أ. د. عادل الأسطة - الانتظار

أشعل سيجارته بعد لحظات من جلوسه في زاوية المطعم وأخذ ينتظر زميله، بين الفينة والفينة كان ينظر في الساعة، ثم يعاود النظر إلى الصحيفة، مرت من أمامه فتاة فلم يكترث لها.​

لم ينه سيجارته الأولى حتى أشعل سيجارته ثانية، كانت سحب الدخان تصعد في الهواء على شكل حلقات دائرية، وكان يتأمل هذا الوضع، يعود فينظر إلى الصحيفة للحظات، ويرفع معصمه لينظر إلى الساعة ثانية، حين أخرج الدخان من فمه نفخ بقوة، لعله كان يريد أن يلغي هذه الحلقة الدائرية اللولبية ويصل فجأة إلى أعلى السقف.

كانت الفتاة تتناول طعامها بشهية، حسدها على ذلك وفكر في أن يذهب ليحضر الطعام، لكن موعده لم ينته بعد، ولا بد أن يحضر الصديق.

أشعل سيجارة ثالثة، فنظرت إليه الفتاة. لم يكترث لها كثيراً، وأغلب الظن أنها تضايقت من رائحة الدخان، بعد قليل انتقلت إلى طاولة أخرى. كان منظره غريباً، أو هكذا يبدو. الذين جاؤوا بعده فرغوا من تناول طعامهم. قبل أيام أخذ يتردد مع شخص آخر، ولكنه لم يبد مسروراً.

ملاحظات قالها النادل:

كانوا ثلاثة يأتون كل مساء يتناولون عشاءهم، ثم يشربون قدحاً من النسكفيه ويغادرون. فيما بعد أخذ يتردد وحده. سألت عن صديقه فلم يجبني. أخذت العيون تنظر إليه دوماً، ذات نهار كاد يصرخ فيهم ولكنه بكى بشدة، ثم جلس يأتي كل يوم يدخن ويدخن ويدخن، ثم يغادر المطعم دون أن يتناول طعامه. قبل أيام أخذ يتردد مع شخص آخر، ولكنه لم يبد مسروراًً ... كان حزيناً .. حزيناً.

قراءة على هامش الصحيفة التي تركها:

محمد الجميل الجميل هل أنا الذي ...؟ ذاك المساء تأخرت لرؤيتها .. ليتني الآن .. ليتني أنا .. الموت .. أنا الميت .. سوف أذهب هناك .. هذا الوضع زفت .. انهكتنا أحلامنا ... سوف نصبح حيوانات مستهلكة .. السيارة .. الرحلة .. الكولونيا المستوردة. محمد الجميل .. ذهب الجميل .. وأنا .. أنا سترة مستوردة. هل أنت مثلي يا سعيد .. ترى هل تهرب من زمنك؟ هل تهرب من نفسك .. العمارات .. الخليج .. العودة يا سعيد .. أين أنت أنهكتني الصعلكة. هل تظنني المسؤول؟؟

وأنت أيها الصديق الجديد .. ما الذي أخرك، هل عرفت شيئاً عن محمد .. هل عرفت محمداً؟ هل ظهر لك في النوم؟ هل أخبرك شيئاً عني؟ تعال حتى نثرثر عن زمن مضى؟ زمن أتى ؟ زمن يأتي؟ الخيانة الهروب، الضعف المرأة، العبث البشري.​

الجميل الجميل مضى .. أنا بقيت .. قدح من الشاي سجائر فاخرة .. إمرأة .. الجميل الجميل مضى .. أتى سعيد في أية زاوية تراه الآن قال شيئاً .. لو قال لأنقذني .. أنهكني التعب .. الصعلكة .. الصديق الجديد هل سمع شيئاً هل سمع شيئاً؟ الجميل الجميل هو ينهض من قبره .. لو أخذني معه؟ النادل هل قال شيئاً للصديق الجديد؟ هل جاءه سعيد وقال شيئاً. هل قال شيئاً؟ قال قال قال .. والدخان .. الفتاة هربت .. هل سمعت شيئاً .. الدخان .. الدخان هل يقتلني؟ لو هكذا فجأة .. لو ينهض الجميل .. الجميل ..​

ما قاله الصديق الجديد:

كان يحدثني عن الخيانة واللاجدوى. ذكر اسم شخص قتل بعد أن تخلى عنه صديق ولم يأت في الموعد، لو أتى لما تم القتل، الثالث لم يدر أين هو .. لعله في زاوية مهملة، فيما بعد عرفت أنه ثالثهم، انه صديق محمد ترى هل هو ..؟ في هذا الزمن يلزم الحذر، لعله صادق ولكن ..​


(الفجر الأدبي 1983)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى