"كتاب فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب" هو كتاب ألفه محمد بن المرزبان، وأصدرته منشــورات الجمل في ألمانيا في العام 2003. وصدره الناشـر بمقولة للسيدة رولاند (93-1754) (هكذا) نصها:
"كلما رأيت البشر، كلما أحببت الكلاب أكثر وأكثر"، - أنا أعرف أنه لا يجوز تكرار كلما – وأورد – أي الناشر – على صفحة الغلاف الأخير الفقرة التالية من الكتاب، معرفاً به:
"وروي عن بعضهم أنه قال: "الناس في هذا الزمان خنازير، فإذا رأيتم كلباً فتمسكوا به، فإنه خير من أناس هذا الزمان. قال الشاعر (بسيط):
أشدد يديك بكلب إن ظفرت به
فأكثر الناس قد صاروا خنازيرا
وقد اقتنيت الكتاب منذ عامين ونصف، ومنذ عامين ونصف وأنا أفكر في الكتابة عنه، أفكر في كتابة مقالة فقد لفت عنوانه نظري، ربما لأن هناك كلاباً أفضل بالفعل من بعض البشر. وربما لأن الفقرة المختارة للصفحة الأخيرة تعزز لدي فكرة هي أن الناس في كل زمان يرون أن زمانهم أسوأ زمان، وأن أناسه أسوأ بشر. فضّل الشنفرى الحيوانات الكاسرة على قبيلته حين قال:
هم الأهل، لا مستودع السر ذائع
لديهم، ولا الجاني بما جرّ يخذل
وقال الأُحيمر السعدي
عوى الذئب، فاستأنست بالذئب إذ عوى وصوّت إنسان فكدت أطير،
وكم شكا المتنبي من الزمان، وهذا ما يعززه صاحب كتاب فضل الكلاب الذي عاش في القرن الذي عاش فيه المتنبي. وإذا ما سار بنا الزمن وقرأنا لشعراء عصر المماليك قرأنا قول احد الشعراء:
زماننا هذا خرى/ وأهله كما ترى
إلى ورا إلى ورا/ بحيث لا تجد لخير خبرا
وفي القرن العشرين قال الشاعر المصري أمل دنقل، متأثراً بالمتنبي أو بأبي العلاء المعري:
لا تسألي النيل أن يعطي وأن يلدا
لا تســــــألي أبــــدا
إني لأفتح عيني، حين أفتحهــا
على كثــير ولكن لا أرى أحدا
ومنذ بداية هذا العام الذي يوشك أن يولي، هذا العام الذي اختير لأن يكون عام الكلاب، وأنا أفكر في كتابة مقال عن عام الكلب. سأشاهد البرامج التي تخص الكلب وتحتفل به، وسأقرأ بعض ما تكتبه الصحف عنه، بل وسأقص الأخبار وأحتفظ بها، وسأستحضر في ذهني بعض القصص والروايات التي أتى فيها أصحابها على الكلب وأبرزوا له فيها صورة إيجابية، أو بينوا اهتمام الشعوب به. وربما تكون أولى الروايات التي استحضرتها هي رواية عبد الرحمن منيف "النهايات"، وفيها يموت بطلها عساف في الصحراء، ويظل كلبه يدور حول جثته، لا يبتعد عنها، علّ الآخرين يأتون ليقوموا بما ينبغي أن يقوموا به. لقد كان كلباً مخلصاً. وأما أولى القصص التي ظلت تحفر في الذاكرة، وربما أتيت عليها في مقالات عديدة كتبتها، فهي قصة الكاتب الفلسطيني "توفيق فياض" "الكلب سمور"، هذا الذي اعتدى على الإنجليز، يوم اعتدى هؤلاء على صاحبه في فلسطين، ما دفعهم إلى إصدار أمر بسجنه، وحين هاجر الفلسطينيون في العام 1948 إلى المنافى، هاجر معهم، ولكنه لم يقدر على حياة اللجوء، فعاد إلى قريته، عاد إليها وكان مثالاً نادراً للوفاء إلى الأرض.
أنا شخصياً كتبت قصة عنوانها "كأس نبيذ حزناً على موت الكلب"، وهي قصة حقيقية لا رمزية، فقد عشت في العام 1990 مع أسرة ألمانية في (بون)، مرض كلبها وأخذته تعالجه، ولكن البيطري ضربه إبرة، لأن حالته لم تكن على ما يرام، ولأنه إنْ عاش فلن يعمر طويلاً. حزنت الأسرة على كلبها، وشربنا النبيذ بهذه المناسبة، وأحضرت لي (جيردة) ألبومي صور للكلب، شاهدته فيهما منذ اقتنته العائلة.
وسأقرأ فيما بعد قصة محمود شقير في مجموعته "صورة شاكيرا" "كلب بريجيت باردو"، لأقرأ عن عالمين مختلفين في نظرتهما إلى الكلاب، عالم مرفه متخم، وعالم فقير لا يجد ما يأكله، وربما تذكرت مقطع مظفر النواب: "يأكل قط ما يشبع عائلة في عدن". ولكني، وأنا أقرأ كتاب "كتاب فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب"، قرأت عن اهتمام العرب بهذا المخلوق واحتفالهم به احتفالاً كبيراً لما عرفوه عنه من وفاء لم يجدوه لدى البشر، فأيقنت أن الأوروبيين لا يأتون بشيء ليس موجوداً في ثقافتنا العربية بخصوص الكلب. ولمن يريد أن يتأكد من هذا، فما عليه إلا أن يعود إلى الكتاب ويقرأه.
العام يكاد ينصرم ولم أكتب عن عام الكلب. وربما يرى بعض القراء في هذا أمراً طبيعياً، فالفلتان الأمني والفوضى وانتشار السلاح وقتل الإسرائيليين لنا، قتلهم المستمر، أشياء يجدر أن يكتب المرء عنها. ربما. وهي أهم.
منذ بداية العام وأنا أفكر في الكتابة عن عام الكلب ولم أوفق. الآن وأنا أتابع أخبار مقتل الأطفال الثلاثة وغيرهم واختطاف البشر أتذكر كتاب فضل الكلاب.....!!!
"كلما رأيت البشر، كلما أحببت الكلاب أكثر وأكثر"، - أنا أعرف أنه لا يجوز تكرار كلما – وأورد – أي الناشر – على صفحة الغلاف الأخير الفقرة التالية من الكتاب، معرفاً به:
"وروي عن بعضهم أنه قال: "الناس في هذا الزمان خنازير، فإذا رأيتم كلباً فتمسكوا به، فإنه خير من أناس هذا الزمان. قال الشاعر (بسيط):
أشدد يديك بكلب إن ظفرت به
فأكثر الناس قد صاروا خنازيرا
وقد اقتنيت الكتاب منذ عامين ونصف، ومنذ عامين ونصف وأنا أفكر في الكتابة عنه، أفكر في كتابة مقالة فقد لفت عنوانه نظري، ربما لأن هناك كلاباً أفضل بالفعل من بعض البشر. وربما لأن الفقرة المختارة للصفحة الأخيرة تعزز لدي فكرة هي أن الناس في كل زمان يرون أن زمانهم أسوأ زمان، وأن أناسه أسوأ بشر. فضّل الشنفرى الحيوانات الكاسرة على قبيلته حين قال:
هم الأهل، لا مستودع السر ذائع
لديهم، ولا الجاني بما جرّ يخذل
وقال الأُحيمر السعدي
عوى الذئب، فاستأنست بالذئب إذ عوى وصوّت إنسان فكدت أطير،
وكم شكا المتنبي من الزمان، وهذا ما يعززه صاحب كتاب فضل الكلاب الذي عاش في القرن الذي عاش فيه المتنبي. وإذا ما سار بنا الزمن وقرأنا لشعراء عصر المماليك قرأنا قول احد الشعراء:
زماننا هذا خرى/ وأهله كما ترى
إلى ورا إلى ورا/ بحيث لا تجد لخير خبرا
وفي القرن العشرين قال الشاعر المصري أمل دنقل، متأثراً بالمتنبي أو بأبي العلاء المعري:
لا تسألي النيل أن يعطي وأن يلدا
لا تســــــألي أبــــدا
إني لأفتح عيني، حين أفتحهــا
على كثــير ولكن لا أرى أحدا
ومنذ بداية هذا العام الذي يوشك أن يولي، هذا العام الذي اختير لأن يكون عام الكلاب، وأنا أفكر في كتابة مقال عن عام الكلب. سأشاهد البرامج التي تخص الكلب وتحتفل به، وسأقرأ بعض ما تكتبه الصحف عنه، بل وسأقص الأخبار وأحتفظ بها، وسأستحضر في ذهني بعض القصص والروايات التي أتى فيها أصحابها على الكلب وأبرزوا له فيها صورة إيجابية، أو بينوا اهتمام الشعوب به. وربما تكون أولى الروايات التي استحضرتها هي رواية عبد الرحمن منيف "النهايات"، وفيها يموت بطلها عساف في الصحراء، ويظل كلبه يدور حول جثته، لا يبتعد عنها، علّ الآخرين يأتون ليقوموا بما ينبغي أن يقوموا به. لقد كان كلباً مخلصاً. وأما أولى القصص التي ظلت تحفر في الذاكرة، وربما أتيت عليها في مقالات عديدة كتبتها، فهي قصة الكاتب الفلسطيني "توفيق فياض" "الكلب سمور"، هذا الذي اعتدى على الإنجليز، يوم اعتدى هؤلاء على صاحبه في فلسطين، ما دفعهم إلى إصدار أمر بسجنه، وحين هاجر الفلسطينيون في العام 1948 إلى المنافى، هاجر معهم، ولكنه لم يقدر على حياة اللجوء، فعاد إلى قريته، عاد إليها وكان مثالاً نادراً للوفاء إلى الأرض.
أنا شخصياً كتبت قصة عنوانها "كأس نبيذ حزناً على موت الكلب"، وهي قصة حقيقية لا رمزية، فقد عشت في العام 1990 مع أسرة ألمانية في (بون)، مرض كلبها وأخذته تعالجه، ولكن البيطري ضربه إبرة، لأن حالته لم تكن على ما يرام، ولأنه إنْ عاش فلن يعمر طويلاً. حزنت الأسرة على كلبها، وشربنا النبيذ بهذه المناسبة، وأحضرت لي (جيردة) ألبومي صور للكلب، شاهدته فيهما منذ اقتنته العائلة.
وسأقرأ فيما بعد قصة محمود شقير في مجموعته "صورة شاكيرا" "كلب بريجيت باردو"، لأقرأ عن عالمين مختلفين في نظرتهما إلى الكلاب، عالم مرفه متخم، وعالم فقير لا يجد ما يأكله، وربما تذكرت مقطع مظفر النواب: "يأكل قط ما يشبع عائلة في عدن". ولكني، وأنا أقرأ كتاب "كتاب فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب"، قرأت عن اهتمام العرب بهذا المخلوق واحتفالهم به احتفالاً كبيراً لما عرفوه عنه من وفاء لم يجدوه لدى البشر، فأيقنت أن الأوروبيين لا يأتون بشيء ليس موجوداً في ثقافتنا العربية بخصوص الكلب. ولمن يريد أن يتأكد من هذا، فما عليه إلا أن يعود إلى الكتاب ويقرأه.
العام يكاد ينصرم ولم أكتب عن عام الكلب. وربما يرى بعض القراء في هذا أمراً طبيعياً، فالفلتان الأمني والفوضى وانتشار السلاح وقتل الإسرائيليين لنا، قتلهم المستمر، أشياء يجدر أن يكتب المرء عنها. ربما. وهي أهم.
منذ بداية العام وأنا أفكر في الكتابة عن عام الكلب ولم أوفق. الآن وأنا أتابع أخبار مقتل الأطفال الثلاثة وغيرهم واختطاف البشر أتذكر كتاب فضل الكلاب.....!!!