د. محمد عباس محمد عرابي - مفهوم قصيدة النثر في النقد العربي للباحث أحمد علي محمد

شغلت قضية قصيدة النثر نقادنا منذ ظهورها بين مؤيد ومعارض إلى أن أصبحت واقعًا فرضت نفسها بقوة على ساحتنا الدبية والنقدية، وحسما لمفهوما قام الباحثون والنقاد بإجراء العديد من الدراسات والأبحاث، وها نحن مع دراسة تناولت هذا المفهوم بالدراسة والتحليل:
"مفهوم قصيدة النثر في النقد العربي الحديث الأصول والتحولات"، وهي رسالة علمية تقدّم بها الباحث /أحمد علي محمد إلى مجلس كليّة الآداب ـ جامعة بغداد، وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير في اللغة العربيّة وآدابها بإشراف/الأستاذ الدكتور جميل نصيف التكريتي عام 2005، وفيما يلي عرض لمكونات الدراسة ونتائجها كما ذكرها الباحث على النحو التالي:
المحور الأول: مكونات الدراسة:
اشتملت الدراسة على توطئة وثلاثة فصول وخاتمة:
توطئة:
الفصل الاول: من شعرية الشعر الى شعرية النثر (مهاد نظري).
المبحث الأول: حدود النص ـ مدخل في نظرية النوع الأدبي.
المبحث الثاني: معطيات الحداثة.
المبحث الثالث: من شعرية الشعر الى شعرية النثر.
الفصل الثاني: مفهوم قصيدة النثر ـ التشكل التاريخي.
المبحث الأول: مفهوم قصيدة النثر في الخطاب الأدبي الغربي ـ الحاضنة الاولى.
المبحث الثاني: مفهوم قصيدة النثر في الخطاب الأدبي العربي ـ الحاضنة الثانية.
الفصل الثالث: قصيدة النثر إشكالية المصطلح والمصطلح المجاور.
مدخل في إشكالية المصطلح.
المبحث الاول: مصطلحات المرحلة النشوئية
بين النثر الشعري والشعر المنثور.
المبحث الثاني: مصطلحات المرحلة التاسيسية
ولادة قصيدة النثر.
المبحث الثالث: مصطلحات المرحلة التكريسية
انفتاح النصّ وعبور الأنواع.
المحور الثاني: نتائج البحث:
توصلت الدراسة لعدة نتائج ذكرها الباحث على النحو التالي:
تمثّل قصيدة النثر ـ بحدّ ذاتها ـ تحوّلاً من تحوّلات الوعي بمفهوم الشعر عربيّاً. فعلى الرغم من المحاولات الكثيرة لتقديم مفهوم للشعر خارج الأطر الوزنية التي استمرت لصيقة بمفهوم الشعر في المنظور النقدي العربي على تعاقب مراحله، ولاسيّما في متون فلاسفة ونقاد من قبيل الفارابي والقرطاجنّي وسواهما، ممن غلّب التخييل والتصوير على حدود الوزن والقافية في وضع قوانين الشعريّة العربيّة بشكل عام. إلا أنّ اللحظة الجوهريّة، بالاستناد إلى قيمة الوثيقة النصيّة، بدأ مع تحرر القصيدة العربيّة من قيودها الكلاسيكيّة حيث بدأ الشاعر كما الناقد العربيّ يدرك أنّ الوزن ليسَ هو الحدّ الفاصل بين الشعر واللا شعر. ذلك أنّ مفاهيم الشعريّة التقليديّة بدأت بالانهيار أمام حقيقة وجود هذا الشكل الشعريّ المتمرّد على تلك الثوابت التي استغرقت تأريخ الأدب العربيّ منذ فجره حتّى عصر ظلاميته، قُبيل الثورة الفكريّة التي عرفها العالم والتي شاعت تسميتها فيما بعد بعصر النهضة.
* نعد قصيدة النثر شكلا من أشكال القصيدة الغنائيّة، استدعت وجوده في صلب الأدب الغربيّ، الفرنسيّ والإنكليزيّ تحديدا، عوامل تأريخيّة، حضاريّة، وآيديولوجيّة ، وعن هذا الأدب المتحررّ نقلت الآداب العالميّة مفهوم قصيدة النثر ، ومن بين هذه الآداب كان الأدب العربّي حاضنةً ثانيةً له.
*إنّ تأريخ قصيدة النثر في الأدب العربيّ تأريخ شائك، ففي الوقت الذي نظرت المؤسسة الشعريّة العربيّة إلى قصيدة النثر بوصفها لعنةً وبدعةً ومحاولةً مبيّتة لهدم خصوصيّة الشعر العربيّ، نجدُ من حاول التأصيل لقصيدة النثر من موقع الدفاع عنها، فأنماها بوعي أو من دون وعي إلى عمق التراث النثريّ العربيّ، وربّما جاوز ذلك إلى عصور تأريخيّة أكثر عمقاً قد تسبق الشعر العربيّ واللغة العربيّة أيضاً ، وهذا ما نظر الباحث إليه بشيء من التحفّظ المشوب بالريبة ، فمن الوهم جعل نصّ معيّن من زمن ما أنموذجاً صالحاً لمفهوم لاحق عليه ، لا لشيء سوى اشتراك النصّين ببعض الخصائص أو كلّها ، من دون مراعاة تذكر لقيمة القصد ، وهي الشرط الأساسي كما نعتقد لتحقق الأنموذج النصيّ ضمن مفهومه .
إذن، فمن المناسب أن تكون الدراسة هذهِ مقتصرة على قضيّتين اثنتين تمهّدان لدراسات لاحقة من شأنها أن تستوعب القضايا الإشكالية المترتبة عليها حقيقة وجود هذا المفهوم المشكل في الشعريّة العربيّة، ونعني بهِ قصيدة النثر.
وعليهِ فقد انتهى الباحث إلى وضع ما يمكن أن يسميه سيرة ذاتية لقصيدة النثر في الأدب العربيّ ،وهي المرة الأولى كما يزعم الباحث ، التي تتوافر فيها فسحة بهذا الحجم لتعقب مفهوم قصيدة النثر ، والوقوف على اللحظات التأريخيّة التي تمّ تداول هذا المفهوم فيها ضمن الخطابين النقديّ والأدبيّ العربيين ، وذلك بحسب التقسيم الذي تواضعت عليه في هذه الدراسة ، حيث وجد الباحث أنّ مفهوم قصيدة النثر إنّما يتجلى في ثلاث مراحل تأريخيّة قسّمتها ابتداءً من لحظة مبكّرة وجدتها صالحةً بحكم المعطيات التأريخيّة الاجتماعيّة والايديولوجيّة والثقافية التي رصدتها، فكانت المرحلة النشوئيّة ومن ثمّ المرحلة التأسيسيّة التي استقرّ فيها مصطلح قصيدة النثر وأخيراً انتهى الباحث إلى المرحلة التكريسية التي شهدت انفجار هذا الشكل، كما شهدت حجم التحوّلات المتحققة في مدوّنته النصّيّة. ما استدعى نشوء مصطلحات بديلة أو مجاورة حاول الباحث الوقوف بمصاف المصطلح الرسمي (قصيدة النثر).
وبناءً على ذلك التحوّل كان لزاماً على الدراسة أن تفرد فصلاً خاصّاً لإشكالية المصطلح، الذي يمثّل القضية الممهّدة الثانية لدراسة قصيدة النثر. وهذا ما قادنا إلى بحث إشكالية المصطلح والمصطلحات المجاورة له عبر المراحل التأريخيّة المتقدمة نفسها، وهنا تحقق لنا إحصاء مصطلحات بديلة أو مجاورة لمصطلح قصيدة النثر، وهي المرة الأولى التي تحصي دراسة أكاديميّة هذا المقدار من المصطلحات وبما يتجاوز ضعف المتداول نقديّاً، وذلك من خلال تقصينا المصطلحات بما فيها المحلّيّ والمحدود التداول.
لقد سعت هذه الدراسة إلى بلورة مفهوم قصيدة النثر وتداوليته في الخطابين النقدي والأدبي العربيين.
ولقد سبقت محاولات في هذين الاتجاهين لم تتطرق إلى تحديد المفهوم ، وانحصر جهدها في الجوانب الفنيّة والشكليّة دونما عناية تذكر بقضيّة المفهوم وتحولاته التي تضعنا أمام مفترق إشكالي يمكن حصره في سؤال جوهري ينبغي على الدرس الأكاديمي ـ النقديّ الوقوف عنده ملياً بقصد إيجاد جواب واضح له ، ومنطوق هذا السؤال هو ( هل نحن بإزاء قصيدة نثر معلومة لها قوانينها المحددة ، أم أنّ هناك قصائد نثر متعددة ، تقتضي منطقيّا قوانين متعددة بتعدد المراحل التأريخيّة ، أو بتعدد الشعراء والأساليب والرؤى التنظيريّة ، وهل توليد المصطلحات البديلة أو المجاورة ضرورة ناجمة عن هذا التفكير الكامن في العمليّة الإبداعيّة ، أم هو سياق وعرف استدعته الرغبة التجزيئيّة ـ التفكيكيّة التي تحاول أن تنظر بعين المجهر إلى المكوّنات الأدبيّة ؟.)
هذا السؤال المركّب الذي نخلص به من كل ما تقدّم يدخل حتماً في صلب الفعل التجريبي للعمليّة الإبداعيّة، المتمثلة هنا بقصيدة النثر التي انتهينا إلى عدها شكلاً من أشكال القصيدة الغنائية التي تمثّل بدورها قاسما من قواسم الأنواع الأدبيّة الكبرى كما صار متعارفاً عليه في النظريّة الأدبية. ويقيناً إنّ دراسات لاحقة ستكون معنيّة بهذا الجانب، ستوضع موضع التقدير لما تتمتع به من أصالة وريادة، كونها تكشف بعضاً من حقيقة الفنّ الإبداعي ـ الشعريّ تحديداً ـ تلك الحقيقة التي مازالت محاطةً بالغموض. وإذا كان الغموض بشكل أو آخر سببا في أدبيّة الأدب وشعريّته، فإن محاولة الكشف عنه هو تحقيق للذة النقد، الذي هو اكتشاف قبل كل شيء وبعده

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى