نرمين دميس - رسائل البحر..

أمام أمواج البحر المتلاطمة كدروب وعرة يصعب سلوكها، تحت سماء تسكنها طيور النورس، تناجي الجالسين على الشاطئ، وكأنها تحمل لهم رسائل من الجانب الآخر ، اعتادت الجلوس شاخصة ببصرها في الأفق البعيد، ونسيم البحر الهائج يداعب وجهها، فتستسلم له خصلات شعرها المنسدل على كتفيها، كأنها ريشة في مهب الريح.
تطيل النظر وكأنها ترى رواد الشاطئ البعيد المقابل، تبحث بينهم عن ضالتها وحلمها الغائب، تسلم أذنيها لرسائل النورس، علها تحمل الرسالة المنتظرة منذ سنوات، ترسم بأناملها الرقيقة كلمات على الرمال الناعمة، فيأتي الموج ليمحو ما رسمت، يحمله في طياته، ويذهب به بعيدا داخل ظلمات البحر، تلتقط الأصداف التي حملها الموج معه، فآثرت البقاء على الشاطئ، تشارك رواده حكاياهم، توشوشها وتبوح لها بأسرار قلبها الكامنة في جوفها، فتسمع مواساتها لها، ووعدها إياها بحفظ السر.
يلوح في الأفق البعيد سفن تمخر عباب البحر، فما أن تراها حتى تهب مندفعة نحوها، تلوح لها بيديها، ربما تحمل الغائب على متنها، لكن السفينة تكمل ابحارها إلى الجانب الآخر، ولا تأتي أبدا، تعود تجرجر أذيال خيبة الأمل، تجلس مكانها على الشاطئ، تحدث نفسها أنه ربما لم يحن الوقت بعد، يراقبها الناس باستغراب، كأنها امرأة أصيبت بضرب من الجنون، أو ندهتها النداهة، فلم تعد تسمع إلا نداءها الخفي، فلا يجرؤ أحد على محادثتها، ولا هي تعبأ بنظراتهم، يتكرر المشهد كل يوم حتى تغيب الشمس من كبد السماء، فتعود أدراجها على وعد مع البحر وأمواجه ونوارسه بلقاء متجدد في الغد.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى