د. أيمن دراوشة - قراءة في رواية صبحي فحماوي "الإسكندرية 2050"..

عنوان الرواية: الإسكندرية 2050
اسم المؤلف/ صبحي فحماوي
عرض وقراءة / أيمن دراوشة


أولا : ملخص الرواية

يتناول الروائي صبحي فحماي في روايته التطور العلمي الهائل، الذي يصل إلى تغيرات كبيرة على مستوى الحياة، فهو يتحدث على ما سيكون عليه العالم في عام 2050م.

وتتضمن الرواية العديد من القصص الفرعية التي تتناول موضوعات عديدة زمانها الأساس هو زمن النكبة إذ يعود مشهور بطل الرواية دائما إلى الوراء ليستذكر مدينته العريقة عكا.

ويأتي الروائي على زمن النكبة وثورة يوليو وعدوان 1956 والنكسة ويستطرد بالحديث عنها وعن الهزيمة النكراء. كما يتطرق لحرب رمضان 1973.

لجأ الروائي إلى التجريب في روايته، فجاءت خليط بين الواقعية والفانتازيا،. ومزج بين العامية والفصحى بالنسبة للغة، وناقش في روايته قضايا متعددة أهمها الواقع الاجتماعي لطبقات المجتمع المصري، من الإقطاع وحتى تأميم كل شيء زمن عبد الناصر.
وتناول قضية المرأة بدرجة كبيرة، فتحدث عن الظلم الذي يقع على المرأة وكذلك العنف ضدها. وتنوع الزمن بين زمن أخضر وزمن أصفر.

وتأخذ فلسطين حيزًا كبيرًا في الرواية من خلال الاسترجاعات، فالرواية غالبيتها استرجاعات لزمن مضى.

كما أنها حنين وشوق إلى عكا وبحرها، وإحضار الوطن العربي بكل همومه وقضاياه الصعبة، وصور حياة اللاجئ الفلسطيني، ومقاساته في الحصول على الحد الأدنى من الحياة الكريمة. واهتمام الفلسطيني بالعلم وشغفه به حتى إنه كان له الفضل في 2050 بإنقاذ العالم من التلوث والدمار البيئي، باكتشافه الذي حول الإنسان والحيوان إلى اللون الأخضر، وأصبحت جميع الحيوانات أصدقاء فترى الأسد ينام بجانب الغزال!

ثانيًا : الشخصيات وملامحها

كانت شخصية مشهور الأكثر اكتمالا، وهي شخصية نامية، وعلى الرغم من نجاحاته الكبيرة إلا أنه يبقى يستذكر أيام الطفولة الصعبة والتي جعلها الاحتلال جحيما، ويصور بشكل لافت طفولة مشهور والفقر المدقع الذي عاش وأسرته فيه

"ولكن كيف تفرح وأنت ابن النكبة الفلسطينية الغابرة؟ كيف تفرح وقد ولدت شقيًّا داخل خيمة تنفث وهج حرارة الصيف اللاهبة، وتنثُّ رذاذ أمطار الشتاء المتلاحقة، تبرعت بها الجهات الرحيمة المتوحشة الحضارية الديمقراطية العظمى؟

"كيف تفرح، وقد عشت طفولة مغمسة بالطين اللزج، تنعجن به في ليالي الشتاء القارصة، وأنت تلعب تحت المطر، بقدمين طفلتين لبنتين حافيتين، فتحاول التخلص من الطين، بسحب رجلك الغارقة بتثاقل من هنا، لتغرسها هناك، فتجرح قدمَك زجاجةٌ مكسورةٌ مدفونة في طين قارعة الطريق، أو ينغرس مسمار حديد صدىء في لحمها الطري، أو تزرقُّ قدماك المنتفختان كقطعتي جبنة عكاوية بفعل البرد القارس، ومع ذلك تستمران تائهتين في دنيا الآلام، بينما المخاط الأصفر" ص 15

ومن الشخصيات الأنثوية في الرواية شخصية (أم عربي) وهي امرأة محبوبة ومكافحة في الحياة، يقول: "امرأة أنفوشية في الستينات من عمرها، من أهالي رأس التين، تلبس ملاية لف، وتضع على أنفها خمارًا من الخيوط السوداء، على شكل شبكة الصيادين، وفوقه حلقة خشبية أسطوانية صغيرة تشبه طُعم صنارة الصيد. ويبدو الخمار معبرًا عن عادات وتقاليد ومعالم وجه امرأة بحرية، بنت بلد، إذ تُظهِر الشبكة فمها وذقنها المدقوق بوشم نساء البلد وكأنه رأس سمكة بلطية قد كممتها الشبكة واصطادتها، فمنعتها من المرور. إِنَّها جمالية بلدية قديمة ملفتة للنظر. أزياء ملابس، لم يَرقَ فرزاتشي ليصمم مثلها. أزياء بلد، وأي بلد؟! إنها أنفوشي الإسكندرية، التي كانت في الأيام الخوالي أهم من شارع سليمان باشا في القاهرة. كانت الإسكندرية هي عاصمة العصر البائد" ص 85

وهناك تيتي الفتاة الشبقة، ويصف حاله معها (ولكنك أيها اللئيم تشتهي حضورها، فتتهيأ لاستقبالها. تقترب منك، فتلتقي معها بالأحضان، وتتنشق أنفاسها الأنثوية الشبقة اللاهبة، فتخرج من عالم الدنيا، إلى عالم الخدر. تمتص رحيق أزهارها، فلا تستطيع وصف تلك اللذة التي تسري في جسدك، لا بالشهد، ولا بكل ما أنعم الله على الإنسان من متع الدنيا! ها هي تيتي ملاك تزورك في أحلام صحوك، وتمتزج معك، فتذيب في أحضانك جسدها الطري، بنشْوَتِهِ الغامرة، وتمتص منك ما يخرجك من كل أطوارك. وتعرِّي كل مفاتنها وكنوزها لك وهي تحتضنك) ص 229

مشهور لاجئ فلسطيني استطاع الحصول على شهادة الهندسة وفتح شركته الخاصة في دبي، وبعد أن زار العديد من البلدان عاد ليموت في عكا.

الابن برهان حصل على منحة دراسية في المانيا وأبدع في الهندسة الوراثية وله فضل على العالم بأن جعله أكثر أمنًا وصديقًا للبيئة.

أم عربي امرأة مصرية مكافحة في الحياة.

تيتي فتاة يافعة وشبقة ولعبت دورًا في تجارب مشهور الجنسية، فهي المعلمة الأولى.
أبو جريس رجل أعمال ومالك الكثير من العقارت، تم تأميم ممتلكاته زمن عبد الناصر.
هناك بعض الشخصيات الأجنبية التي ظهرت تقدس العمل، وتحترم النظام والقوانين، وتستمتع في حياتها. ولكنها شخصيات ثانوية لم يكن لها دور محوري في أحداث الرواية.
وكانت شخصية سمر القاطنة في عكا وأولادها يستحقون جزءًأ أكبر من صفحات الرواية، وشخصية سمر كان يجب أن تكون إشكالية، فكيف رجعت إلى عكا؟ وكيف هي حياتها الآن مع هذا التغير؟

ثالثًا: الصراع

هناك صراع داخلي في نفس مشهور، يحس بالغربة الدائمة، ورغم ما حققه على صعيد العمل يظل يشعر بالنقص، فالوطن يشده رغم كل شيء.

أما ابنه برهان فكان صراعه عالميًا، يريد أن يجعل من العالم القاس مكانًا أكثر ودًّا وطمأنينة، فالعالم متوحش يأكل فيه القوي الضعيف، وبرهان وزوجته الألمانية يعملان ليكون العام أخضر بكل كائناته.

رابعًا : الأماكن في الرواية

الإسكندرية
ويقودنا الروائي إلى مدينة الإسكندرية المتخيلة، ويسير في القارئ فيها وكأنه دليل سياحي. فكانت كجولة سياحية وتاريخية إلى معالم الإسكندرية وأحيائها وشوارعها، ومطارها الحالي والمستقبلي الذي تم بناءه في عام 2045م. ويحدثنا المهندس اللامع برهان عن "شبكات الري بالرش على جنبات الطرقات التي تطل من بعيد، وكأنها قطعة من هامبورغ، لم أكن أتصور أن تكون الإسكندرية جميلة بهذا الشكل".

"ها هي شواطئ المعمورة، وقصر المنتزه، تظهر على شاشتك، مشبوكة مع مدينة الإسكندرية في معمار واحد، وقد كانت أيام صباك متباعدة، تفصل بينها أراضٍ زراعية، وعلى الجهة الأخرى بحيرة مريوط، ومنطقة الملاحات، التي كانت رياحها تذرُّ الملح في العيون، فتبدو على شاشتك، وكأن شيئاً لم يكن! قالوا إنهم قد جففوها، وها أنت تراها ص 12 مزروعة بالمشاريع المعمارية، وملونة بالحدائق، وفرِحة بالمتنزهات، ومتلألئة بأبراجها البلورية الساحرة. وعلى البعد، ترى مساحات واسعة شاسعة من تشوهات سكنية، لبيوت من صفيح صدئة، متراصة مترامية، في نهايات منطقة البحيرة، يبدو أنها لبقايا الفلاحين والعمال، المتآكلين المعجونين بنفايات مدينة العولمة، والذين لفظتهم وأقصتهم حرية رأس المال، وطردتهم إلى صحاري موحشة بعيدة، وكأنك أمام بانوراما معمارية متنافرة الصور! ص 13"

ويتغزل السارد في جمال الإسكندرية، وجوها المنعش، (تبتهج وأنت تشم هواء الإسكندرية النقي الرطب، وتشاهد المدينة الهادئة النظيفة، البحرية الطابع ! تصل بك سيارة الأجرة إلى فندق صغير على شكل بيت ريفي، أو فلّة على شاطئ كليوبترا، يعلوها قرميد شاحب اللون، تقبع على مسافة قريبة من أمواج البحر المتهجمة على الشاطئ ،(ياي !) الله ! الله ! البحر! إنه البحر!) ص 53

القاهرة
ويتناول المؤلف القاهرة ومزارعها الخضراء، وما جرى فيها من تغيرات سلبية فيما بعد، يقول:
"تكتشف داخل ذلك التزاحم الخانق- والذي هو واجهة من واجهات يوم الحشر والنشر- أن الناس طيبون، وتتسع صدورهم لبعضهم البعض. ولكن ما يمتعك حقيقة هو منظر السهول الواسعة (جنّات عا مَدِّ النظر، ما بينشبع منها نظر!)، مزارع خضراء، تنطلق منها أشجار نخيل باسقة بين حقول الذرة والقمح والبرسيم والفول وقصب السكر، تشبه مآذن مساجد لا نهائية في المدى الرحب! وأنت لم تشاهد نخيل مزارع من قبل إلا في الأفلام المصرية غير الملونة، وها أنت تشاهده ملونًا وعلى الطبيعة! إنه سحر مصر الخضراء، التي صحّروها لاحقًا! ص 43"
ويقارن الكاتب بين القاهرة في أواخر الستينيات وبين المخيم الفلسطيني الذي جاء منه مشهور، فيصور القاهرة بمبانيها الشاهقة، والازدحام السكاني الكثيف، والخدمات المتوفرة، ويسترجع أيام المخيم المعتمة.

عكا
تصف الرواية مدينة عكا، والذكريات الجميلة المفقودة، وتستذكر أيام مجدها، أيام ظاهر العمر، ويتناول العلاقة بين الأشقاء، بأن لهم نفس الأم ورمز لها بالبحر المتوسط.
ومن تلك الصور:

"تصوّر أن عكا والإسكندرية يُرضعهما بحر واحد، ويَفطمهما بحر واحد! ومصر وفلسطين أخوّة في الرضاعة من البحر، وأخوة في اللغة والدين والعادات والتقاليد والجغرافيا والتاريخ والمصالح ص 54"


كنت أتمنى من المؤلف أن يهتم أكثر بمدينة عكا ووصفها ومعرفة ما جرى فيها من تغيرات خلال هذه السنوات الطويلة.

خامسًا: الجودة

استخدم المؤلف صبحي فحماوي أساليب متنوعة نذكر متها:

توظيف التراث العربي والإسلامي.

توظيف المزج بين اللهجات المصرية والفلسطينية.

مليئة بتوظيف التراث كالملابس والمأكولات.

توظيف أسلوب التداعي الحر بشكل هائل.

توظيف الأمثال والأغاني بكثرة ولو اختصر الكاتب لكان أفضل.

وكذلك استخدم أسلوب الرحلة حيث سافر مشهور إلى دبي وألمانيا ومصر وفلسطين. والرحلة تغني تجارب الإنسان وكانت رحلة البطل إلى الإسكندرية للدراسة قد مدته بتجارب غنية في الحياة.
سادسًا: اللغة

قلنا سابقًا أن المؤلف مزج في رويته بين العامية والفصحى وأظن أنِّ اللغة العامية سهلة ومفهومة بالنسبة للقارئ العربي حيث حاول الكاتب أن قريبة من الفصحى، ونحن نعلم أنَّ كبار الروائيين قد مزجوا بين الفصحى والعامية لكن كل روائي على طريقته، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الروائي الكبير نجيب محفوظ.

"نحن شبكة إنتاج، متخصصة بالتجسس على عباد الله، منذ لحظة الولادة، وحتى لحظة الوفاة. وبناء على معلومة تقول: "إن المُحتضَر يتهالك على سريره خلال الساعة الأخيرة من عمره، فيتذكر كل الذي مضى، ويستعيد ذكرياته من المهد إلى اللحد، فتمر الأحداث كلها مضغوطة في مخيلته بسرعة مذهلة، يتذكر فيها كل شيء، وكأنه يعيشه الآن." فإنَّ عملنا يقوم على تسجيل رقمي، لكل ما يدور بخلد الإنسان في تلك اللحظات الفاصلة. ص5"

سابعًا: قائمة قليلة من الاقتباسات والأقوال والحكم القديمة

"التاريخ يا برهان مثل موج البحر، يرتطم بصخور الشاطئ، ثم يرتد، مدحورًا، ولكنه يلم شتات نفسه، ثم يهاجم الشاطئ من جديد!" ص 182

(شيء عجيب أن الإنسان لا يخلِّد الطيبين!) ص 12

(لا تعمل بمشقة، فإنك مهما تفعل، فلن تكون رقم واحد في العالم، ولذلك أرح نفسك، ودع القلق، وابدأ الحياة!)

ثامنًا: كلمة أخيرة

الرواية رواية خيال ، وهي رواية حلم بعالم أجمل تسوده المحبة والسلام.

أمَّا النهاية فهي نهاية موفقة بعودة البطل إلى مسقط رأسه بعد لجوء طويل وشاق، حتى ولو في آخر أيامه، فالحق حق ودائمًا سينتصر.

كما تكنيت أن يركز المؤلف بشكل أكثر على مدينة عكا بمعالمها التاريخية وحياة سكانها، وكذلك العناية بشخصية سمر ابنة الشخصية الرئيسة التي لم تظهر في الرواية إلا على شكل ظلال، وهي شخصية كان من الممكن أن تحوز الاهتمام الأكبر، لولا القصص الفرعية التي أخذت حيزًا كبيرًا، وغطت على الفكرة الرئيسة، وفي اعتقادي أنه من الممكن تحويل الرواية إلى مسلسل أو فلم سينمائي خاصة أنها تتضمن الدراما المشوقة، والمرح المحبب إلى القلوب.
يمكن أن تكون فلمًا، أو مسلسلًا ناجحًا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى