علاء أبو زيد - مقعد فى حديقة بمستشفى المجانين.. قصة قصيرة

تعتدل فى جلستها،ينكشف مزيد من صدرها المتاح من المفرق الى نهايته ،تقترب بصوتها الهامس من وجوه المشاركين فى جلستها :

- اريد ان اتزوج .

صاح صديقها دون ان يعتدل :

- وانا اريد ان اتزوج .

نظر اليها من يجلس معها لاول مرة بدعوة من صديقها ، قال وهو يشير بصوته باتجاه صدرها المكشوف .

- لن يرحب احد بمثل هذه الملابس .

دافعت عن اختيارها وعن حقها فى حريتها ومصيرها وملابسها .

فى اليوم التالى جاءت ترتدى ملابس تغطى عرى الامس ثم قالت:

- اريد ان اتزوج.

طلبت شيشة التفاح ، وطلب صديقها بيرة مثلجة، وقال وهو يرتشف مشروبه المفضل :

- ليتك كنت تصلحين لى ..كنا تزوجنا وانهينا مشكلتنا ..لكن انت تعرفين اننا فى عمر واحد ، وربما تزيدين ،انا فى الخامسة والثلاثين ، ليس هذا فقط ،انا وانت نحمل بداخلنا كثيرا من حرمان عشناه الى ان عملنا وكثيرا من التجارب الفاشلة بعد ان عملنا

اكمل وهو يضحك بنبرة ساخرة :

- لو انجبنا طفلا فمن الافضل ان نحجز له مكانا من الآن فى مستشفى المجانين .

استقبلت كلامه بابتسامه وخجل امام ضيف صديقها ،تمالكت وقالت :

- سأحل لك مشكلتك خلال اجازتى سأزوجك .. ما رأيك ؟

- موافق بالتلاتة ،وانا رهن اختيارك ،واتعهد امام صديقنا بصدقى والتزامى .

طلبت منى ان نبدأ ما ان نغادر هذه المدينة الاشهر فى مصر الآن ، تركنا صديقنا ليجهز حقيبة سفره، والذى كان قد اخبرها بأننى الوحيد الذى بإمكانى القيام بنجاح بتنفيذ مهمة العمل التى جاءت من اجلها ، تأكدت من ابتعاده ،ثم مالت لتهمس لى دون ان ينكشف منها شئ .

- انا جادة فى قرارى بأن ازوجه ..ارجوك ساعدنى ، فأنا اعرفه من زمن طويل واخشى ان يتبخر عند وقت الالتزام ، هل تعدنى بأن تقنعه بالالتزام معى .

اومأ برأسه موافقا بعد ان افاق من دهشته.

كان يعتقد انها ستحادثه فى امور تتعلق بمهام العمل القادم .

انتهى المؤتمر الذى جاءوا من اجله ،وغادروا المدينة التى لاتتوقف عن استقبال المؤتمرات كثيفة الحراسة .

ما ان وصل بيته ، وبعد ان نام اطفاله وزوجته دخل غرفة مكتبه ،اغلق الباب جيدا ثم انهمك ساعات طويلة فى اعداد تصور كامل لتنفيذ العمل القادم .

يدخل بها التاكسى المكيف من بوابة المدينة التى كانت تحلم بامتلاك احدى شققها ،الاعمدة العالية ينفذ نورها من بين افرع الاشجار الكثيفة فتبدو الشوارع نائمة ،

تدخل شقتها الواسعة ثم تغسل السفر تحت دش اصابه الكسل.

تتجول بقميص نومها العارى فى شقتها ،تتوقف امام السفرة ، تتأملها ، تتذكر انها اشترتها بنصف ثمنها مجاملة من صديق، تتحرك باتجاه غرفة نومها ، تتذكر الرجل الذى اهداها لها.

السرير مرتب ومتسع ، تلقى بجسدها وتغمض عينيها ، تتذكر الحلم الملازم لها فى الفترة الاخيرة والذى اجبرها على ان تأتى لتحقيقه .

زفاف فى منتصف النهار فى احدى الحدائق الواسعة ،هى احدى المدعوات ،لا تعرف احدا ولا احد يعرفها ، تجلس وحيدة ،العروس تمتلك وجها مضيئا يشبه القمر وبيدها حزمة من الزهور.

بعد مجهود تتوصل الى صاحبة الوجه

انها ابنة الجيران فى مدينتها الساحلية القديمة ، تندهش لانها تعرف انها لم تتزوج بعد .

تستدير العروس، تلقى حزمة الزهور للخلف حيث الفتيات الصديقات اللاتى ينتظرن بلهفه التقاطها.

طارت الزهور بعيدا عن الفتيات، كانت تتجه اليها فتسقط بين يديها وهى الجالسة تحت الشجرة العالية وحيدة .

تستيقظ من النوم واحساس بالفرحة يتجدد بتكرار الحلم .

الشوارع مازالت نائمة ،والليل طويل محير، ورغبتها فى الزواج لن تتحقق الا اذا تزوجت فتاة الحلم من صديقها الذى اختارته لها، وما يقلقها انها لم تثق للآن فى جديته .

تعرف ان صديقها لا ينام تهاتفه :

- انا بمفردى ،اريدك الآن، لا اريد ان اسمع منك موافقة او رفض، اذا قبلت تعال دون ان تخبرنى ،واذا لم تأت لا تخبرنى .

اطفأت انوار شقتها، ثم اشعلت شموعا صغيرة نثرتها فى زوايا الغرف، اغمضت عينيها وانتظرت .

عندما جاء فرحت، اخذته من يده الى غرفة نومها، حكت له عن حلمها المتكرر اخبرته انها لم تأت للعمل، بل جاءت من اجل رجل اختارها للزواج ، وان هذا الرجل حدد لها هذا التوقيت الذى يتوافق مع زيارته السنوية ليقضى اياما قبل ان يعود الى مقر تجارته فى البلاد البعيدة

أكملت وهى توشك على البكاء:

لقد قبلت بأن اترك ورائى نجاحا خسرت كثيرا من اجله ووافقت بأن اقيم معه حيث تستقر تجارته.

بعد صمت وتردد واصلت :

ورغم ذلك يتملكنى هاجس بأن رغبتى لن تتحقق، انت تستطيع ان تخرجنى من هواجسى بأن تتزوج الفتاة التى اخترتها لك .. هل تصدقنى ؟.. لماذا لا تصدقنى ؟..لماذا تصمت ؟.

لم يعلق.

دفنت وجهها فى صدره ثم بكت.

حملها بين يديه الى السريرالمتسع ،مسح دموعها، ازاحت له قميص نومها،وعدها بتحقيق حلمها، وناما عاريان على ضوء الشموع فى زوايا الغرفة .

يضع فوق مكتبه اوراقا كثيرة مرتبة، ينظر اليها بفرح وثقة فقد انجز المهمة على اكمل وجه .

يهاتفها ليزف لها الخبر ..لا ترد .

وبعد يوم .. تليفونها مغلق .

وكل يوم .. دون جدوى .

يخبره صديقه انه لم يستطع الوفاء بوعده، وانها تألمت قبل ان تسافر الى غربتها الممتدة، وانها قررت الا تعود .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى