محمد محمود غدية - سطوة الغياب

عينيها النجلاوتين، أكثر إلتماعا من مصابيح الشوارع الباهتة، السماء داكنة إلا من بضعة نجوم شحيحة تلمع فى ضعف، إستفردت بها الوحشة وداهمتها أنياب الوهن، تخاف الموت الذى بات وشيكا، منزلقا على جدران حجرتها، عاشت الحب ولم تكن تدرى له تفسير، تعرف فقط أنه موجود وتعيشه، ولم يعد موجودا، بعد أن تسلل هاربا من النوافذ والأبواب المشرعة، كانت صغيرة لاتدرى كيف جاء الحب ولماذا ذهب، الحب فى حياة الرجل ومضة تأتى وتذهب، وعند المرأة جذور ثابتة وتاريخ تعيشه حتى بعد أن يذهب،
تتأمل الشرفة التى كان يعشقها والمطلة على البحر، تدرك أن ذلك البحر تشكل من دمعاتها، كان يحلو له التحديق فى عينيها، كأنه يستكشف ألقهما للمرة الاولى، وكأن هذا العالم بدأ خلقه من هاتين العينين التى إنطفئتا بعد رحيله، هى من شجعته بعد زواجهما على السفر، لإستكمال حصوله على الدكتوراة، سنوات تتبعها سنوات تباعدت فيها المراسلات وإنقطع رنين الهاتف والمودات، تعيد قراءة ماكتبه فى آخر مراسلاته :
سأحملك فى حقول دمى أينما ذهبت، ستكونى مسرتى وأكون نجمك الذى لا ينطفئ، إنطفئت الأنجم والأقمار وكل الأشياء، لابد من فرد جناحيها والنهوض، مثل البجع فى ثلج الفضاء العاصف، الحياة تستحق كل هذا الركض رغم أنها تذهلنا بمنطقها المدهش والمعاكس، تهدينا مانحب فى المكان والتوقيت الخطأ، تتأمل أنوثتها المعطوبة فى المرآة، التى تمردت عليها و كادت أن تكسرها، كيف سمحت لنفسها إرتداء أثواب الحزن،
وأن تمضغ الألم، عليها أن تنفض كل هذا الحزن، وترتدى أثواب البهجة، لابد من مواجهة جهامة الغياب، كأحد حقائق الوجود الباعثة على الدهشة .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى