د. محمد عبدالله القواسمة - دور المثقف في خضم" أسئلة الإبداع وإشكالاته"

في كتابه " أسئلة الإبداع وإشكالاته" الذي صدر عام 2018 بدعم من وزارة الثقافة يستوقفنا فهم د. حسين جمعة لدور المثقف في الحياة وفي المجتمع، من خلال حديثه عن الإبداع، وما يتصل به من قضايا الجمال والإلهام والفن.

وحسين جمعة ناقد أدبي ومترجم، له مؤلفات وترجمات كثيرة عن اللغة الروسية، من مؤلفاته: "قضايا الإبداع الفني" 1983، "الصوت والصدى في الرواية الأردنية" 2002، " الحياة الفنية والأدبية في الأردن في القرن العشرين" 2004، " سالم النحاس أديبًا وإنسانًا" 2011. ومن ترجماته: "السن المكسورة" قصص مترجمة 1993، و"نظرات في مستقبل الرواية" 1981، و"تداخل أجناس الفن" 2007.

ينطلق د. حسين جمعة في حديثه عن المثقف ودوره من فهمه بأن الثقافة، أي ثقافة لا تكون منغلقة، بل منفتحة على الآخر، فهي جزء من مكتسبات الأمم الأخرى، بوصفها مجموعة القيم الروحية والمادية التي صنعها الإنسان عبر العصور، وتتوارثها الأجيال. إنه يفهم الثقافة بمعناها المادي والروحي، لتشمل جوانب الحياة بما في ذلك وسائل العيش وأدوات الإنتاج.

وهو لا يرى خطرًا على القيم الروحية من تطور العلم والتقنية، إذا تحكم الإنسان بالآلة ووجهها توجيهًا علميًا سليمًا. بل إن الإنسان، في ظل الامتلاك العام لوسائل الإنتاج، يمتلك الوقت الكافي للاهتمام بالفن والتربية السليمة والثقافة الروحية وتنميتها.

ويرى أن جوهر الثقافة في مجال الإنتاج الروحي والمادي يكمن في النشاط الإبداعي الفاعل، وأن الخطر الذي يحدق بالثقافة العربية يتأتى من توجهها إلى الثقافة الغربية، التي لا تخدم إلا مصالح الغرب من خلال المناداة بموت الفن، والدعوة إلى الاهتمام بالفنون الشكلانية البعيدة عن روح الفن، والمشبعة بروح العنجهية، والمتوجهة إلى النخب الثقافية خاصة.

ويرى أن على المثقف العربي، إزاء هذه الحالة التي وقع تحت تأثيرها، إيجاد الوسائل المقنعة والمرتبطة بالواقع الاجتماعي والسياسي الذي نعيشه، والإفادة من التراث العربي، ثم عليه الحذر في علاقته بالسلطة، بأن يترك مسافة بينه وبينها؛ ليدع لنفسه مجالاً للنقد البناء إذا ما خرجت عن الثوابت الوطنية والاجتماعية. إنه يؤدي دوره دون أن يحيد عن موقفه المبدئي في الدفاع عن مصالح البسطاء، والارتقاء بوعيهم، وكشف مغالطات السلطة، وهي تسعى لإبقاء هيمنتها وسيطرتها عليهم. كما عليه أن يحافظ على صموده، ويضع قضايا أمته على رأس أولوياته، ويبتعد عن الشخصانية والأنانية الفردية، ويكشف الانحراف والفساد في المجتمع، ويعري التحيز العنصري والطائفي، ويستنهض قوى الحرية والعدالة والمساواة. ولا يخضع إلا لاعتبارات وطنية وإنسانية عامة. إنه حصن الأمة المدافع عنها، وليس أداة لاضطهاد شعبه، إنه الرائي والفاعل العضوي في المجتمع.

لا شك في أن حسين جمعة قد فهم دور المثقف من خلال اطلاعه على الفكر الماركسي، ودراسته لعلم الجمال الماركسي، وهو لذلك يدعو للسيطرة على وسائل الإنتاج، وتوزيع الثروات القومية بعدل على أسس الاشتراكية العلمية، وصنع الكوادر المحلية القادرة على تيسير الأمور، وخلق القاعدة المادية الاقتصادية لإحداث التغييرات الاجتماعية المطلوبة في البناء الثقافي والتقني.

من اللافت أن حسين جمعة في كتابه قد تأثر بأفكار أنتونيو غرامشي، المفكر الماركسي الإيطالي الذي جاء بفكرة المثقف العضوي في ثلاثينيات القرن الماضي. والمثقف العضوي هو الذي ينخرط في الدفاع عن المضطهدين، وتعرية الطغاة والمستبدين، ومناهضة فكرة هيمنة السلطة الرأسمالية على الثقافة. وقد انتشر المفهوم بين المثقفين في العالم الثالث خاصة في مرحلة التحرر الوطني. والمعروف عن غرامشي أنه رفض الستالينية، وهو في السجن، كما ظهر في كتابه "دفاتر السجن" الذي ألفه قبل وفاته.

إن حسين جمعة يتبنى هذا المفهوم، الذي على ضوئه ناصر كل من يقف في مواجهة السلطات الظالمة، ورفض التطبيع مع الكيان المحتل؛ لهذا فهو يحيي الروائي صنع الله إبراهيم في رفضه تسلم جائزة ملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي عام 2003؛ احتجاجًا على موقف حكومته من إسرائيل التي تقتل الشعب الفلسطيني.

إن هذا الفهم لدور المثقف، كما جاء في كتاب حسين جمعة استنادًا إلى غرامشي، قد تطور على يد المفكر إدوارد سعيد، إذ جاء بفكرة المثقف الناقد في كتابه "المثقف والسلطة". فيرى سعيد أن المثقف الناقد يتميز بموهبة خاصة تمكنه من تقديم وجهة نظر، أو فلسفة، أو موقف، أو تبليغ رسالة. وقد يتحول في ظرف ما إلى المفكر “المقاوِم”، الذي يواجه تعسف السلطة، ويعتمد النقد في مقاربة مختلف المواقف والسياسات والأنظمة حتى تلك التي يناصرها؛ فـ"لا تضامن دون نقد" كما يقول سعيد.

لعل ما يمكن أن نضيفه إلى ما يطرحه د. حسين جمعة في كتابه "أسئلة الإبداع وإشكالاته" انطلاقًا من المصطلحين: المثقف العضوي الغرامشي، والمثقف الناقد السعيدي أن الدور الذي يجدر بالمثقف أن يضطلع به هو إخضاع كل شيء للمساءلة والنقد حتى أفعاله وأقواله، وأن تكون لديه القدرة على تجاوز الأيديولوجيا في سبيل الوصول إلى الحقيقة، وبخاصة في خضم هذا العصر، عصر التكنولوجيا الرقمية وما أفرزته من وسائل التواصل الاجتماعي، العصر الذي كثر فيه المثقفون التبريريون والاستعراضيون والانتهازيون والوصوليون ومدعو العصمة الفكرية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى