ماءالعينين بوية - من تاريخ الشرق

صعدت مملكة جوسون على أنقاض مملكة كوغوريو، منذ القرن الرابع عشر أو الخامس عشر، على يد جنرال بأصول مغولية، استبد له الحكم و لذريته من بعده، من أعظم ملوكها ابنه و حفيده مخترع حروف اللغة الحالية، خرجت المملكة من عباءة الصين، ارتبطت بالكونفوشيسية بعد أن خلعت رداء البوذية، تعرضت لانتكاسات و غزوات من الشمال، وظلت في بعض فتراتها رهينة التبعية لحكام الصين...كانت مملكة منغلقة على ذاتها، حاربت السفن الأجنبية الغربية القادمة للاستحواذ و الاستغلال التجاري، تحولت مع بدايات القرن العشرين إلى امبراطورية، في أوج ضعفها، ترتفع الألقاب و تسقط الأختام، تعرضت لغزو ياباني، سقطت الامبراطورية و تحولت إلى جمهورية...

انقسمت إلى بلدين متناقضين في التوجه، نظام ديكتاتوري اشتراكي شمولي منغلق على ذاته، و دولة رأسمالية ليبرالية كانت تحت قبضت الجيش ثم انتقلت إلى الديمقراطية التامة....

بعد مرور عقود، و في أوج التقدم العلمي التكنولوجي الكوري الجنوبي، الذي غزا إعلامها و منتجاتها العالم، مازلت كوريا الشمالية تمنع الناس من الضحك لمدة إحدى عشر يوما في حداد على زعيم نهشت الأتربة عظامه....

حالة فريدة، فربما وسط هذا الغلق، تعيش كوريا الشمالية استمرارية لقب أطلق على مملكة جوسون، المملكة الناسكة، حينها كانت المملكة تعيش بزمن قرون تخلف عن الغرب، على هذا الحال قد تكون كوريا الشمالية على تخلف كوغوريو أو شيلا لا جوسون.

من يرغب في رؤية نتائج حكم الفرد و مقارنته بحكم الديمقراطية و الحريات....فلينظر الفرق بين النظامين و الدولتين.....حتى الصين أو كوبا شقيقات كوريا الشمالية خرجن من طوق عزلة حكم الفرد الطاغي على كل قرار....إلى حكم برأسين، واحد للحكم و آخر للاقتصاد.....

بالعودة إلى التاريخ في تفاصيل أخرى، أطاح تايغو بمملكة كوغوريو، كان ابنه الخامس تايجونغ اليد اليمنى له في تثبيت مملكتهم الجديدة جوسون، الابن السفاح تطلع للحكم بعد أن رأى الأب يكافئ الاخوة الصغار، فوثب على الكرسي في حياة والده، الذي تتازل بعد أن شاهد تقاتل الأمراء، نجح تايجونغ في ازاحة الاخوة المنافسين، و انشاء ملكية مطلقة بعد أن قتل رئيس الوزراء الداعم الأكبر لثورة والده، الأخير كان يرغب في دولة يحكمها الوزراء النبلاء ويكون فيها الملك بصلاحيات محدودة.

حكم تايجونغ بشكل مطلق و أقام مملكة دامت لقرون، غير أن تاريخه الدموي سيظل يذكر له قتله لإخوته و لأصدقائه ممن ساهم في ثورته و والده...ربما يكون شغف الابن للسلطة من أخطاء القائد المغولي الهرم الذي عاش ضعف كوغوريو و أراد إحياء مملكة قوية تنافس الجارتين الجنوبية و الشمالية، فناضل حتى جلس على الكرسي حاملا طمع ابنه في وراثته...

بعد وفاة الابن الحاكم الثاني، جلس على العرش أعظم ملوك جوسون، صاحب النهضة العلمية و الأدبية، و مؤسس لغتهم الحالية...خلد تاريخ كوريا بأنه الملك سيجونغ العظيم، بعده تولى الحكم ملكان ضعيفان، لتعود جوسون لتخلد حاكما آخر من أعظم حكامها، الملك سيجو، الذي كان في قوته و سلطته كسلفه تايجونغ، غير أن هذه الفترة الزاهرة من حكم الرجل، بدأت بخلع ابن أخيه و مجزرة لوزرائه، ثم قتل أخيه مباشرة...نقش دموي أيضا يسجل لحاكم عظيم...غير أنه قاتل.

من العلامات المعبرة للملكة الناسكة، أن آخر ملوكها و في قمة ضعفه و انقياده للغرب و للجارة الواثبة اليابان، تسمى بلقب الامبراطور....

من كوريا إلى تركيا، كانت نهاية السلطان بايزيد الأول مأساوية بانكساره أمام جيش المغول، قوة الرجل و تاريخه الحافل بالانتصارات و الفتوحات انتهت بلحظة مذلة، كانت كافية لترافق ذكره في التاريخ.

بالنسبة لحكم الدول، يقدم الشرق لنا امبراطوريات قامت على الدم و طفحت تمدد بشكل غريب، المغول مثلا وزعوا أسرهم على مساحات كبرى من العالم، و اندمجوا بشكل غريب مع ثقافات الشعوب المحتلة، على سبيل المثال، هؤلاء الوثنيون أسسوا سلالات حاكمة في عالمنا الاسلامي، بعضهم تنصر، و البعض اتخذ البوذية أو مثيلتها….

على خلاف كوريا أو الصين، تظل منغوليا دولة مغمورة، شاسعة المساحة قليلة السكان، في زاوية تعيش دون أن يذكرها العالم، رغم أنها أنتجت أكبر دول العالم شساعة….

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى