سعيد رفيع - وهو أيضا يحب عرائس البحر.. قصة قصيرة

في الجنوب، وفي شرم الناقة على وجه التحديد، على بعد بضعة كيلومترات من الشاطئ ، كان قد فرغ توا من جذب البروسي وألقي به في بطن القارب، ثم أدار المحرك ، وصوب مقدمة القارب صوب الشمال ، محاذرا الشعاب المرجانية الخطرة، التي يعرف مواقعها جيدا.
الوقت بعد العصر بقليل ، وكان يعرف أنه لن يدخل مرسى الصيادين بالغردقة إلا بعد صلاة العشاء ، هو شخصيا يفضل ذلك ، إذ كان من ذلك النوع من الصيادين الذين لا يحبون أن يطلعوا أحدا على حصيلة صيدهم ، والدخول إلى المرسي ليلا سيحقق له ذلك، بمجرد أن يدلف إلى المرسي سيهبط بثلاثة أجولة معبأة بالأسماك ، لن يكون بالمرسي عدد كبير من الناس في ذلك الوقت ، ثلاثة أو أربعة صيادين على الأكثر.
انقضت فترة سكون الرياح ، التي استمرت ثلاثة أيام ، وبدأت طلائع رياح الأزيب الحارة تهب من الجنوب ، وهذا ما سيساعده في الإبحار شمالا صوب الغردقة ، فقاربه الجديد لا يزال محتفظا بأشرعته ، حتى بعد أن قام بتجهيزه بمحرك حديث بقوة أربعين حصانا ، فقد دأب على استخدام الأشرعة في كثير من الأحيان ، خاصة عندما تهب الريح صوب نفس المكان الذي يقصده ، حينئذ يكتفي برفع الأشرعة، ويبقي محركه ساكنا ، حفظا له ، وتوفيرا للوقود.
لكن عندما اشتدت رياح الأزيب ، ولفحت وجهه بسخونتها ، أنزل الأشرعة وادار المحرك ، فسرعة المحرك تفوق سرعة الرياح مهما اشتدت ، والسرعة مطلوبة في هذه المرة بالذات، ففي ظل الحرارة التي ترافق رياح الأزيب ستتعرض حصيلته من الأسماك للتلف ، خاصة لو تاخر في الوصول إلى المرسى.
بعد أن توارت الشمس خلف جبال الساحل الغربي ، تراءت له الحافة الجنوبية لجزيرة جفتون ، لم يجد ثمة صعوبة في رؤيتها بوضوح ، إذ كانت الليلة توافق الرابع عشر من شهر ربيع أول ، وكان القمر مزهوا باكتماله ، فواصل ابحاره صوب الشمال ، وقدر أن ما تبقى له من وقت لن يتجاوز الساعتين ، بعدها سيكون على مشارف مرسى الصيادين بالغردقة ، وقدر أيضا أن التلف لن يلحق بأسماكه خلال هذا الوقت القصير ، فقد وضع الأسماك بعناية في أربعة صناديق خشبية ، وقام بتوزيع ألواح الثلج بالتساوي على الصناديق الأربعة ، ولم ينس أن يغطي الصناديق بأجولة الخيش ، كي تعزل الأسماك عن رياح الأزيب الحارة.
كان الصمت مطبقا على الأجواء ، إلا من صوت المحرك ، ومن صوت تلاطم الأمواج الصغيرة على جانب القارب ، فأخذ يدندن بأغنية قديمة من أغاني الصيادين ، ولكنه لم يكملها ، إذ توقف فجأة عن الدندنة ، عندما ارتفع من مؤخرة القارب صوت يشبه القرقعة ، انحرف القارب بعدها قليلا إلى اليسار ، وتباطأت حركته ، فأوقف المحرك على الفور ، وبحكم خبرته أدرك أن تلك القرقعة لا تحدث إلا من مروحة الرفاص ، فقد تصادف معه أكثر من مرة أن مروحة الرفاص ، في حركتها الدائرية المتواصلة ، كثيرا ما تصطدم بأحد الدلافين ، النتيجة المؤكدة لذلك هي موت الدلفين ، أو إصابته بجرح خطير على الأقل ، ويرافق ذلك في أحيان كثيرة أن يلحق الضرر بمروحة الرفاص ذاتها ، ففكر أن يخلع ثوبه ، وأن ينزل إلى الماء كي يتفحص المروحة ، ولكن قبل أن يفعل طفی فوق الماء جسم كبير. ، خمن أنه دلفين ، تطلع إليه ، فبدا له بالفعل كدلفين ضخم ، يزيد طوله عن المترين ، ولكن عندما أمعن النظر تأكد أن ما يراه لم يكن دلفينا ، بل انثي عروس البحر ، عرف ذلك من ذيلها الكبير الذي يشبه حدوة الحصان ، ومن الزعنفتين الوحيدتين في أعلى الجسم ، واحدة جهة اليمين ، وأخرى جهة اليسار.
تملكه القلق ، وأخذ يفكر بسرعة ، فكر في الضرر الذي يمكن أن يكون قد لحق بمروحة الرفاص ، رغم أنه لم تكن لديه أي مشكلة في مواصلة الإبحار ، إذ يمكنه أن يعتمد على الشراع ، فالشراع وحده كفيل بأن يصل به إلى وجهته سالما ، خاصة مع هبوب رياح الأزيب الحارة التي ترافقه في رحلته شمالا صوب الغردقة.
ولكن رغم ذلك لم تنحسر لديه حدة القلق ، إذ كان يتمنى ألا يكون الضرر قد لحق بالمروحة ، فالمحرك لا يزال جديدا ، وقد دفع للحصول عليه مبلغا كبيرا ، ولا تزال هناك أقساط عديدة عليه أن يدفعها بانتظام کي يسدد ثمنه بالكامل ، لذلك شرع على الفور في خلع جلبابه ، وقفز إلى الماء ، ثم غاص بالقرب من مؤخرة القارب حتى امسك بيده مروحة الرفاص ، وأخذ يتفحص الريش باصابعه، واحدة بعد اخری ، ریشة ، إثنتان ، ثلاث ريشات کاملة وسليمة ، وهو ما يعني أن الضرر لم يلحق سوى بعروس البحر ، التی كانت لا تزال طافية فوق الماء دون حراك ، وهو ما أوحي له بأنها قد ماتت فور أن ضربتها المروحة ، بعد أن اطمأن لسلامة المروحة عاد يتطلع إلى عروس البحر ، التي دفعت بها الأمواج حتى كادت تلتصق بالقارب ، نظر طويلا إليها ، وفكر كيف يمكنه أن يستفيد منها، واستبعد فكرة أن يقوم برفعها إلى ظهر القارب ، فهو لن يستطيع بمفرده أن يفعل ذلك ، كما استبعد فكرة ربطها بحبل وجرها خلف القارب ، فعروس البحر لن تبقى طافية حتى يصل إلى المرسى ، إذ من المحتمل أن تغوص أحيانا تحت وطأة وزنها ، وهو الأمر الذي قد يقلب القارب ، أو على أقل تقدير قد يشكل عبئا كبيرا لا يحتمله المحرك ، ناهيك عن أنه لن يستطيع أن يدخل إلى المرسي بمثل هذا المخلوق البحري ، وهو يعلم جيدا أن قوانين الصيد تجرم صيد عرائس البحر باعتبارها من الكائنات البحرية النادرة.
وكان الحل الذي استقر عليه هو أن يربط العروس بحبل إلى جانب القارب ، يربطها إلى الرمانة اليسرى أو اليمنى ، وأن يعرج بها إلى جزيرة جفتون، التي كانت قريبة منه في تلك اللحظة ، وهناك يقوم بسحب العروس إلى شاطئ الجزيرة ، ثم يقوم بسلخها ، وينقل إلى القارب أكبر كمية من اللحم يمكن أن يحتملها قاربه ، وهذا هو ما حدث بالفعل ، فقد أدار المحرك ، ودفع بالدفة يسارا ، فانحرفت مقدمة القارب يمينا صوب الجزيرة.
أوقف قاربه على بعد عشرة أمتار تقريبا من شاطئ الجزيرة ، لم يكن بإمكانه أن يتقدم أكثر من ذلك ، فهو مثل أي خبير بشئون البحر يعرف جيدا متى يقف ومتى يتقدم ، وهو يعرف أنه لو تقدم مترا واحدا أكثر من ذلك فإن غاطس القارب سيصطدم بالقاع ، الذي يحفل بشعاب مرجانية خطرة تطوق الجزيرة من جميع الاتجاهات.
لم يشأ أن يضيع وقتا ، إذ كان متعجلا للوصول إلى الغردقة قبل أن تفسد حمولة قاربه من الأسماك ، وكان لا يزال بسرواله بعد أن خلع الجلباب ، فاختار أطول حباله على ظهر القارب ، وقفز إلى الماء ، ثم طوق به رقبة عروس البحر ، بعد أن حررها من الحبل الآخر الذي يربطها بالقارب، وشرع يخوض في الماء صوب الشاطئ ، وهو يشد السمكة خلفه ، وعندما وصل إلى الشاطئ استدار إلى الخلف ، ثم غرس قدميه في الرمال ، وواصل جذب السمكة نحوه بكل ما يملك من قوة ، كانت المياه بالقرب من الشاطئ ضحلة ، فشعر بثقل السمكة ، ومع ذلك واصل الجذب ، حتى تمكن من جذب أكثر من نصف السمكة إلى الرمال الناعمة ، و بعدها جلس إلى الأرض يلتقط أنفاسه ، ودار برأسه يتفقد الجزيرة من حوله ، كانت الجزيرة خالية تماما ، وكان الشاطئ مليئا بقناديل البحر وأعشاب القيصار التي رمت بها الأمواج ، كما لمح عددا كبيرا من الجحور المتناثرة في أرجاء الشاطئ ، وأعدادا أكبر من الكابوريا التي تخرج منها أو تعود إليها في ضوء القمر.
فكر أن يقوم بجولة استكشافية على الشاطئ ، بحثا عن آثار السلاحف التي تدفن بيضها في الرمال ، تمنى أن يعثر على كمية كبيرة من البيض ، وأن يحمله معه لزوجته ، فزوجته تحب بيض السلاحف ، وهو كذلك يحبه ، بيضة واحدة منه كفيلة بأن تشعره بالشبع ، وبيضتان كفيلتان بأن توفرا له نشاطا متوافرا طوال الليل مع زوجته ، وربما لهذا السبب لا تكف زوجته عن تذكيره بالبحث عن بيض السلاحف كلما نزل إلى البحر .
استيقظ فجأة على صوت يشبه الزفير ، فارتعد قليلا ، ثم خفتت الرعدة حتی تلاشت تماما ، فهو يعرف أن جفتون بالذات هي من الجزر التي تخلو من الجان والعفاريت ، وقد سبق له أن نام على شاطئها أكثر من مرة بمفرده دون أن يرى عفريتا أو جنيا ، كان الصوت لا يزال يأتيه متقطعا ، وكان يأتي من مسافة قريبة جدا منه ، عندها ألقي نظرة إلى عروس البحر الممدة أمامه ، رأى أنها لا تزال تتنفس ، وأنها تحاول أن تحرك رأسها يمنة أو يسرة ، أمعن النظر إليها ، فرأى خيطا من الدم يسيل من جانب رأسها ، وأدرك أن جرحا أصابها جراء ضربة المروحة.
استغرق في تأملها ، لم تكن غريبة بالنسبة له ، فقد رآها قبل ذلك عدة مرات ، يحلو دائما لعرائس البحر أن تسبح بمحازاة قوارب الصيد ، غالبا ما يحدث ذلك عندما تسكن الرياح وتصبح صفحة الماء مثل مرآة تتلألأ في ضوء الشمس ، اعتاد الصيادون أن يلقوا إليها بعضا من أسماكهم ، فتتلقف ما يلقى اليها وتواصل سباحتها إلى جوار القارب ، ثم تودعهم بأن تضرب الماء بذيلها الكبير ، بعدها تغوص في الماء وتختفي في الأعماق.
كل الصيادين يحبون عرائس البحر ، وهو أيضا يحبها ، أمر واحد لا يحبه فيها ، وهو رأسها ، فرأسها لا يعدو أن يكون مجرد كتلة متورمة بها فتحتان للعينين ، حتى الزعنفتان الكبيرتان في أعلى جسمها ، واللتان تبدوان كذراعي إنسان ، تضفيان عليها مزيدا من القبح ، ومع ذلك يطلقون عليها عروس البحر ، لقب لا تستحقه دون شك.
ورغم ذلك كله فهو يحبها ، فعرائس البحر تصنع الكثير من أجل الصيادين ، فهي التي تؤنس وحشتهم في عرض البحر ، وهي التي تنقل الغرقى أو الذين يوشكون على الغرق وتلقي بهم بالقرب من الشاطئ ، صحيح أن الدلافين تشاركها في نقل الغرقى ، ولكن الدلافين لا تنقل الذين يوشكون على الغرق ، الدلافين تلعب وتعبث بأي جسم ميت يطفوا فوق الماء ، سواء كان الجسم لغريق أو لسمكة ميتة ، عروس البحر وحدها هي التي تنقل الغرقى حتى لا تفترسهم أسماك القرش ، هي كائن طيب ، كائن يذكره بزوجته فزوجته ليست جميلة ، ورغم ذلك فإنه يحبها ، لأنها طيبة ، ولأنها تفعل الكثير من الأشياء الجميلة من أجله ، يكفي انها ترعاه ، وترعى أطفاله ، ويكفي أنها تؤنس وحشته ، وتشده إلى عالم جميل من المتعة عندما يشعر بالسأم وتتراكم عليه الهموم.
تذكر أنه لم يحضر معه سكينا ليسلخ عروس البحر ، وكان من المفترض أن يهرع لإحضار السكين من القارب ، فعلى متن القارب يوجد أكثر من سكين ، سكاكين من كل الأحجام ، يحتاجها الصياد عادة لتقطيع الأسماك ، أو تقطيع الطعم ، أو قطع الحبال ، أو حتى تقطيع الخضروات التي يتزود ببعضها قبل نزوله إلى البحر ، إحضار السكين لن يكلفه سوى أن يخوض إلى حيث يرسو القارب ، بضعة أمتار ذهابا ، وأخرى إيابا ، ولكن بدلا من أن يفعل ذلك ، قام يبحث عن قناديل البحر ، التي كانت متناثرة في أرجاء الشاطئ ، وأتى بأحدها ، وشرع يدعك به موضع الجرح من رأس عروس البحر ، فعل ذلك عدة مرات حتى توقف نزيف الدم ، كان لابد من إيقاف النزيف ، فقد قرر أن يعيد عروس البحر إلى الماء ، وعودتها وهي تنزف سيعرضها حتما للخطر ، فأسماك القرش تشم رائحة الدم من بعيد ، وعندها ستشرع في البحث عن الضحية حتى تعثر عليها ، ثم تتجمع حولها ، ولا تبقي منها شيئا.
وحتى يضمن توقف النزيف بشكل قاطع عمد إلى تقطيع قنديل البحر إلى عدة قطع صغيرة بأصابعه ، وحشا بها موضع الجرح العميق ، فهو يعلم جيدا أن قناديل البحر تكوي الجروح ، ثم تناول بيده بضعة أعشاب من القيصار وأدخلها في فتحة الجرح ، انتهى من ذلك ثم قام من فوره ، وشرع في جذب العروس صوب البحر ، فعل ذلك بكل قوته ، حتى نجح في شدها لبضعة أمتار في الماء ، وهي مسافة اعتقد بأنها كفيلة كي يغطي الماء معظم جسمها ، بما يسهل عليها مهمة السباحة عندما تبرأ ، ترکها هناك ، بعد أن حررها من الحبل ، وقفل عائدا إلى الشاطئ ، ليبحث عن بيض السلاحف.
سار مسافة طويلة على ساحل الجزيرة يقص أثر السلاحف ، وعندما وجد أثر إحداها ، تتبعه حتى توقف عند كومة من الرمل ، فشرع ينبش الرمل ، عندئذ تجلي له بيض السلاحف وهو يبرق في ضوء القمر ، لم يكن لديه ما يحمل فيه البيض سوى سرواله ، بعد ترك جلبابه في القارب ، فخلع السروال على الفور ، وفرشه على الأرض ، ثم قام بجمع أكبر عدد من البيض ، بعد أن عالج السروال ليصبح أشبه بالصرة.
بعدها عاد أدراجه ، وشرع يخوض في الماء صوب القارب ، وبعد أن خطا بضع خطوات في الماء تلفت إلى الموضع الذي ترك فيه عروس البحر ، لكنه لم يجد لها أثرا ، فأدرك أنها رحلت بعد أن برأت من جرحها ، فواصل خوضه في الماء حتى بلغ قاربه ، عندئذ أفرغ البيض في أحد الأجولة الفارغة ، وعمد إلى ارتداء جلبابه ، ثم جذب البروسي ، وأدار المحرك ، فانطلق القارب ، بينما جلس هو في المؤخرة ، ممسكا بالدفة ، وهو يدندن بأغنية أخرى قديمة من أغاني الصيادين.
لم يمض وقت طويل على انطلاق القارب ، حتى لاحظ سمكة كبيرة ترافقه في رحلته ، كانت السمكة تسبح بمحازاة القارب من الجهة اليسرى ، وعندما نظر إليها ، أيقن أنها عروس البحر ، بل ذات العروس التي عالج جرحها على شاطئ الجزيرة ، كان مسرورا لرؤيتها وهي تسبح بهذه الحيوية ، فتناول سمكة وألقى بها إليها، فتلقفتها عروس البحر على الفور ، فرمى إليها بسمكة ثانية ، ثم ثالثة ، فرابعة ، كانت عروس البحر تتلقف الأسماك وتواصل السباحة بمحازاة القارب ، ولما توقف عن رمي مزيد من الأسماك إليها ، ضربت عروس البحر صفحة الماء بذيلها فتطايرت بضعة قناديل بحر في الهواء لتسقط في بطن القارب.
شعر أن عروس البحر تناوشه ، وربما تلاعبه ، فقرر أن يشاركها اللعب ، فأخذ يتناول ما تلقيه إليه من قناديل البحر ، ويعيد إلقاءه إليها ، عندئذ تضرب العروس صفحة الماء بذيلها من جديد ، ليتطاير المزيد من القناديل في الهواء ليسقط في القارب ، فيتناولها ويلقي بها إليها ، ظل يناوشها وتناوشه ، خيل إليه أنه يسمع ضحكاتها من تحت الماء، فبادلها الضحك ، وقهقه عاليا لعلها تسمعه ، وتواصلت المناوشة واللعب بينهما حتى أشرف القارب على المضيق الذي يفضي لمرسى الصيادين.
قبل أن يعبر المضيق أبطأ من سرعة القارب ، فسبقته عروس البحر ، ولكنها لم تدخل المضيق ، بل شرعت تطوف حول القارب ، طافت حوله عدة مرات ، ثم أبطأت من سرعتها هي الأخرى ، فسبقها القارب ليدخل المضيق ، بينما استدارت عروس البحر ، لتواصل سباحتها صوب الجنوب.
تملكه شعور مفاجئ بالوحدة .. انقلب بعدها إلى شعور جارف بالحب .. شعر أنه يحب كل الكائنات والمخلوقات .. ويحب عرائس البحر أكثر من سواها .. فعروس البحر تذكره بزوجته .. زوجته الطيبة .. شعر أنه يحب زوجته أكثر من ذي قبل .. وباغته شوق جارف إليها .. ثم حانت منه التفاته للجوال الذي يحوي بيض السلاحف .. وتحركت يمناه لتضغط على ذراع المحرك لتزيد من سرعته .. فعلها دون أن يدري .. إذ كان مشغولا بالتفكير في زوجته الطيبة .. وكان يمني نفسه بليلة ممتعة في أحضانها .. ليلة أكثر حرارة من رياح الأزيب .


* معاني بعض المفردات المستخدمة في القصة :
١ - شرم الناقة : منطقة ساحلية تقع جنوب الغردقة.
٢ - البروسي : ويقال عنه أيضا الهلب .. وهو عبارة عن قطعة من الحديد الثقيل تلقى إلى الماء لكي يتوقف القارب.
٣ - رياح الأزيب : رياح حارة وساخنة تهب على البحر الأحمر من الجنوب إلى الشمال.
٤ - جفتون : جزيرة تقع جنوب شرق الغردقة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى