د. سيد شعبان - جناية الألوان!

ابتدرني محييا؛ كنت في طريقي حيث قطار السابعة ونصف؛ حالة الجو لاتنبيء عن وصوله المحطة في موعده؛ تلفت ناحيته؛ لم أشعر بغير فتور تملكني؛ كان زميلا في مصلحة الفنون؛ تعودت أن أرتشف قطرات الشاي؛ أستمع إلى صوت الإذاعة؛ أغان وأمنيات بيوم سعيد، أمسك بالألوان وأصنع منها خليطا؛ ثمة سر في رسم اللوحة؛ يجب أن أبنعد عما يثير غضب الذي يسكن الحجرة الوثيرة؛ فكل الخيوط يجب أن تتماهى مع تفرد الملهم ؛ إنه يبدع في آرائه؛ يفعل من أجل الذين تلتف خيوط العنكبوت حول رقابهم؛ لو تذمروا ستكون تلك جدائل المقصلة تتدلى منها أعناقهم!
لم يفكر ذلك الزميل في أن يرسم طائرا يخفق بجناحيه؛ يكفي أن يكون ذلك اتهام بالتحريض على شيء ما!
حين سألته عن السر؛ أخبرني بأنه لايمتلك رفاهية شراء وجبة ساخنة؛ ينتظر؛ لقد أخفى حلمه في حائط جدار حجرته المعتمة في درب سعادة!
وحدهم القابعون في سراديب المتاهة يستحقون الصور الباهتة والمفردات تتسلل مع ساعات الليل إلى مخادعهم!
في مرة- لاأزال أعاني من تبعات ما أقدمت عليه- سولت لي نفسي أن أرسم ريشة تدفع بها الأمواج بعيدا؛ عد ذلك تندر مني بما تم تحقيقه في عالم تسكنه الحكايات!
استدعاني الذي يتربص بالذين يمسكون بفرشاة الألوان الدوائر؛ تلك حركات تتابع في عالم الأوهام!
حين نمت مبكرا - وكثيرا ما يحدث هذا- تحيط بي الخيالات والظنون التي أتوجس منها الخوف؛ اختلطت الألوان ومن ثم ملأت واجهات الميدان الذي يتوسط المدينة العتيقة؛ ثمة مبنى أبيض؛ يختزن فيه الرجل الملهم جينات الذين يسكنون البلاد!
تناثرت حتى تشكلت طيورا بيضاء وحمراء وأخرى على كل شكل ولون!
زميلي الذي لم ألتفت ناحيته عند محطة القطار؛ وشى بكل الذين أمسكوا بفرشاة الألوان!
في ظني أن ذلك الحلم مؤشر على تفاقم حالتي المرضية؛ لذلك لم أنم تلك الليلة؛ أنصت إلى برامج الإذاعة؛ خشية أن أجدني خبرا في صدر نشرة الصباح!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى