العربي الرودالي - رخامة بيان واستلهام رؤيا، في ديوان "جمرات الريح" للشاعر عبد العزيز أمزيان.

"حين تحط القصيدة على أصابع الشاعر".

*دراسة نقدية:

*تقديم:
-العنوان باعتباره عتبة أساسية لها وظيفتها الرمزية والدلالية والمشروعاتية، هو إعداد في سياق قصيده العام وسياق ديوانه للكل واستنتاج من الكل.. ويفترض أن نجد له، الخاص، دورا ضمنيا في هذه الأضمومة الراهنة بشموليتها.. لكن، وعلى صعيد الفهرسة، سيحصل تيهان مع مقروء نموذجي، وهو يتلقى تنوعا مختلفا وجذريا.. فكيف سيتم إدراك هوية شمولية، مع قصائد متمفصلة عن بعضها بشكل عميق، في اعتمال ظرفياتها؟ ثم كيف ستتصرف الدراسة، بغاية العثور على آليات وأدوات منهجية، تساهم في تفكيك وتحليل واستنباط رؤى متوازنة، انطلاقا من ذات الشاعر لاستنطاق السياق العام.. خاصة وأن ملامح شعرية بارزة حدقت هنا اشتغالها.. مما سيدفع بالدراسة إلى التعامل مع ديوان "جمرات الريح" على طبيعته، لبحث مدى توحد الأضمومة الراهنة، وقد اشتم منها منتوج إبداعي معطاء بمكوناته.
*هوية النص العام للديوان:
-إن الهوية الشعرية لديوان جمرات الريح، للشاعر عبد العزيز أمزيان، لابد وأن تتمثل في "النص العام" لديه، ارتباطا بعتبة العنوان.. وقد جمع تضمن فهرسته 92 قصيدة، تلخص كلها عدة سنوات من إبداعات شاعرها، فيما بين سنتي 2003 و2013 ..وقد سبقه طباعة بعدة أعوام، سنة 2014، ديوان آخر بعنوان"مواقد الروح"، وأيضا مجموع رسائل حب شاعرية، بعنوان "نافذة على الغيم"*2... وللتأكيد، فهو ليس باكورة أعمال شاعره على مستوى الطبع، بل هو إصدار متأخر، تخللته ضمن عشر سنوات سابقة، منتخبات متفرقة، جمعت من إبداعات لها تحديداتها.. وهذا يعني أن قصائده التي قد غطت الفترة الزمنية المذكورة، انتقيت صدفة لهذه الطبعة الراهنة، وفق معيار من كل حقل مقطوف... والجدير بالذكر أن هذه الظاهرة تعتبر في سوسيولوجيا الآدب، توثيقا مناسباتيا وذاكراتيا... فالديوان إذن هو عبارة عن عدة تجارب تلقائية، تمتلك تموقعات وفق منطقها... ولهذا لم تتمكن من تكوين سياق خاص لها... حيث أن الإشكال هو في نصوص متوزعة على فترات، لكن أثمرت عطاء هو عبارة عن عدة مصادفات إبداعية، تأشكلت في الذات الشاعرة... ويمكن القول بأن مقطوعات الديوان هذه، بلورت هنا ثقافة عامة، لكن بعدة صيغ رؤيوية، في خط له انعراجاته.
*تعميق الإشكال:
- إن عنوان الديوان هنا، له تركيبة من كلمتين متناقضتين هما "الجمرات" و"الريح"، ويحتاج إلى دلالة سيميوطقية لتصنيفه... فما الذي يجمع بين "اللفظتين" من خلال تيماته المتفرقة؟ إذ يلاحظ أنه ديوان عاش بالفعل، أحوالا متفاوتة، هي مؤشرات مأثرة، وبوح ضاغط، وإبداع ملح.. مما يدل على أصناف من المعاناة والانفعالات والاكتواءات احتدمت بحثا عن أمل مفقود ورغبة تائهة،في الذات والقصيدة وما بينهما، من وجود متأزم، وغياب أهل وصحاب، و محنة شعب فلسطين، وهواجس حول الوطن والمرأة والطفولة، ومرثيات رحيل أحبة... وكلها أحوال معقدة بمشاغل حياة (مجتمع نامية) أصابها دوار سراب موهم ل"مدينة فاضلة"*3، أضناها إغراء الحداثة الغربية البراق، في مدينة مهمومة بقدر شساعتها، هي مدينة الدار البيضاء*4..مما يعبر عن حالة نأي برؤى غيرمستقرة، بعيداعن وضع مجتمعي متشظ، وحلم عاجز، وثقافة متأرجحة... فأتى الشعر هو أيضا متقلبا إلى عدة أبعاد مغتربة، دون خطاب مركزي...فهل هذا يعني أن لديوان جمرات الريح تركيبةعاجزة عن تحقيق أسلوبيتها؟ أم أن للدراسة رأي آخر؟
*تدليل الإشكال:
-هذه الأوجه المتعددة باختلافاتها الظاهرة، هي مما يفرض إحضار عامل التأليف،ومصداقية الإلمام بالكل.. فالمؤلف هو المشرف العام، المعد للكتابة،المصمم للفهرسة، والمخطط للتوزيع... إذن هناك أدوار تتبادل... فالتأليف بالمعنى الجماعي، هو المسؤول عن معماريته.. أما الوضع الإبداعي للمضامين مبنى ومعنى، فموكول للمبدع، أي الشاعر .. والشاعر عبد العزيز أمزيان بتمرسه الإبداعي، فهو يمتلك كتابة متميزة تغري بالقراءة.. وسينجلي ذلك عبر مسؤولية الدراسة النقدية في استكشاف ما يمثل العتبات*4التكوينية لها، وعلاقتهابالمنظور الكلي، أي بوابة العنوان، وقطبية المفاهيم، وتنصيص الفهرسة.. وترى، هذه الدراسة، أنه من الضروري أن يكون لهذا التوليف، نمط أسلوبي غالب هو من سيتحكم في الكل، الكاتب والمبدع والنص... لأن هذا الأسلوب نابع من قريحة مكتسبة لأدوات شعر متجوهرة في الذات المبدعة، تتربع على تصورات الأضمومة، موضوعاتيا وتعبيريا ودلاليا.. وانطلاقا من هذه الرؤية،لابد أن تتبلور أسلوبية شاعرية، تنصهر فيها تنوعات وتمظهرات شتى، بحضور قوي لعامل مشترك ما، يمهر سياقا يتحد ىإشكالات العناصر المكونة للإبداع شموليا، عبر رؤيا تقود صنعتها الإبداعية.. وهكذا، فمن أبرز ما ستنجلي فيه قطبية فاعلة وآسرة للدراسة النقدية، هي لغة شعر لا انفصام لها.. حيث تمكنت هذه اللغة بسياقها، من إحكام المفارقات الضمنية، بين كافة الارتباطات.. فكيف ذلك؟
*حضور اللغة الشعرية وتميزها:
- النصوص الشعرية دوما في تتابعها، لا بد وأن تعبر شكلا ومضمونا،عن تراتبية معينة وفق تكوينها البنيوي.. والشاعر له فيما ورائياته عاطفة وجدانية معبرة عن استبطان طلق لكل لبنات الكتابة لديه، والتي تستدعي ضرورة التحام المضامين، فهي منه وإليه.. وقد استطاع، كما بدا له، أن يجد لنصوصه ممارسة مرنة مع لغة شعر سيميو/بنائية، بكل آلياتها التوليفية.. وقد تم ترويض هذه اللغة، لتفعيل أسلوبية ثرية بومض وجداني، ومنطوق رخيم، وإيحاء رحب...ولذا فكل القصائد استطاعت بعث ماء شاعري، ينبجس دلالات ملهمة ضمن سقياه، بحمولة ذاتية مرهفة تجاوزا لكل إشكال ممتنع، وتمهيدا لبلورة كل المحتويات... لأن معانقة اللغة للذات الشاعرة هنا، خدمت تضافرا إبداعيا لم القصيد العام.. خاصة وأن الشاعر هو شاعر رقة لغوية بامتياز.. فهذه اللغة الشاعرية المتأصلة لديه، تمتد أيضا حتى في أسلوبية أعماله الشعرية الأخرى، كما أشير من قبل، حيث تتمثل فيها هوية الذات المبدعة... وأهم ما تبدى من كل ذلك، حضور لغة وجودية عائمة بإيقاع تعاطفي حميم، أفرزت وجدانيات إنسانية عميقة، لا تخفيها ثنايا جمرات الريح، بتماه الكل مع الكل... وبهذا التوجه الشمولي، تم الانتقال من منطوق تعبيري ثابت إلى تأويلات إيحائية متولدة، في نسجية شعر أتاحت للرؤى تماسكها.
*الأسلوبية ووظيفتها الشعرية:
-هذه الأسلوبية إذن تطعمت بطاقة دينامية متحركة،من شحنات تلك اللغة الرخيمة برقتها، والعائمة بمجازاتها، فخايطت كل المنظومة الشعرية برمتها، تصوريا ودلاليا، فيما بين كل المفارقات والمقاربات لديها.. وبذلك احتدمت كل المشاعر والهواجس والافتراضات، وراء المتون رغم اختلافاتها...ونتج عن ذلك ثلاث تصنيفات حاضنة لها بتمركز، وهي:الذات- والقصيدة-والمرأة، لإمكان تساكنها شعريا، باعتبارها الأهم تردادا... فاللغة هنا كينونة، بنت لنفسها منطق متواز، بعمق وجودي ذاتي- وطابع رومانسي جمالي- وصبغة رمزية دلالية... وهكذا ترابطت، في هذه البوثقة مصادفات عارضة، وجدت لأجلها نهجا أسلوبيا تناسجيا يحتويها.. فتحول الكل إلى سيرة ذات/شعر مرحليا، أذابت التفكك الصوري لديها تلطيفا لكل المواضيع المطروحة... وصار هناك انسجام للذات مع الوفاء للصداقة، والتقدير للمرأة، والتأسي على فلسطين، والحزن للمرثي، وانزياحات أخرى.. الشيء الذي أعطى منآى لهجر واقع متحجر، نحو وجدان مرهف لشاعر ينشد شوقه وشكواه وتعاطفاته، فانتصرت له ماورائياته الكاتمة..وهكذا تم تجاوز النص في جموده، إلى سياق طيع، انفتحت فيه اللغة بكل خصوصياتها المرنة، على ذات شاعر في لاوعيه المنفلت... فصار السياق هو من يرتب نصوص أضمومته في تشارك مشعرن، معفيا إياها حتى من تأريخ راهنيتها،عند إنزال قصائد الديوان، تحييدا لنمطيتها...
*المقروء وإنعاش السياق:
-المقروء هنا، كعتبة نصية،هام باعتباره وسيطا قرائيا للنص العام، وليس للمواضيع التي هي من طبيعتها التقاسم بين القراء، حيث تتلاقى فيها الرؤى وتختلف... فهو هنا يتقدممتشكلا من مفاهيم قطبية دلالية، تأخذ القراءة معها في تداولتأملي بينها وبين رؤيا الشاعر، للكشف عن ملامح متخيله... وسيلاحظ منه، أن تلك اللغة الرخيمة المغطية لكل الديوان شموليا، لها مهارة تشكيلمفاهيم قطبية، هي الصائغ لكل توافق قرائي.. ومن أبرزها ما يلي:[(الريح- البحر- الجمر- النسيم- المطر- الماء- الورد- الرحيل- الروح- الموت- السفر- النوارس- الإنشاد- البوح- المرأة- القصيدة- المرايا- الأفول...)]..إنها رموز شحنت لتهيكل شعرالقصيد كهوية ورؤيا، يؤطرها وجود ذاتي، يسكن حمولاتها، كعلامات تنعش بدلالاتها، شاعرية التنصيص.. والمثال على ذلكالعنوان ذاتهجمرات الريح،إذ ينقلنا إلى حس تكون فيه الريح مشعلة للجمرات، وفي آن واحد مطفئة لها... فيحصل التحول من حرقة الذات إلى إمتاعها بشتى الصيغ..وهو منطق شعر طافح بفورة لغته،حيث تنفتح ضمن السياق فجوات وانزياحات وتأويلات شتى، تنشطسفريات ارتياح،سواء في الكلمةأو في العبارة أو في القصيد... فيتحول الكل إلى إنشاد وجودي ذاتي، وقيم مثلى، بوفاء ألزمته رقة هذهاللغة الرخيمة،لكل العناصر ذات النزوع الإنساني كما ورد سابقا من رهانات... حيث تترسخ خطابات بوح بغيرة صدق... فجاء السياق سلسا، يبني نفسه ذاتيا بمتنفسات كتابة منشرحة، تجعل هذا المقروءمنفتحا على إضاءة أسلوبية حيوية، تحضر للنص والمتلقي أبعادهما،حميمياووجدانيا وإنسانيا.
*التنصيص والاستدلالات:
- إن هذا الزخم الشعري اللغوي المتناسج مع التنصيص، حقق تواصلا مرنا بين تراكيبه الإيحائية ومقروئه الطلق، في الذات الكلية.. وهذه قصيدة جمرات الريح،على ص.5 كنموذج، أتت متفائلة رغم الجمر وحرقته.. إذ تغيت بلغتها رومانسية التنفيس الذاتي.. فالشاعر رجح هنا عدة مجازات توليفية، ساقها مخيال شعري، من الذات وإليها، لإذابتها، ممتطئا استلهاما لغويا موسعا... إنها لغة تتغنى في إنشاد حالم... فهذه القصيدة، هي أم قصائد جوارها، بدليل اقتباس ديوانها شعرية عنوانه.. وقد بدت تتناثر منها إيماءات إيحائية لهواجس يأس حد طغيانه، بحس وجودي ذاتي طافح، فتقول:[(أيتها القرنفلة الصغيرة في كفي/أتبخر الآن سنابل تتفتق في رؤاك/أتبدد شعاعا يتسرب إلى أنفاسك/امسكي مواويلي الصاخبة فيك/رقصا على ينابيع الماء/المنفلتة من أصابعك/إلى أديمالفراغ الملون بالرماد/والموت/توجعي في أنين أحلامك/توجعي../عسى عصافيرك تحلق/ في جفون الجمر/وحرارة لهيب النبض/في قلبك/افتحي عينيك الآن/افتحي بابا للبحر على نوافذ السفر/اغسلي جفنيك بعطر الورد./قطار العمر يسير/والقافلة في منتهى الطريق/سابقي الريح والمطر/وعاصفة ستأتي من نافذة التبن..)].. أليس هنا خلاص مبحوث عنه بسفر ملح توقا إلى ريح ممطرة، هروبا من عاصفة ستأتي؟ إنها قصيدة منغمسة في آتون جمرات محرقة، لم يتأتى متنفسها إلا مع لغة شعر، تسكب أمال انعتاق، ضدا على يأس ملون بالرماد..من هنا فاللغة تضخم نفسها وتنشر منثورها، ليتعمم على باقي القصائد...
*دعم الاستدلالات:
-وهكذا وإثباتا للرؤيا الأسلوبية لهذه اللغة، في تماسكها الوجودي شموليا، مع كل تيمات النصوص، نورد بعضا مما تميزت به مفاهيم لغة الديوان القطبية برخامتها الملهمة وحضورهاالدلالي، تزكية لما طرح سابقا من توليف رؤيا،ترويضا لحالات انزياح بين تعارضات لامتناهية، من يأس وأمل- حزن واستبشار- شقاء وارتياح، إلخ...وتستحضر كلها بتمخض في الذات الشاعرة، ليمتد معناها في المقروء جوهريا، وعبر احتضان وجداني مرهف، متحررمن قضايا وهموم التنصيص،ومقوم لكل تيهان يعمه،مكرسا منطقا وجوديا عائما.. وهذا نموذج قصيدة بعنوان-تيه- وظفت فيه جل المفاهيم كأدوات إيحاء لحالة تساؤل، تتكرر في مستهل جل النصوص بعد عناوينها، إنكاراواستغرابا، كمنعطفات انفتاح على كل المتون.. يقول النص على ص.44:[ٌ(أيا غفوة تغتالك في صحو هذا الغيم؟/تراودك فراشاتي على منبع التيه من عينيك/تمخرك مراكبي العاتية../تدغدغ انشطارك في المدى/فتهرب مني إلي/كمنارات الشجر/ترشف لحظات التيه في غابات الموج/تلفظك مرايا البحر/فتحلق نوارسك البعيدة/في شواطئ الريح/فتحط على أغصان أصابعي/أراك باعتلاء ونخوة/كما لو كنت أحضن فيك/ولادة ستأتي عميقة/مثل رائحة البحر/حين يرقص من صخب الموت)].. فهذا التيه الطلق هنا، عبر قصيدة شعر منثور، تحررليرتاد من جهة مخاطبة الذات، كما القصيدة،وكما المرأة، حيث لا يعرف من الشاعر،أيها يلبي نداءه،وأيها يأسر انجذابه،وأيها يثير عشقه..ومن جهة أخرى، فهذا يساعد على إعادة تشكيل الرؤى المتناثرة،بانفتاح إنعكاسي لمجازات لا تحد لغتها.
سياق المتخيل العام:
- وهكذا تستمر التشكلات اللغوية تلملم على منوالها، كل التيمات..ولنلاحظ هذه الرفعة للوطن في قصيدة -صمود وسمو-، على ص.65، فتقول:[(ما أبهى أن تتخطى الرفعةالشوك/أن تتسلق ذاكرة انخراطك في تخوم النار/أن تسكب الرحيق في معادن الطين/أن تنثر عباب عراكك في معاطف الريح/تركب فرسك الجموح/وتمضي إلى منتهى الشمس)].. وبتماه مع القصيدة نفسها، وكأنها محتفى بها في يوم الشعر، بعنوان- رذاذ- ص.55، يقول الشاعر:[(القصيدة ترقص في غيوم البحر/بغنج ودلال فاتنين/تطير العصافير محلقة في رذاذ الشجر/كأنفاس زكية تدغدغ الروح/السماء تهبط عارمة بالضوء/تلف المدينة بمسحة ضباب/وحزن مورق/...)].. ويلاحظ التقدير للمرأة في قصيدة بعنوان- في يوم عيدك- ص.56:[(يا امرأة في يوم عيدها/اكبري في المدى/كالأنسام/وتعطري في مرايانا/بنداك/واتركي الشمس/تأتيك بضوئها/وتنام في حضنك/كحمام/...)]..وللصحاب تقول لغة قصيدة "سمر الصحاب" ص.72:[(في الليل حين يغفو القمر بين جفون الغمام/وحين ترحل النجوم في شلال الضباب/أجلس إلى أصحابي إلى مائدة السمر/.../نترك الحلم يزهر في عيوننا/كشمس/لا مفر من أن ننام هذه المرة/على وسائد أحلامنا/لا مفر من أن تطرق أناشيد أصحابي/بابي في البحر/ستكون-بالا شك-عذبة/مثل أرجوحة/مثل حبات مطر/...)]..كما تحضر فلسطين في مرثية أفول، علىص.67، مثبطة لكل إحباط لا يقاوم:[(من يعلن فينا مرثية أفول/وراء أسوار النكبات المحنطة/في سراديب التاريخ المنسي؟ ويثبت نحيب الثكالى/ووجع الرحيل/إلى أرصفة لا تشبهنا/وحجر يعانق جرحنا/في مطلق المدى ..)]...ثم تأتي مراثي الراحلين، في نموذج-شموع عالية- ص.87، اعتزازا بمراقي أرواحهم إلى الخلد:[(يا أخا نما في قلوبنا زهرا مورقا/كيف غفلتنا ورحلت في صمتك الأبدي/عاليا كسعف نخيل/وتركتنا لجراح تدمل خطونا؟/يا أخا تسامىفي أرواحنا وترا رنينا/كيف غفلتنا وهجرت إلى سكونك الأزلي/سامقا كصفصاف/وتركتنا لفجيعة تكوي جنبنا؟)]..وهكذا عينت الدراسة منتخبات استدلت بها على توسع لغة بخصوصياتها المتفردة،أتاحت وجدانيات حميمة عممت تفاؤلا رحبا./.
الإجمال:
-لقد عكفت كل الاحتوائيات الإبداعية المتجوهرة في لغتها، من قطبيات وأسلبة ومقروء، على صوغ انفراجات رخيمة في شساعتها التحررية،لصناعة معان تتناسل إضاءة لواقعية مفترضة... إنه شعريحط على أصابع شاعره، فيؤثث وجدانا، يبلور القصيدة، ملطفا تشرخها، بتكامل مع مواضيع زمانها...فالشاعر عبد العزيز أمزيان، رسم في ديوانه وجودية طلقة ليست ملزمة بالتزام*5، بل حاضنة لومض مرهف، وترميز رحب، في تشارك موحد بين التأليف كإلمام شمولي، والكتابة كطرح مواضيعي، والإبداع كجنس شعري، متداخلة... فتحولت الرؤيا بالكامل، مذيبة لواقع متاهات،منشغلة بذواتها...فالزمن كان زمن جراح ورياح عاصفة متحدية، بدءا من الفرد إلى المجتمع إلى الأمة...
*هوامش:
1-شاعر مغربي، ممارس لقصيدة/النثر
2-مجموعة شعر منثور- حازت على جائزة ناجي نعمان الأدبية، 2013.
3-هي تصور فلسفي أفلاطوني لنظام جمهوريته
4-عاصمة اقتصادية للمملكة المغربية، وأكبر مدنها..
5-يدعو الفيلسوف الوجودي الفرنسي"جان بول سارتر"، إلى تخليص الشعر من كل التزام، في نظريته الأدبية التي وردت بكتابه الشهير (ما الأدب؟).

العربي الرودالي
باحث في سوسيولوجيا الأدب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى