق النبال .
وهذا ما جرى !
كالزناد الذي أطلق حمَمه نحو المقتل ، والمقتول فاتحٌ لك صدره يتشهّى الموت.
صدّقني ، ساعتَها كم تمنّيت أن تكون لي عيون لأرى معشوقته ، أتراها سمراء أم شقراء ؟ طويلة أم قصيرة ؟ وما لون عيونها يا ترى ؟
لكنّها ومن صوتها الذي كنّا نسمعه ، وتنهّداتها اللذيذة ، ورائحة عسيلتها الجذّابة ، كل ذلك جعلَنا نبدأ سباقَنا المجنون الذي سبق أن انتقدتَه .
وأنا الذي فزت بالبيضة التي تلقّفَتْني واحتضنتني، طبعاً أنا الفائز لأني ما زلت حياً ولذلك أكلّمك ، أما رفاقي المتقاعسين فقد اندثروا في المتاهات المظلمة كشهداءَ لا اسم لهم يلفظون أنفاسهم على النجيع.
أي صديقي ، لقد كنتُ حيواناً منوياً ، بلا اسم ولا هويّة ، كنت نطفة سابقاً كباقي النطاف ،وما أكثرها .
أما الآن فباتحادي مع نصفي المتلقّي صرْتُ مضغةً ، ومن ثم جنيناً ، ثم مولوداً ، ورضيعاً شاركتُ العاشقَ في نهود حبيبته ، لا بل اعتصَرَتْ منهما النسغ لي لتبقيني حياً ، صارت أمّاً بفضلي وكنتُ لها ابناً.
وصار لي اسمٌ مثلك يا ابن آدم ، ولي ميراثٌ لم أشقَ بتحصيله .
لكنّي ـ مع ذلك ـ أوافقك الرأي بأنّ رحلتي الجميلة تلك ستنتهي بشقائي أسوة ببني البشر ، لأجوع وأبرد وأتلقّى الظلم وأناضل للكفاح ضدّه .
وورثتُ فيما ورثت أمراضاً لا ذنبَ لي فيها
وورثتُ تاريخاً أرضعوني إيّاه مع لبن أمي ، ومطلوبٌ مني تبييض صفحاته الملطّخة ، أنا الحيوان المنوي صار لي تاريخٌ ومستقبل ، وسلالة تنتسخ عني.
قد لا تصدّقني إن قلت لك ، بأني كإنسانٍ كامل الآن أنصح بربط خصيتيّ ، فلا تنطلق مني نطفة تتعذّب مثلي
وأكثر ما يعذّبني أنني سأحبّ مثل باقي البشر ، وسأعشق ، وسأبحث عن نصفي الثاني ، وسأرمي عليها سهامي ، وسيعود تمثيل المشهد بنتيجته وإن اختلَفَتْ تفاصيلُه بعضَ الشيء .
**********************
فكيف بنا عند الذين يعقلون ؟
ويسمّونك ـ أيها الحيوان المنويّ ـ بذرة الحياة ، ولذا يجب دفنك كالبذور ، كي تنتش وتعشّش وتطلق جذورك ، قبل أن تطلق سيقانك للريح وتنتأ فروعك المشتقّة من أفخاذٍ وبطون .
وما أنت ـ على كبريائك الموهوم ـ إلا كائنٌ مجهريّ برأسٍ لا عيون له ، وسوطٍ يسوقك كالأفعى في مجاهل المسالك البولية النتنة ، ليتمّ إفراغك كالصّديد اللزج ، كالقيح الوبيل ، كالقشع ينفثه السّعال ، كالمخاط يعتصرونك بعد العطاس ، ويغتسلون من دنسك .
ما أنتَ إلا نتيجة لاحتلامٍ ليليّ أواستمناءٍ مُستقبَح ، في فراشٍ مرذول هاربٍ عن العيون أو مرحاضٍ شيطانيّ سكنَتْه الأرواح الشريرة .
ما أنت ؟
وما أخطأ من وأدَكَ قبل ولادتك بربط الخصى !
انظر ما أجمل الخصيان في بلاط الخليفة ، رجالٌ ناعمون كالنساء ، بقوّة الرجال العضلية لكنّهم مأمونو الجانب ، بلا أذى ولا ضير، لأنك أنت مصدر الأذى ، وأنت السُّمُّ الذي يبللون به رؤوس الرماح ، فبدونك لا قيمة لطعناتها ، وتشفى جروحها بلا عقابيل.
ما أشبهكَ بذكور النحل يربّونها للتلقيح فقط ، وتخرج النحلات الذكور بالآلاف في سباقٍ محموم نحو الملكة الطائرة أمامَهم ، وواحدٌ محظوظٌ فقط مَن يفوز بتلقيحها ، والباقون لا دور لهم ، يبترهم الإعياء وقد تأكلهم العناكب وكبار الدبابير .
قل لي عن رحلتك ، وأنت تخرج مع رفاقك بالملايين ، تتزاحمون في سراديب الأنفاق المظلمة الرّطبة ، وواحدٌ منكم فقط سيفوز بتلقيح تلك البيضة القابعة في رحم الدفء ، والباقون يبقَون خارجاً أو يعودون أدراجهم في مسالك الخيبة والإتلاف والجفاف.
وفجأة تقمّص ذاك الكائن المجهري شخصية شابٍ عشرينيّ معتدٍّ بنفسه ، كماردٍ خرج من قمقمه ، وقال حين تكامَلَتْ صورته واكتملت هيئته:
-أبخسْتَني حقّي يا هذا ، وتناسيت علوّ مقامي وسموّ مرتبتي على صغري ، كالمال أنا أصبحتُ مخزّناً في البنوك ، ثميناً كالجواهر النادرة ، فأنا ماء الحياة ، ولن أتطرّق لحنين العاقر إليّ ولا لشوق المحروم من نعمتي يدفعون الكثير لاحتضاني بالأنابيب المخبرية .
لستُ شبحاً أو جنّياً أتظاهر لك ، ولكني أتراءى لك الآن لأدافع عن دفقاتٍ عبثيّة من بني جنسي تنفر أنت منها الآن ، وتتفاخر بإراقتها وإهراقها كيفما اتّفق .
اسمع قصّتي ، قبل أن تتسرّع وتحكم عليّ بطيش كلماتك على ما فيها من قذفٍ وذم.
يومَها ،أحسَسْتُ ورفاقي بالرّعدة في كيان ذاك العاشق المسكين ، وتسرَّعَ منه النبض وزاد خفقان قلبه ، واندفع الدم من عروقه ساخناً إلى الحويصل المنوي حيث كان يختزننا كالسهام في جعبته ، وتحرّكَتْ ساعتَها منّا السياط متلاطمة على الزحام الذي كنا نقبع فيه ، تكاد تخنقنا ، وكنّا على أهبة الاستعداد للانطلاق نحو الهدف .
وكنت أتساءل ورفاقي إلى أين سيرمي بنا هذه المرّة ؟
وكم رمى بأمثالنا إلى اللاهدف ، كبصاقٍ يتفله ، لمجرّد شهوةٍ ذهنيّة ، أو رغبة تبقى فرديّة إذ لم تلقَ استجابةً من شريك .
لكننا هذه المرّة كنّا نحسّ معه بإحساس الصياد الذي كان واثقاً من وقوع الغزالة في الشرَك ، وانتظرْنا مثله ، وشعرْنا بها تقترب وقد راقت لها التجربة ، وكانت الأحابيل منصوبة لها أو له ، وما أحيلى أن تقع في فخ الحبّ ، واستسَغْنا نحن حميم اللقاء ، وتحرّكت منا السياط استعداداً للانطلاق العذب . وترضّبت من الشريكين الأفواه وتبللت الثغور ، يحدوهما الشبق المتّقد على وقْعِ الإيقاع المتسارع الذي كنا نتخيّله ونتراقص عليه ، وكأنه النفير ولحظة تقرير المصير.
لم يبقَ إلا أن يمتشقَ كنانته ، ويشدَّ منها الوتر المرتخي لتنطلق النبال .
وهذا ما جرى !
كالزناد الذي أطلق حمَمه نحو المقتل ، والمقتول فاتحٌ لك صدره يتشهّى الموت.
صدّقني ، ساعتَها كم تمنّيت أن تكون لي عيون لأرى معشوقته ، أتراها سمراء أم شقراء ؟ طويلة أم قصيرة ؟ وما لون عيونها يا ترى ؟
لكنّها ومن صوتها الذي كنّا نسمعه ، وتنهّداتها اللذيذة ، ورائحة عسيلتها الجذّابة ، كل ذلك جعلَنا نبدأ سباقَنا المجنون الذي سبق أن انتقدتَه .
وأنا الذي فزت بالبيضة التي تلقّفَتْني واحتضنتني، طبعاً أنا الفائز لأني ما زلت حياً ولذلك أكلّمك ، أما رفاقي المتقاعسين فقد اندثروا في المتاهات المظلمة كشهداءَ لا اسم لهم يلفظون أنفاسهم على النجيع.
أي صديقي ، لقد كنتُ حيواناً منوياً ، بلا اسم ولا هويّة ، كنت نطفة سابقاً كباقي النطاف ،وما أكثرها .
أما الآن فباتحادي مع نصفي المتلقّي صرْتُ مضغةً ، ومن ثم جنيناً ، ثم مولوداً ، ورضيعاً شاركتُ العاشقَ في نهود حبيبته ، لا بل اعتصَرَتْ منهما النسغ لي لتبقيني حياً ، صارت أمّاً بفضلي وكنتُ لها ابناً.
وصار لي اسمٌ مثلك يا ابن آدم ، ولي ميراثٌ لم أشقَ بتحصيله .
لكنّي ـ مع ذلك ـ أوافقك الرأي بأنّ رحلتي الجميلة تلك ستنتهي بشقائي أسوة ببني البشر ، لأجوع وأبرد وأتلقّى الظلم وأناضل للكفاح ضدّه .
وورثتُ فيما ورثت أمراضاً لا ذنبَ لي فيها
وورثتُ تاريخاً أرضعوني إيّاه مع لبن أمي ، ومطلوبٌ مني تبييض صفحاته الملطّخة ، أنا الحيوان المنوي صار لي تاريخٌ ومستقبل ، وسلالة تنتسخ عني.
قد لا تصدّقني إن قلت لك ، بأني كإنسانٍ كامل الآن أنصح بربط خصيتيّ ، فلا تنطلق مني نطفة تتعذّب مثلي
وأكثر ما يعذّبني أنني سأحبّ مثل باقي البشر ، وسأعشق ، وسأبحث عن نصفي الثاني ، وسأرمي عليها سهامي ، وسيعود تمثيل المشهد بنتيجته وإن اختلَفَتْ تفاصيلُه بعضَ الشيء .
**********************