في شتاء بارد، كنا نتحلق حول جدتي كما لو أننا نلتف حول موقد، يشع من وجنتيها الموردتين حمرة كمشكاة تضيئ، كانت كلماتها الدافئة تسحر عيوننا التي تحدق في عينيها الزرقاوين كعيني قط، لا نسمح لأي أحد منا أن يتكلم أثناء حديثها المشوق، أو حتى يسألها لم نتذكر يوماً أنها لبست ثوبا بألوان زاهية، فمنذ أن أبصرنا بنور وجهها، وهي تلبس ثوباً ًاسود، تنتظر الليل لتوقد مشعلا،ً تعلقه امي في سقف الغرفة، أو فانوساً في شباك صغير.
في ليلة كان المطر ينزل بهدوء وسكينة، حتى أن قطراته لم تحدث صوتاً في صاج صقف الحظيرة، قبل أن يكتحل الظلام بمرود المصيبة، وضعت لنا امي عشاءاً خفيفاً، ثم رأينا جدتي وهي تصلي من جلوس، ضحكت أمي بوجه أبي الذي همس بأذنها لأمر لم نكن ندركه في ذلك اليوم، لم نكن ندع جدتي تشرع بحكايتها حتى قدوم (فاطمة) ابنة خال، تجالسنا كعادتنها في كل ليلة، كانت (فاطمة) تقطع الطريق الموحل بصعوبة بالغة حتى تصل إلى بيتنا، تغسل رجليها النحيفتين بماء الترعة، نسمع نباح الكلب الذي تسكته بصوتها الناعم كالحرير، كان الكلب يشم أكمام ثوبها المطرز بورود حمراء وأخرى بيضاء كالثلج، كنا نلعب في أوقات النهار الدافئة تحت أشعة الشمس، نركض في وسط حقول القمح، نلعب لعبة الغميضة، نرجع إلى البيت قبل اّذان المغرب، كانت (فاطمة) ترجع وحدها الى بيت أهلها، لكنها كانت تتسلى في طريقها مع صوت الضفادع الواقفة بكيس حلقها المنتفخ، تمسك واحدة منها تأخذها حتى آخر الدوار حيث بيتهم الطيني،
اليوم علي غير عادتها تأخرت (فاطمة) عن ليلة الحكايات، ربما المطر حال دون وصولها، سكت الكلب من نباحة منذ أكثر من نصف ساعة تقريباً، ازداد قلق جدتنا التي همت بطرق الباب على أمي وأبي، توكأت على عصاتها وراحت تمشي كنملة صغيرة نحو غرفتيهما، طرقت الباب بعصاها، وكنا نقف خلف ظهرها المقوس كالخيارة، قال لها أبي وقد حاول أن يطمأنها بأن أباها منع (فاطمة) من المجيء إلينا قي هذا الجو الممطر، لم تروي لنا جدتي في تلك الليلة حكاية من حكايتها، بيد أنها لم تذق طعم النوم فبين الفينة والأخرى كانت تفتح شباك الغرفة وتنظر على ماء الترعة، وخزت الكلب الذي كان نائماً بجوار نافذتها، لكن الكلب لم يتحرك، كانت تلك الليلة طويلة جداً، فكلما فتحت إحدانا عينيها تجد جدتي جالسة كأنها صخرة منحوتة
أنبلج أول خيط للفجر، سمعت جدتي صوت ديك أبيض يقف على جدار البيت، وقفت تتحسر، تثاقلت انفاسها.. وراحت تجر رجليها النحيلتين نحو الخارج كأنها سلحفاة تقصد ماء الترعة، خرجنا خلفها وقد ابتلت الأرض تماماًً بماء المطر، جلست بهدوء وهي تنظر إلى ماء الترعة كأنها تعلم ما ألم بأبنة خال، وهي تنوح باكية، سمعنا صوت قوي كأنه يهز بيوت القرية، لا ندري هل من نواح جدتي أم من صوت الرجل الذي نزل الى الترعة وهو يصيح غريق في الترعة،.
فاطمة مندى
في ليلة كان المطر ينزل بهدوء وسكينة، حتى أن قطراته لم تحدث صوتاً في صاج صقف الحظيرة، قبل أن يكتحل الظلام بمرود المصيبة، وضعت لنا امي عشاءاً خفيفاً، ثم رأينا جدتي وهي تصلي من جلوس، ضحكت أمي بوجه أبي الذي همس بأذنها لأمر لم نكن ندركه في ذلك اليوم، لم نكن ندع جدتي تشرع بحكايتها حتى قدوم (فاطمة) ابنة خال، تجالسنا كعادتنها في كل ليلة، كانت (فاطمة) تقطع الطريق الموحل بصعوبة بالغة حتى تصل إلى بيتنا، تغسل رجليها النحيفتين بماء الترعة، نسمع نباح الكلب الذي تسكته بصوتها الناعم كالحرير، كان الكلب يشم أكمام ثوبها المطرز بورود حمراء وأخرى بيضاء كالثلج، كنا نلعب في أوقات النهار الدافئة تحت أشعة الشمس، نركض في وسط حقول القمح، نلعب لعبة الغميضة، نرجع إلى البيت قبل اّذان المغرب، كانت (فاطمة) ترجع وحدها الى بيت أهلها، لكنها كانت تتسلى في طريقها مع صوت الضفادع الواقفة بكيس حلقها المنتفخ، تمسك واحدة منها تأخذها حتى آخر الدوار حيث بيتهم الطيني،
اليوم علي غير عادتها تأخرت (فاطمة) عن ليلة الحكايات، ربما المطر حال دون وصولها، سكت الكلب من نباحة منذ أكثر من نصف ساعة تقريباً، ازداد قلق جدتنا التي همت بطرق الباب على أمي وأبي، توكأت على عصاتها وراحت تمشي كنملة صغيرة نحو غرفتيهما، طرقت الباب بعصاها، وكنا نقف خلف ظهرها المقوس كالخيارة، قال لها أبي وقد حاول أن يطمأنها بأن أباها منع (فاطمة) من المجيء إلينا قي هذا الجو الممطر، لم تروي لنا جدتي في تلك الليلة حكاية من حكايتها، بيد أنها لم تذق طعم النوم فبين الفينة والأخرى كانت تفتح شباك الغرفة وتنظر على ماء الترعة، وخزت الكلب الذي كان نائماً بجوار نافذتها، لكن الكلب لم يتحرك، كانت تلك الليلة طويلة جداً، فكلما فتحت إحدانا عينيها تجد جدتي جالسة كأنها صخرة منحوتة
أنبلج أول خيط للفجر، سمعت جدتي صوت ديك أبيض يقف على جدار البيت، وقفت تتحسر، تثاقلت انفاسها.. وراحت تجر رجليها النحيلتين نحو الخارج كأنها سلحفاة تقصد ماء الترعة، خرجنا خلفها وقد ابتلت الأرض تماماًً بماء المطر، جلست بهدوء وهي تنظر إلى ماء الترعة كأنها تعلم ما ألم بأبنة خال، وهي تنوح باكية، سمعنا صوت قوي كأنه يهز بيوت القرية، لا ندري هل من نواح جدتي أم من صوت الرجل الذي نزل الى الترعة وهو يصيح غريق في الترعة،.
فاطمة مندى